خاص “صدى الوطن”
الرواية تقول أن صبيحة ١١ ايلول (سبتمبر) ٢٠٠١ قامت اربع طائرات خطفها 19 شخصا (عربيا) باستهداف الرموز الاقتصادية والسياسية والعسكرية للقوة الاميركية العظمى في وقت واحد. ومساء ذلك اليوم، تغير شكل العالم ليدخل حقبة جديدة إسمها “الحرب على الإرهاب”.
تمر هذا العام الذكرى العاشرة على اعتداءات “11 ايلول” حيث تحيي الولايات المتحدة، الغارقة في مشاكلها الاقتصادية والمثقلة بالحروب في أفغانستان والعراق، ذكرى فظاعة ذلك اليوم الذي سجل الى الابد في ذاكرتها الجماعية وغير كثيرا من ثقافتها وأسلوب العيش فيها، كما جعلت العرب والمسلمين في أميركا والعالم في مرمى النار.
فبعد سحابة الحزن التي خيمت على البلاد في أعقاب الهجمات سرعان ما سنت قوانين جديدة تشبه الى حد بعيد قوانين الطوارئ في البلدان التي تحكمها الديكتاتوريات، وإن وضعت في إطار وطني تحت مسمى قانون الوطنية (باتريوت آكت) الذي سلب الأمركيين الكثير من حقوقهم، ليصبح كل من يعارض هذه القوانين ينظر اليه على أنه شخصا غير وطني.
فقد بررت الهجمات الابقاء على برامج امنية موروثة عن الحرب الباردة وباطلاق برامج اخرى عديدة تكلف الأميركيين مئات مليارات الدولارات سنوياً وضعت المسلمين في أميركا تحت المجهر خاصة بعد أن شن اليمينيون في البلاد حملة مستمرة لـ”شيطنتهم”.
ولكن الاعتداءات التي أودت بحياة 2753 شخصا لم تقتصر تبعاتها على الداخل الأميركي بل غيرت النمط الأمني في العالم كله و”تسببت” بحربين راح ضحيتها مئات آلاف الأبرياء في العراق وأفغانستان.
ورغم مرور عشرة أعوام بالتمام والكمال على الاعتداءات ومقتل زعيم “القاعدة” أسامة بن لادن، لا تزال هناك تساؤلات تطرح بإلحاح بخصوص قدرة وجهوزية الولايات المتحدة الأميركية على منع حدوث عمل إرهابي آخر، خصوصا وأنّ حالة السلم باتت هي الاستثناء منذ ذلك التاريخ، فيما يطرح البعض تسؤلات حول مدى تأثير الانجراف في رد الفعل على الحياة الأميركية، حيث زادت سطوة الأجهزة الأمنية في البلاد وزادت ميزانياتها عشرات الأضعاف إضافة الى استحداث وكالات أمنية واستخباراتية ضيقت مجال الحريات والحقوق المدنية.
ولكن في النتيجة لا يزال الأميركيون، كنظام وشعب، يعيشون حقبة حرب طويلة للغاية بعد عقد من هجمات “١١ أيلول”.
فقد أَجبَرت هجمات “١١ أيلول” المسؤولين الأميركيين على إعادة تقييم وجهات نظرهم بشأن الوضع الأمني في البلاد ولكن ذلك لم يمنع الكثيرين من التساؤل فيما إذا كان تشديد الأمن كفيلا بتحسين قدرة وجهوزية البلاد على منع حدوث عمل إرهابي آخر.
وشبَّهت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية الحالة التي تعيشها أميركا منذ ذلك الحين بأنها حقبة حرب لا نهاية لها.
ودللت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية الحالة هذا الإطار على التداعيات التي مازالت تحظى بها أحداث “١١ أيلول” بذلك المُجمَّع الذي يعتزم الجيش الأميركي افتتاحه عما قريب في فورت كامبل بولاية كنتاكي بتكلفة قدرها 31 مليون دولار لاستقبال الجنود المصابين وهؤلاء الذين أنهِكت أجسامهم بعد عقد من المشاركة في الحروب.
ومضت الصحيفة تقول إن أعمال البناء الجارية الآن لهذا المجمع يمكنها أن تحكي قصة اعتناق أميركا لتلك الحرب التي لا نهاية لها طوال فترة العشر سنوات التي مرت على البلاد منذ وقوع أحداث “١١ أيلول” في العام 2001.
