إنتصرت “ثورة النيل”، بل ثورة الإنسانية، إنتصاراً أسطورياً باهراً ومحت كل سني الهزيمة والعار والخيانة التي فرضها السيء الذكر أنور السادات منذ العام ١٩٧٧، لكننا نتوجس خيفةً من فترة ما بعد نجاح الثورة وقلع الفرعون الذي أرجع مصر آلاف السنين إلى الوراء وسلبها تاريخها وعزتها ودورها الطليعي في نصرة القضية العربية الأولى بل حجمها لتصبح أداةً وذيلاً للعدو التاريخي والحضاري للأمة.
نخاف على الثورة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي عينه مبارك نفسه فرد له التحية والإجلال وأبقى على بقايا نظامه، حكومة أحمد شفيق وفيها طبعا “أبوالغيط” الذي بدا مخبولاً ومذهولاً في الإجتماع الوحيد المصور لما يسمى بحكومة تصريف الأعمال. أحمد شفيق هذا يذكرني بفؤاد السنيورة عندما قبلت المعارضة السابقة بتعيينه رئيساً للحكومة بعد مؤتمر الدوحة أي على طريقة “حاميها حراميها”. شفيق هذا هو قريب مبارك وعرف بتهكمه على المتظاهرين في ميدان التحرير الذين صنعوا التاريخ بأيديهم فما الضمان بأنه لن يسعى جاهداً لإحباط منجزات الثورة؟ ثم أنه عندما إندلعت الثورة الشبابية، كرس الإعلام الأميركي حيزاً واسعاً للحديث عن عدم تعرض الجيش المصري للمعتصمين عازياً ذلك إلى سنوات الرعاية والتدريب الأميركي لهذا الجيش خصوصاً لكبار الضباط فيه وأن سبب ضبط النفس لدى الجيش يعود إلى التربية الأميركية (ونِعم التربية) أي أن عقيدة الجيش المصري القتالية بالتأكيد ليست منسجمة مع الأغلبية الساحقة من الشعب المصري، بل خاضعة لسيطرة مموليه. من هنا الخوف أن ينفذ الجيش، مع النظام السابق، إنقلاباً على الثورة. إذ كيف يتخلى، مثلاً، الثعلب ربيب إسرائيل عمر سليمان عن السلطة بهذه السهولة ويختفي مع معلمه من دون أثر؟ هذا بالضبط ما يحمل الشباب الذي صنع المعجزة مسؤولية جديدة بأن يبقى متيقظاً من تكرار تجربة “ثورة مصدق” في إيران في الخمسينيات أو تجربة الجيش التركي الذي تسلم مفاصل البلاد لمدة طويلة. ومادمنا نتحدث عن حركة الشعب العربي وانتفاضاته في مصر وتونس وليبيا والبحرين واليمن والجزائر، وغداً إن شاء الله في الممالك والأنظمة الأخرى، لابد من تناول موضوع إيران وسوريا بعد أن سرت معلومات على “الفيسبوك” بتكرار تجربة مصر في هذين البلدين وتغيير النظامين فنقول أن ثورة الشباب في مصر وقبلها في تونس قام بها أناسٌ وطنيون شرفاء أما في الحملة المبرمجة على سورية الأبية فيقوم بها ربيب الأوكار السرية المخابراتية جوني عبدو وزمرته من الموتورين من أمثال مروان حمادة وشقيقه علي وفارس خشان وباسم السبع وهاني حمود.
