كمال ذبيان – «صدى الوطن»
عشر سنوات على العدوان الإسرائيلي على لبنان، وهزيمة الجيش الصهيوني أمام المقاومة في حرب دامت 33 يوماً، وهي أطول الحروب الإسرائيلية–العربية، إذ كان الكيان الصهيوني يغزو الدول العربية بستة أيام، إلا في لبنان الذي صمد بوجه حربين إسرائيليتين عام 1982 و2006، وقد يتحضر العدو الصهيوني لحرب ثالثة، قام من أجلها بسبع مناورات تحت إسم «تحول»، ركّز فيها على تمتين الجبهة الداخلية، التي إنهارت في حرب تموز، تحت تأثير قصف صواريخ المقاومة، فلم يجد المستوطنون ملاجئ يحتمون بها، ورأوا جيشهم الذي لا يُقهر، يخسر أمام ضربات المقاومة التي كبّدته خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وأهم من كل ذلك أسقطت نظرية «الأمن الإسرائيلي» الذي كانت ذراعه تمتد على كل الشرق الأوسط، وصولاً الى باكستان.
فلبنان من بين الدول العربية، وعلى صغر مساحته الجغرافية، وتعداد سكانه الأربعة ملايين، وإمكانات جيشه المتواضعة، وانقساماته الداخلية، وحروبه الأهلية، استطاع أن يلقّن الإحتلال الصهيوني درساً لن ينساه، وبات على قادة العدو أن يفكروا كثيراً قبل أن يقدموا على أية مغامرة عسكرية جديدة، إذ ستكون مكلفة له، أكثر مما يتصور، وهذا ما توصلت إليه مراكز الأبحاث الصهيونية العسكرية والسياسية، إذ رأت في تنامي قوة المقاومة، لاسيما الصاروخية منها، إضافة الى مشاركة “حزب الله” في القتال الى جانب الجيش السوري، اختباراً عسكرياً للمقاومة في خوض معارك السيطرة على مستوطنات الجليل في شمال فلسطين المحتلة، والقريبة من الحدود اللبنانية الجنوبية، إذ قام الجيش الإسرائيلي بتدريبات عسكرية على مثل هذا الإحتمال.
جنود اسرائيليون يحملون رفيقاً لهم مصاباً في جنوب لبنان يوم 25 تموز (يوليو) 2006. (أرشيف |
صواريخ موجهة
ففي مؤتمر هرتسيليا الذي يعقد منذ 11 عاماً للبحث في «الأمن الإسرائيلي» والاستراتيجيات الدفاعية، فإن المؤتمرين ركزوا على الخطر الذي يشكّله «حزب الله» وإيران معاً على الدولة العبرية، التي تعتبر نفسها في حرب وجودية، وهي المرة الأولى التي بدأ الكلام داخل الكيان الصهيوني، حول ما تمثله المقاومة التي برأي الخبراء العسكريين، باتت
تملك حوالي 150 ألف صاروخ، وفي تقدير المخابرات الأميركية، فإن المقاومة يمكنها أن تطلق ما بين 1000 و1200 صاروخ يومياً لمدة تصل الى حدود السنة، وهو لا يمكن لإسرائيل من أن تتحمّل حرباً طويلة، وهي المعتادة على الحرب الخاطفة.
فامتلاك المقاومة لعشرات آلاف الصواريخ، حيث أعلن نائب قائد الحرس الثوري الإيراني عن أن المقاومة في لبنان تمتلك أكثر من 100 ألف صاروخ، وهو تأكيد يصدر للمرة الأولى عن مسؤول عسكري إيراني رفيع، حيث لم يسبق للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، أن كشف في كل خطبه ومواقفه عن سلاح المقاومة كماً ونوعاً، لكنه كان يؤكّد دائماً أن صواريخ المقاومة تصل الى كل بقعة ونقطة وموقع ومرفق في إسرائيل، إذ أن إحداثياتها مصوّبة نحو المطارات العسكرية، والموانئ المدنية، والثكنات العسكرية، وأهم موقع ستستهدفه صواريخ المقاومة، هو مصانع الأمونيا في حيفا، التي تتواجد فيها معامل البتروكيميائيات.
ففي خطابه في يوم القدس العالمي، توجّه السيد نصرالله الى قادة العدو، قائلاً: تعلنون أنكم تعرفون معلومات عن المقاومة وأسلحتها ومراكزها، لكن نؤكّد لكم (لقادة العدو)، أن المقاومة تمتلك معلومات عنكم، أكثر مما تدعون أنكم تعرفون عن المقاومة، وأن الحرب المقبلة إذا ما أقدمتم عليها، ستكون أمامكم المفاجآت، فكما فاجأتكم المقاومة في حرب تموز 2006، فإن في حربكم الثالثة التي تستعدون لها، ستكون مقبرتكم، وبداية نهاية وجود كيانكم الغاصب، وإذا كانت الفترة التي حددها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق داني حالوتس للحرب الثانية على لبنان، وهي ثلاثة أيام، وتكون المقاومة قد انتهت واستسلم قادتها، ودمرّت قواعدها الصاروخية، فإنه أخفق في تحقيق هدفه، في «عناقيد الغضب» التي كانت شعاراً لحربه.
