خليل إسماعيل رمَّال
باتت الحقيقة المرَّة واضحة وهي أنه لم يمر على تاريخ البيت الأبيض رئيسٌ أضعف «وأخسع» من باراك أوباما الذي أصبح «ليم داك بريزيدانت» قبل الأوان، أي رئيس ولاية «البطة العرجاء» التي حلَّتْ مبكِّرةً جداً هذا العام رغم أن نوبة الحراسة عنده لن تنتهي قبل ١٨ شهراً.
السبب هو أنَّ حتى رأس نظام ذيلي خانع تاريخياً وتابع وخادم للمصالح الأميركية منذ مطلع القرن العشرين فـي ذاك «القرن» من العالم، مثل سلمان بن سعود، يمكنه أنْ يتمنَّع عن حضور مؤتمر قمة يدعو إليه اللورد الاميركي فـي «كامب ديفـيد» السيِّء الذكر، ويرسل بدلاً عنه مندوبين من الغلمان. ومهما «تفصحن» كتَبَة آل سعود من الكَسَبَة الإعلاميين أن مليكهم لم يحضر القمة المقرَّرة منذ شهرين، بعد يوم واحد من تأكيد حضوره لوزير الخارجية جون كيري، بسبب «انشغاله بالهدنة الإنسانية فـي اليمن وافتتاحه لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، فهذا مجرد هراء ودجل وشكّل إهانة وصفعة لأوباما نفسه وللولايات المتحدة. فالرئيس الاميركي عادةً لا يدعو حكام وملوك العرب إلى الاجتماع بل يستدعيهم استدعاءاً وهم مذلولون ليحجُّوا إلى واشنطن، باستثناء الرئيس المرحوم المناضل الفريق حافظ الأسد وابنه (الذي يجب أنْ تعود صورهما لتغرق مطار بيروت الدولي محل الوجوه الكالحة التي نراها فـي «شبه الوطن»اليوم ). فالرئيس الأسد هو القائد العربي الوحيد الذي حفظ كرامته وكرامة شعبه العربي الأبي ولم يهرول إلى واشنطن مخفوراً مُهاناً خاضعاً من خشية رئيس أميركا، مثل باقي الحكَّام العرب «الزهايمريين» الذين إذا قال لهم حاكم البيت الأبيض «نطنطوا فـي الهواء لسألوا كم متراً يا مولاي؟»(أي بلغة العم سام «هاو هاي»). لكن الرئيس الشريف حافظ الأسد (أبو سليمان) أجبر رؤساء أميركا كلهم فـي عصره على الالتقاء به إما فـي دمشق أو فـي دولة أوروبية محايدة كالنمسا.
لكن تمرُّد سلمان هذا لا يغرف من عزة النفس نفسه الذي كتبه حافظ الأسد وبشار الأسد من بعده، ولا يشبهه فـي شيء. تخلُّف سلمان (الفكري؟) عن الحضور هو من نوعٍ آخر ويعود إلى الأمور الآتية:
١- الخوف من الإحراج السعودي بعد انتشار كلام عن نصيحة كويتية بضرورة الحد من الفضيحة و«الجرصة» بعدم حضور سلمان الذي لا يعرف من الدبلوماسية الا اسمها وبسبب وضعه الصحي والنفسي غير المؤهل. فهو حتى فـي الرياض فـي نصف جنازة حامية، ارتكب سابقة بروتوكولية مضحكة بترك أوباما وزوجته لوحدهما يستقبلان المعزين بحجة قيامه بأداء الصلاة.
٢- حرج السعودية المستجد بعد أن كشف الصحفـي القدير المشهور سيمون هيرش سبقاً إعلامياً جديداً مجلجلاً هو أن ادارة أوباما لم تفاجيء أسامة بن لادن فـي مدينة «أبوت أباد» فـي تلك الغارة الليلية بل تعاونت مع الاستخبارات الباكستانية على قتله وهو كان قيد الإقامة الجبرية لديها منذ ٢٠٠٦، وكانت نفقات إقامته تموِّلها مملكة آل سعود. كذلك كشَفَتْ صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية ثبات التهمة بأن السعودية وقطر تساعدان «القاعدة» فـي سوريا والعراق واليمن.
٣- يريد سلمان توجيه عتب خجول للأميركي، بعد أنْ زلزل أوباما العروش والممالك والمشيخات المهرهرة فـي الخليج، تحت أقدام حكامها عندما نطق، رغم ضعف ركبه، بحقيقة صارخة وهي أنَّ على هذه الكيانات أنْ تخاف من الداخل ومن غضب شعوبها لا من إيران. ومعروف عن آل سعود ان ميتهم لا يموت وحقدهم دفـين فلم ينسوا إهانة أوباما الأليمة بعد، كما لم يبلعوا قبل ذلك وصف الرئيس بشَّار لهم بأشباه «الريال» (الرجال بالخليجي).
٣- سلمان يريد تسجيل موقف عن قلقه هو وإسرائيل من الاتفاق النووي مع إيران، لا بسبب القدرة النووية، بل بسبب إطلاق يد الجمهورية الاسلامية لتصبح قوة إقليمية عظمى معتدلة ومتزنة فـي العالم ولها دور راجح فـي محاربة الإرهاب والتكفـير الداعشي ذي المنبع الوهَّابي. لكن هذا يبقى مجرد تسجيل موقف أمام رئيس ضعيف بسبب استمرار حاجة آل سعود لأميركا. فالسعودية أنفقت نحو ٥٠٠ مليار دولار لبناء جيشها، خلال ٢٠ عاماً، و«نحو ثلاثة أرباع هذا المبلغ ذهب إلى الولايات المتحدة»، كما أعلن أستاذ الإقتصاد السياسي الخليجي فـي «جامعة جونز هوبكينز» جان فرانسوا سيزنيك. كذلك أكدت مجلة «فورين بوليسي» العريقة أنه «فـي عام ٢٠١٤، أنفق الخليجيون أكثر من ١١٣,٧مليار دولار على جيوشهم مقارنة بـ ١٥,٧ مليار فـي إيران»، مضيفةً أن «السعودية أنفقت أكثر من ٨٠ مليار دولار على الدفاع»، فـي العام ذاته.
٤- وجود خلافات طفـيفة بين الطرفـين حول حرب اليمن. فسلمان لم يشعر بحماسة الأميركي لعدوانه رغم تطابق الأهداف، لكن الخلاف كان على التوقيت. ثم جاء التخبُّط الذاتي السعودي وفشل العدوان بعد أنْ وصلت الموسى إلى ذقن المناطق السعودية الحدودية وتبين وجود سلاح كاسر للتوازن لدى الحوثيين الذين خطَّطوا وصبروا استراتيجياً واستمروا فـي تعزيز السيطرة على مواقع البلاد والنقاط الحساسة كافة غير مبالين بالقصف الجوي والرد الانتقامي السريع، لمنع أي موطيء قدمٍ للغزاة فنجحوا فـي إحباط المخطط السعودي القاعدي، مما فسر قيام السعوديين بارتكاب المجازر وحرق صعدة وقصف حتى المقابر ومن بينها ضريح السيِّد حسين الحوثي الذي خافوه وهو شهيد.
لكن الأنظار اليوم ليست منصرفة نحو واشنطن بل مشدودة إلى الأعلى إلى تلة موسى حيث يُصنَع التاريخ الحديث وحيث التقمت عصا المقاومة والجيش السوري ما يأفكون من تكفـير وهابي ومن بني صهيون. هو نصر كبير جديد للمقاومة فـي القَلَمون وفـي أيار شهر الانتصار على العدو الواحد.
Leave a Reply