خليل إسماعيل رمَّال
يشهد ما يُسمَّى بالعالم العربي اليوم تخبطاً وسط جاهلية قد تكون أشد مضاضةً وفساداً وظلاماً من الجاهلية الأولى. فسائر دول العالم الأخرى تطورت ولحقت بها الحداثة في الحكم والسلطة والتكنولوجيا وأنظمة العيش إلا الأنظمة العربية الديناصورية السلالية المتخلِّفة عن ركاب العصر.
أنه العصر الذهبي للعدو الإسرائيلي وبالأخص للسفاح بنيامين نتنياهو الذي أصبح يعتد بحلفه مع ممالك ومشيخات النفظ والكاز وبول البعير. ولولا المقاومة في لبنان وفلسطين ومحور الممانعة من سوريا والعراق واليمن وشرق الجزيرة العربية والبحرين وإيران، الذي يقض مضجع تل أبيب، لكان نصر نتنياهو كاملاً وموزَّراً.
ولو لم نكن في عصر الجاهلية الجديد لما مرَّت مشاركة محمود عبَّاس، الذي لم يعرف التاريخ شبيهاً لعمالته وانبطاحه لعدوه، في تشييع الجزار القاتل بيريز بل والبكاء عليه مرور الكرام، في حين يقبع ابناء فلسطين في السجون الصهيونية منذ عشرات السنوات ويستشهد فلسطينيون كل يوم بواسطة آلة القتل العنصرية وتُقضَم الأراضي العربية يومياً بالمستعمرات الصهيونية على مرأى ومسمع «كبير» المفاوضين الذي علمهم السحر. جنازة القاتل الحامية هذه جمعت هذا الكم من سياسيي فلسطين فكيف لو ماتت تسيبي ليفني؟!
ولو لم نكن في عصر الجاهلية الجديد لما قامت قوات العدوان السعودي بالإغارة المتعمدة والمقصودة على قاعة عزاء في صنعاء مما أدى الى استشهد وجرح اكثر من 700 شخص، بدليل الإغارة مرة ثانية على نفس القاعة عندما كان المسعفون والمتطوعون ينتشلون الضحايا من تحت الأنقاض. لقد استشهد حوالي 500 يمني مدني أعزل من السلاح على يد اداة الإجرام السعودية في أيام عاشوراء الحسين، التي عنوانها التضحية والفداء. ولو أن المجزرة التي ارتكبها آل سعود بدمٍ بارد، قامت بها دولة أخرى لقامت الدنيا ولم تقعد. من يذكر كيف أنَّ العالم الأعور تأثر بطفلٍ سوري استشهد على شاطيء تركي، لكنه لا يرى المجازر التي تُرتَكَب بحق أطفال اليمن وقانا في لبنان وغزة والعراق والبحرين وشعب المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية الصامدين.
بل من أجل جريدة منحطة وسخيفة هي «شارلي ايبدو»، هبَّ قادة العرب إلى باريس يتظاهرون كتفاً بكتف مع نتنياهو والإشتراكي الصهيوني هولاند، ويهتفون لحرية الرأي وكان من بينهم ممثل النظام السعودي الذي يعتقل المدوِّنين والأحرار على الشُبهة؟! أما مجزرة آل سعود في القاعة الكبرى في صنعاء فبالكاد لاقت تنديدات خجولة خصوصاً من قبل أسوأ أمين عام للأمم المتحدة عرفته الهيئة الدولية، وهو المنصب الذي احتله مفكرون عريقون كبار مثل داغ همرشولد ويوثانت أما هذا البائس بان كي مون فلم يكن يعرف أين يقع البحر الأبيض المتوسط!
وبدل أنْ يبادر أوباما، المغادر للرئاسة غير مأسوف عليه، إلى وقف المذبحة في اليمن يتدخل مباشرةً فيقصف بصواريخ «كروز» موقعاً للحوثيين بحجة محاولة ضرب سفينة حربية أميركية في البحر الأحمر رغم نفيهم لذلك وكأنه لا يعرف أن آل سعود سمحوا لمن هب ودب من الدواعش و«القاعدة» بالتواجد في اليمن، وهذا القصف هو تدخُّل مباشر سافر وخطير يُضاف إلى سجل أوباما الذي كثرت قبائحه قبل أنْ يبارح!
النظام السعودي على حافة الإنهيار ولكنه يحاول التمسك بأهداب النظام العربي ليهوي معه. فهو غير قادر على الإنتصار في اليمن أو الإستمرار في عدوانه وبات مصير سلالته ككل على المحك، ومن ناحية ثانية لا يملك إرادة وقف العدوان لأن ذلك سيؤدي إلى هزيمة منكَرة له! لذلك يستمر آل سعود قي مكابرتهم رغم فشل سياساتهم في سوريا والعراق وسوء علاقاتهم مع أميركا بعد اقرار قانون «جاستا» لمقاضاتهم بسبب أحداث أيلول، والآن مع مصر بعد أنْ وقفت مع الحق في الأمم المتحدة فمنعت عنها النفط لتحوله إلى العدو الإسرائيلي .حتى هيلاري صديقة بني سعود كشَفَتْ تسريبات ويكيليكس إنها تعلم بالتمويل السعودي والقطري للدواعش وأنَّ منبع عقيدتهم هو الوهَّابية!
ورغم ذلك، ينتظر الساسة الفاشلون في لبنان الترياق من آل سعود على أحر من الجمر لدرجة أنَّ تغريدة واحدة لأحد دبلوماسييهم الجدد في لبنان، كادت تؤدي إلى بلبلة رئاسية في شبه الوطن؟ وقد أُوفد أبو فاعور مرتين إلى آل سعود للإطلاع على «تفكيرهم» فجاء بالربع الخالي وبخفي حُنين. وبين قرار سعودي وحريري يعيش النوَّاب على حرير الوقت الضائع من دون إنتاج -أي «أكل ومرعى وقلة صنعة»- ويقومون بهدر الوقت الذي سيداهمهم وهم لم يتفقوا بعد على قانون للانتخاب! إنَّه عصر الجاهلية العربي الجديد!
Leave a Reply