فقوة الردع التي صنعتها المقاومة بوجه العدو، تمنعه من الإقدام على حرب جديدة، وإن كان يرفع من مستوى تهديداته، بأنه سيعيد لبنان عشرات السنوات الى الوراء بتدمير بنيته التحتية، وعدم توفير عاصمته بالقصف، وتحويل الضاحية الجنوبية الى دمار، فإن المقاومة أعدّت العدة أيضاً للرد والذي سيكون مدوّياً كما يؤكّد السيد نصرالله، إذ أن نحو مليون مستوطن وأكثر في شمال فلسطين المحتلة، سينزحون الى أماكن بعيدة عن صواريخ المقاومة، التي تحمل مئات الأطنان من القنابل، وهو ما يُرعب المستوطنين الذين لم تعد لهم ثقة بجيشهم، وهو ما عبّرت عنه استطلاعات الرأي.
المقاومة تتحدى
لذلك فإن حرباً ثالثة متوقعة دائماً من العدو الصهيوني، لكن ظروفها غير متوفرة له، وهو ما يعطي المقاومة اطمئناناً، بأنها حققت نظريتها وهي توازن الرعب، وقوة الردع مع الكيان الصهيوني الذي يعيش كابوساً من الخطر الذي يتربّص به على حدود كيانه في الشمال، فبعدما كان لبنان يخشى من إسرائيل ويرفع بعض من سياسييه شعار «قوة لبنان في ضعفه»، حيث انقسم اللبنانيون حوله ما بين مَن يدعو الى تقوية الجيش وتسليحه وتدريبه لمواجهة الإعتداءات الإسرائيلية، فإن سياسيين لبنانيين من أركان النظام في لبنان لاسيما منهم قادة اليمين اللبناني عموماً، وزعماء مسيحيين خصوصاً على رأسهم كميل شمعون وبيار الجميّل وريمون إده، كانوا يؤكدون بأن الدبلوماسية وصداقات لبنان الدولية تحميه، لكن هذه النظرية أثبتت فشلها، وغزت إسرائيل لبنان مرتين، واعتدت عليه عشرات المرات، إلى أن كانت المقاومة التي بدأت مع الفصائل الفلسطينية ثم مع القوى الوطنية اللبنانية و«حزب الله»، ففرضت معادلة القوة بوجه العدو الإسرائيلي، وسقطت نظرية قوته بضعفه، بل بمقاومته.
وهكذا ينقضي العام العاشر على العدوان الإسرائيلي على لبنان، الذي مازال في حالة حرب مع الكيان الصهيوني، إذ أن القرار 1701، أوقف الأعمال العسكرية، دون أن ينهي الحرب المفتوحة مع الجيش الذي قيل أنه الرابع في العالم، ليظهر أمام المقاومة، أنه من جيوش العالم الثالث، إذ لم ينقصه تطوير سلاحه، واستخدام التكنولوجيا في حربه، وهو يملك أعتى الأسلحة، لكنه لا يملك إرادة القتال التي لدى المقاومة، وقد أثبتت ذلك في أثناء العدوان صيف 2006، إذ بضعة أفراد من المقاومين دمّروا عشرات دبابات «الميركافا» من الجيل الرابع، إذ كان قاذف «الكورنيت» الروسي الصنع، المفاجأة التي حطّمت الدبابة التي إمتنع العديد من الدول من شرائها، فتعطّل سوق السلاح الإسرائيلي.
فالسيد نصرالله تحدى قادة العدو الصهيوني، بأن يقدموا على شن حرب جديدة على لبنان، وحذرهم من أنها ستكون الأخيرة، ودون أن يعتقدوا بأن إنشغال المقاومة في سوريا بالقتال ضد الجماعات الإرهابية التكفيرية، قد يمنعها من مواجهة مغامرة إسرائيلية جديدة، إذ أن المرابطين من المقاومين المجاهدين عند الحدود الجنوبية، وعلى كل مساحة الجنوب، سيتمكنون من إحراز نصر جديد، سيكون أقوى من النصر الذي تحقق في عدوان تموز 2006.
والتهديد الذي رفعه الأمين العام لـ«حزب الله»، أخذه العدو الإسرائيلي على محمل الجد، وهو ما توصل إليه «مؤتمر هيرتسيليا»، الذي رأى أن المقاومة في لبنان، أصبحت في المعادلة الإقليمية ولها حلفاء، سيكونون الى جانبها، وأولهم إيران التي تدخّلت في سوريا، لحماية المقاومة، بدعم النظام فيها، وهو ما فعلته روسيا أيضاً، وإن كانت بحسابات أخرى.
فالمقاومة في لبنان، وبعد عشر سنوات، أصبحت بحجم جيش يقاتل بعقيدة حرب العصابات.
Leave a Reply