بينما كان ينظر الجيش والشعب الأميركي طوال العقود الماضية إلى الحروب على أنها انحراف، وإلى السلام على أنه العرف السائد. وطبقاً لما ورد في آخر تقييم أعده “البنتاغون” للوضع الأمني حول العالم، فإن الأيديولوجيات الدينية المتطرفة، والتقنيات الحديثة، والأسلحة الفعالة الرخيصة قد أوصلت العالم إلى حقبة من الصراع المستمر.
وورد بهذا التقييم أيضاً “لا ينبغي لأحد أن يتوهم بأن العالم المتقدم سيفوز بهذا الصراع في المستقبل القريب”.
واستناداً إلى هذا المنطق، يمكن القول، وفقاً لما أكدته الصحيفة، إن حروب أميركا لن تنتهي وأن أي حديث عن السلام يعتبر حديثاً وهمياً أو ساذجاً.
ولفتت “واشنطن بوست” في نفس الإطار إلى أن وجهة النظر الجديدة بشأن الحرب والسلام أحدثت تغييرات بعيدة المدى في وكالات مثل “سي آي أي”، التي بدأت تحول تركيزها من جمع المعلومات الاستخبارية إلى استهداف وقتل الارهابيين. وبداخل الجيش، لفتت الصحيفة إلى أن التحول أعاد تشكيل القواعد العسكرية، وأدى إلى إنشاء قواعد جديدة، وكذلك إلى تغيير المعنى الحقيقي للمحارب.
وعلى الجبهة الداخلية، بدَّل الفكر الجديد وجهات النظر القائمة منذ مدة طويلة بشأن فعالية القوة العسكرية واحتمالية أن يسود السلام. وفي العقود التي تلت حرب فيتنام، صب الجيش الأميركي كامل تركيزه تقريباً على التدريبات من أجل التحضر لخوض حرب كبرى، لم تكن في الحسبان، مع الاتحاد السوفيتي. ورغم وقوع صراعات محدودة، مثل غرينادا وبنما وحرب الخليج، إلا أن أميركا كانت في حالة سلام إلى حد كبير.
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتحقيق أميركا فوز سريع في حرب الخليج، راهن الجيش على أنه سيكون بمقدوره استخدام الأسلحة الكبرى والتكنولوجيا ذات الجودة الأعلى لضرب الأعداء كي يستسلموا على وجه السرعة. وقال اليوت كوهين، المؤرخ العسكري الذي خدم في إدارة الرئيس جورج بوش، إن العقد الذي قضته أميركا في حربي العراق وأفغانستان قد سحق “التأكيدات المتعجرفة” لتلك الحقبة السابقة.
وقالت الصحيفة إن امتداد حقبة الحروب لفترات طويلة تسبب أيضاً في عزل الجيش الأميركي عن المجتمع. وسبق للجنرال المتقاعد دافيد بارنو، الذي قاد القوات الأميركية بأفغانستان، أن كتب مقالاً نُشِر على الموقع الإلكتروني لمجلة “فورين بوليسي” الأميركية، قال فيه “يعيش الجيش اليوم، بما في ذلك القيادة، في فقاعة منفصلة عن المجتمع. ويهدد هذا الانعزال العسكري الرائع بتعزيز ثقافة التفوق والانطواء. وهو ما يجب أن يتغير إذا كان للجيش أن يستمر مع الشعب الأميركي دائم التنوع”.
وواصلت الصحيفة بقولها إن حربي العراق وأفغانستان ربما لم يحظيا بنفس التأثير الثقافي واسع النطاق الذي حظيت به صراعات سابقة كالحرب العالمية الثانية أو حرب فيتنام. وأوضحت أيضاً أن الصراع اللانهائي أحدث تغييرات كبرى في الطريقة التي ينظر من خلالها الأميركيون إلى الحرب والسلام. كما أشارت الصحيفة إلى أن هيئات “البنتاغون” التي أُنشِئت حديثاً لمتابعة حربي العراق وأفغانستان من المرجح أن تبقى إلى أجل غير مسمى من أجل التعامل مع تهديدات العصر المتواصلة.
