لبناني بامتياز. عقل سياسي انتهازي وبراغماتي، و”جندب حديدي” في مقتبل العمر. “قبّوط” قفز قفزة واحدة، طويلة ومثيرة ورائعة.. من “الشياح” إلى مجلس النواب اللبناني. قفزة يحسده عليها البهلوان الأكبر وليد جنبلاط، صاحب القفزات الكبيرة والمفاجئة. يصلح البيك أن يكون “عراباً” لهذا الوافد الجديد إلى عالم السياسية. يصلح بحق.. لو أنه يقبل. أقصد لو أن عقاب صقر يقبل.. هو الذي لم يتمرن على القفز في حياته. صنع قفزته في الوقت الضائع، في الوقت القاتل والمستحيل، ولكنه مع ذلك ليس محظوظاً مثل البيك. البيك في انعطافته الكبيرة والقاسية والمؤلمة.. التي لم تغفر له خطاياه عند جمهور المعارضة (دعونا من الموالاة). محظوظ.. هذا البيك الذي يحكّ صدغه باستمرار. محظوظ هذا البيك.. الذي نضحك لألاعيبه القديمة باستمرار. حتى في المرة الأخيرة.. حين كانت المرارة تسكن قلوب المهزومين في الانتخابات النيابية، كان البيك محظوظاً. جاء تسويقه عند جمهور المعارضة من وراء البحار، لا بترتيبات من الآنسة كوندي بالطبع، بل من ورشة الكاتب الغاضب أسعد أبو خليل الذي وصف البيك بأنه سياسي مهضوم، وبرّر له تقلباته على هذا الأساس، فكان ذلك الوصف.. بمثابة الفتوى الشرعية لتقبل قفزة جنبلاط الأخيرة وتوبته. ولكن متى كانت الهضامة، أو خفة الدم، تسوّق السياسيين اللبنانيين. تأملوهم على عجل. تأملوا السياسيين اللبنانيين بسرعة، وفكروا بجدية: هل ميشال عون شخص مهضوم، وهل سعد الحريري شخص مهضوم، وهل سليم الحص شخص مهضوم، وأحمد فتفت، والآخرون؟ ثم هل.. أسعد أبو خليل نفسه شخص مهضوم؟!
لن يجد عقاب صقر من “يفتي” له قفزته تلك؟ ولكن لا بأس.. فهذا الفتى جيش وحده. ومرحى لصانعي أمجادهم الشخصية ولو على حساب الوطن. هذا الفتى.. لا يهزمه وئام وهاب، حتى وإن تحالف معه فيصل القاسم صاحب برنامج “الاتجاه المعاكس”. وهاب.. الـ.. أشبه بلاعبي كمال الأجسام. جسد كامل يوحي بالقوة ولكنه ينهار أمام المرايا ولا يستطيع أن ينفذ ضربة قاضية واحدة. شخص يناقش لعدة ساعات.. مع أنه على الأغلب لا يقرأ جرائد الصباح. من أين يحصل على المعلومات، إذن؟ لن نسيء الظن به.. سنقول إنه يضرب بالمندل، وفي لبنان السياسيون يستطيعون القيام بكل شيء.. ما عدا السياسة وإدارة شؤون البلاد. حسناً، وئام وهاب.. ساحر بقبعة، وبدون أرانب بيضاء على الدوام.
وعقاب صقر لا يهزمه آلان عون الذي عيّره بأنه لا يمثل طائفته، والذي عيّره بأنه نجح في الانتخابات بنسبة 1 بالمئة من أصوات أبناء طائفته، فيرد صقر: أنت جئت بأصوات أبناء طائفتك، فأنت تمثلهم إذن، وأنا جئت بأصوات الناخبين من جميع الطوائف، فأنا أمثل جميع اللبنانيين. ههه.. ههههه، ضرورية هذه الضحكة الشائعة في غرف التشات والدردشة، ومعناها.. لا تعبثوا مع هذا الفتى، فهو يعرف كيف تورد الإبل، وهو يعرف من أين تؤكل الكتف، وهو يعرف كيف يقارع خصومه ويجبرهم على احترامه.
وعقاب صقر.. لا يهزمه حسن يعقوب، ابن الشيخ محمد يعقوب الذي اختفى مع الإمام الصدر. عقاب يصحح لابن الشيخ الآية القرآنية التي يحفظها المسلمون والمسيحيون على السواء، ليس من باب الإيمان، بل من باب الدفاع عن النفس. الآية التي تقول: “يا أيها الذين آمنوا، إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة..”. يخطئ ابن الشيخ بالآية، فيصحح له غريمه.. الفتى الغرّ. لا، لا.. صقر ليس فتى غراً، إنه يعرف كيف “يعلّم” على الخصوم، ينتزع المبادرة، ويحصد النقطة. النقطة هي كل ما يريد. هو لا يفكر كالآخرين بالضربة القاضية، لأنه يعرف أن لبنان لا يحتمل الضربات القاضية. لبنان بلد المناوشات. بلد الكر والفر. هذه صيغة حرب، وليس صيغة ألعاب سياسية. دائماً عقاب يفكر بتحصيل النقطة، ولا شيء آخر، فيصفق له جمهور كبير. ثمة في العالم.. جمهور يشجع اللعبة الجميلة. في العالم كله ما عدا لبنان. في لبنان كل جمهور يشجع فريقه بالروح والدم، حتى ولو كان الأداء بائساً!
وهذه كلها تصفيات. المباراة على النهائي يجب أن تكون مع ناصر قنديل. سيرة قنديل السياسية لن تساعده بالطبع، ولكن لا تقلقوا عليه، فهو يعرف كيف يناور، وهو سيمدنا طوال المقابلة بمستندات ووثائق وأقوال ومحادثات وأسرار شخصية، لرجالات وباحثين وسياسيين معروفين، وآخرين مغمورين، هو نفسه لن يعرف كيف يهجئ أسماءهم، ولن ينهزم عقاب صقر بالطبع. الأداء نفسه، والأساليب ذاتها. كلاهما يعرف (ومعهما أسعد أبو خليل) أنه ثمة في العالم مراكز للدراسات من الدرجة الثالثة، ليس فقط في لبنان، بل وحتى في أميركا نفسها. هما خصمان يليقان ببعضهما البعض. ندان إلى أبعد مدى. كلاهما يدير مركزاً للدراسات والأبحاث.. وهذه نكتة بالطبع. والأرجح.. أن المقابلة ستكون أشبه بصراع الديكة.. الديكة المسلحة بالشفرات الحادة والقاطعة. الدراما في هذه النقطة.. أن كليهما ربط شفراته بنفسه، وأن كلاهما يحارب من أجل مراهنات الآخرين. من قال إن التراجيديا إغريقية؟!
ولبنان هو حرب المدفعيات الثقيلة، والسلاح البيض، والأظافر. محظوظ لبنان، لأنه لم يكن يملك يوماً طائرات..
عقاب صقر من مواليد العام 75، من مواليد الحرب الأهلية، وهما يكبران معا..
Leave a Reply