ما شاء الله فهذه الحثالة “الثورية” يهمها الشعب السوري وقضيته كثيراً وتريد له الثورة والعدالة! ما أكثر نفاق هؤلاء ومن وراءهم! فبالأمس وقف مروان حمادة، حتى قبل وليد جنبلاط، بالصف منتظراً تقبيل وجنتي السفيرالسوري في لبنان في حفل عيد الجلاء السوري. ولعل مشهد التظاهرات المؤيدة للجمهورية الإيرانية وتأييد الشعب السوري لرئيسه لم ترها عيون الإعلام المعادي ذي النظارات الإسرائيلية. فقد أصبح واضحاً أن ملايين الدولارات تنفق على المرتزقة وعملاء “الموساد” في إيران من أجل زعزعة إستقرار الجمهورية الإسلامية وأن إغتيال علماء الذرة هو جزء من هذا المخطط بعد أن فشلت إسرائيل في ضرب المفاعل النووي الإيراني. ثم أن الشعب الإيراني أنجز ما قام به الشعب المصري منذ ٣٢ عاماً وبالتالي على اوباما أن يتساءل عن دعم أميركا للدول الرجعية المتخلفة لا أن يخلق قضية مفبركة ضد الدول المتحررة. الجمهورية الإسلامية التي تأسست ببركة الإمام الخميني ضد أعتى نظام على وجه الأرض، سيدافع أبناؤها عنها بدمائهم، كما أن النظام الوطني في دمشق سيبقى شوكةً في عيون الأعداء ونصيراً لقوى الصمود والممانعة في المنطقة.
ما دمنا وصلنا إلى حديث المقاومة، ندلف إلى المشهد اللبناني حيث أرست معادلة ردعٍ جديدة زلزلت الكيان الإسرائيلي الذي لم يفق بعد من هول صدمة “ثورة النيل” وفقدان أحد أكبر حلفائه. أنه فعلاً عصر المعجزات والكرامات والمكرمات عندما يرد الصاع صاعين لإسرائيل التي احتقرت وذلت جيوش العرب لكنها اليوم لا تجرؤ إلا على الوعيد اللفظي على لسان باراك الهارب كالجرذ من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠ الذي هدد بدخول لبنان فلم تمض ٢٤ ساعة إلا وكان الرد المقابل بتحرير منطقة الجليل الفلسطينية. كم يصغر مشهد ما تبقى من صغار “١٤ آذار” أمام هذه الإنتصارات الوطنية الشعبية. فقبل مفاجأة الردع الجديد، جاءت مفاجأة الأسير المحرر من سجن مبارك الطاغية، سامي شهاب الذي كان يساعد أبناء غزة المحاصرة. قارنوا بربكم بين شهاب الذي إستشهد والداه وشقيقته في “حرب تموز”، وبين جوقة “الدنيا هيك” التي اجتمعت في “البيال” في ذكرى الرئيس رفيق الحريري الذي للأسف قزموه ونزعوا عنه الإجماع الوطني من خلال التسريبات التسجيلية لإبنه، وعبر تلطيخ إسمه من قبل صاحب اليدين الملطختين بدماء الشهيد رشيد كرامي وغيره (هل قرأ سعدو ما قال عنه جعجع في “ويكيليكس”؟) إضافةً إلى ديكور شيعي منبوذ حتى من بلدته. لقد صور سعدو والده على أنه صاحب القرار ١٥٥٩ المشؤوم وبأنه فاسد يرشي الناس من خلال “خزنة درويش” ومن المؤسف أن هذه التسجيلات الفضائحية لم تأخذ مداها بسبب إنشغال الناس بثورة مصر. على كل حال بقّ سعدو البحصة بعد تحرره من رئاسة الحكومة وألمح إلى أنه كان يكذب عندما كان يضمر ما اعلنه برفض سلاح المقاومة. إذاً فطاولة “الخوار” ومناقشة الإستراتيجية الدفاعية كانتا ضحكاً على الذقون فلنعد إلى دفاع “شاي فتفت” ودموع السنيورة الذي استذرف دموع التماسيح فعلاً وهو يوجه التحية لشعب مصر على ثورته ثم يسلم على راعيه وحبيبه حسني. فمعلمه، وجه السعد الذي إنقلب نحساً على نفسه إذ بعد سقوطه من رئاسة الحكومة سقط بن علي ثم مبارك وسوف تكر السبحة إن شاء الله، فصل كيف سيكون “القرار الالتهامي” الصادر عن المحكمة الإسرائيلية بالضبط مما يدل على معرفته المسبقة به رغم نفيه كما أنه ادعى أنه لم يوقع على وقف المحكمة لكن وليد جنبلاط أشهر الوثيقة التي وقعها بالتنازل على كل الصحافيين.
والله، لم يحصل أكثرمن هكذا نفاق!.
Leave a Reply