لكي تعيش في هذا العالم، سواء هنا في المهجر أو هناك في الوطن، حيث كل شيء يسير على ما يرام، يجب عليك أولا وقبل أن تتنفس، أو تعطس، أو تفتح بوزك لتتكلم أو تأكل، أو تعض على نواجذك غيظاً ويأساً كونك تنتمي لأمة لم تكن ولن تكون واحدة، وقبل أن تقوم باي عمل من أعمال الحفاظ على البقاء يجب عليك عزيزي القارئ في البداية أن تستوعب، وأن تعي وأن تهضم أسس وركائز فلسفة “التطنيش” وما يتبعها من مبادئ مشهورة مثل “خليني في حالي” و”ما ليش دعوة” و”صباح الخير يا جاري أنت بحالك وأنا بحالي” و”الباب اللي بيجي منو الريح سدو واستريح” ألخ..
ولأن دوافع “التطنيش” تختلف من شخص إلى آخر، فإن وسائل “التطنيش” بالضرورة تختلف هي الأخرى باختلاف هذه الدوافع وباختلاف الشخص الطامح إلى الانتساب إلى عصبة “المطنشين” أو “المطنّشاطية” إذا راق لك التعبير..
وبما أنني إنسان -وللأسف الشديد- يعتمد كثيرا على عقله في عالم لا يحب العقل ولا يطيق مصاحبة العقلاء، ويهرب من الفكر ويرى فيه جرثومة لا تقل فتكا وخطورة عن فيروس أنفلونزا الخنازير، لأنني كذلك فإن حاجتي للتطنيش تنبع عندي أساسا مما يجرّه عليّ التفكير العقلاني من متاعب وآلام في الرأس والمفاصل والمصران الغليظ.
وبما أن المتاعب الناتجة عن ذلك التفكير الملعون العقلاني لا يمكن أنُ تطرد بواسطة التطنيش التقليدية مثل مشاهدة المسلسلات التركية، والنميمة في الهواتف الخليوية، وتدخين الأركلية في القهاوي المنتشرة في كل زواية من هذه المدينة ونظراً لأني مؤمنة بمبدأ ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ولا يفل الحديد إلا الحديد، فإنني وبعد تفكير طويل وبعد اختيار دقيق، وجدت في الألعاب الذهنية الكمبيوترية وسيلة “التطنيش” الفعالة والكفيلة بتعطيل قدرتي العقلية، واستنزافها، وتوجيهها بعيداً عن مصادر التعب والمعاناة التي يجلبها النقد العقلاني في عالم متحضر ومتقدم كهذا العالم الذي نعيشه، وخصوصا عالمنا العربي بمؤسساته المتواجدة بكثرة في المهجر، وهي على كل حال نسخة كربونية من مؤسسات الوطن العربي الأكبر المترهل والمتخم بالرؤوساء والمدراء والموظفين حيث ينبت حول كل رئيس أو مدير أو موظف رهط من المساعدين من أبناء أمه وأبيه وأخته وأخيه وفصيلته التي تؤويه البعض من هؤلاء الموظفون حساسون ضد أي تفكير عقلاني أو نقد ذاتي سواء كان جاداً أو ساخراً.
والانسان الغبي مثلي الذي يتجرأ فينتقد ظواهر معوجة في مجتمعه وقومه سوف ينتهي مهزوماً مدحوراً مشككا في ولائه واتجاهاته.
والآن وبعد أن وجدت وسيلة التطنيش المطلوبة، وأصبحت مدمنة على الالعاب المسلية وعلى حل الكلمات المتقاطعة الإلكترونية. الآن فقط صرت أنعم بالراحة من جراء الإدمان على ذلك المسكن العقلي ولا أجد الوقت الكافي لمجرد قراءة عناوين ومانشيتات الصحف والمجلات الرئيسية، ونصيحة مني لكل العزيزات من القارئات والأعزاء من القراء الذين يشكون من كثرة التفكير والقلق من الانتماء لهذه الأمة الواحدة بعد الألف من الطوائف، ذات الرسالة الخالدة في الضرب والنصب والقسمة على بعضها البعض، فإني أقول لهن ولهم جميعاً بأن لايبالوا ويطنشوا ويروقوا أعصابهم وما في شي بيستاهل. ولو يا عمي أوطان بكبرها بعظمها ضاعت منا، هلق هون بدنا نسأل مؤسساتنا ومراكزنا ونزعجن ونقول لهم شو عمتعملو! مش عيب.. عن جد عيب!!
حقيقة وبدون مواربة، في داخلي غصة وشفقة على كثير من “الدكاترة” حاملي الشهادات العالية، رؤوساء مؤسساتنا العربية في ديربورن لأن حولهم الكثير من العمال والموظفون لا يعرفون شيئاً ليفعلوه!!
Leave a Reply