وفي غضون ذلك، قالت الصحيفة إن كلمة “السلام” أضحت ثمة كلمة قذرة في دوائر السياسة الخارجية لواشنطن. وأشارت هنا إلى أن أوباما لم يَعِد بإنهاء الحروب التي تخوضها أميركا، وأنه ألمح فقط إلى أن بلاده بحاجة لايجاد طرق قتالية جديدة وأكثر فعالية من ناحية التكاليف لا تضطرهم لارسال عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين لكي يتمركزوا في العديد من القرى المنتشرة بكل من العراق وأفغانستان.
إحياء الذكرى
وسيتوجه الرئيس باراك اوباما الاحد المقبل الى المواقع الثلاثة التي شهدت المأساة، الى نيويورك وواشنطن وشنكسفيل (ولاية بنسلفانيا) حيث تحطمت طائرة رابعة مخطوفة بعد تدخل من الركاب.
في نيويورك، سيشارك في حفل الى جانب الرئيس السابق جورج بوش ورئيس بلدية المدينة مايكل بلومبرغ ورئيس بلديتها السابق رودولف جولياني. وككل سنة سيتم الوقوف اربع دقائق صمت، عند الساعة 8:46 و9:03 و9:59 و10:28، وهي اللحظات التي اصطدمت فيها طائرتان للركاب ببرجي مركز التجارة العالمي (وورلد ترايد سنتر) ثم اللحظات التي انهار فيها البرجان.
وكما في كل سنة ستتم تلاوة اسماء حوالى ثلاثة الاف قتيل في حضور العائلات التي دعيت الاحد الى تدشين النصب التذكاري لـ”11 ايلول”.
وهذا الموقع الذي يجري بناؤه منذ خمس سنوات على مساحة ثلاثة هكتارات سيفتح امام العموم اعتبارا من 12 الشهر الجاري. وقد غرست فيه اكثر من مئتي شجرة سنديان ويضم حوضين واسعين مع شلالات، حفرا تحديدا في مكان البرجين. وخلد اسم كل شخص قضى في تلك الاعتداءات على حجارة فيه.
وفي الذكرى العاشرة تنظم مناسبات عديدة في نيويورك ومدن اميركية اخرى تشمل خصوصا معارض للصور وسلسلة بشرية في جنوب مانهاتن وعروض رقص اضافة الى العديد من الحفلات الموسيقية في لينكون سنتر وتايمز سكوير وفي كنائس عدة منها كاتدرائية واشنطن التي تضررت بفعل الزلزال الذي وقع في 23 اب (اغسطس).
وفي هذه المناسبة دعت وزارة الخارجية في العاصمة الفدرالية الاميركيين في كل مكان من العالم الى البقاء في حالة تيقظ من الارهاب مؤكدة مع ذلك انها “لم تلاحظ اي تهديد معين” مع اقتراب موعد “11 ايلول”.
واشادت وزيرة الامن الداخلي جانيت نابوليتانو ببلد “اقوى مما كان عليه قبل 11 ايلول 2001 اكثر قدرة على مواجهة التهديدات التي تتطور واكثر صمودا”.
لكن بعض المسؤولين الاميركيين انتقدوا الثغرات المستمرة في الجهاز الامني لاول قوة في العالم.
ولا يزال الاميركيون متأثرين بعمق باعتداءات “11 ايلول” وجميعهم يتذكرون ما كانوا يفعلون في تلك اللحظات كما لو انها حصلت أمس.
طي الصفحة
لكن على اثر الحربين في العراق وافغانستان اللتين مولهما دافع الضرائب الأميركي، واوقعتا اكثر من 6200 قتيل في صفوف الجنود الاميركيين وكلفتا الولايات المتحدة ٤ تريليون دولار، يبدو ان كثيرين منهم سئموا وتعبوا ويرغبون في طي الصفحة لاسيما بعد مقتل أسامة بن لادن.
واشار استطلاع للرأي اجرته مؤسسة “غالوب” في الثاني من ايلول الجاري الى ان 38 بالمئة فقط يتوقعون حصول اعتداء في الاسابيع المقبلة، وهو ادنى مستوى في خلال عشر سنوات. وكانت نسبتهم 62 بالمئة في ايار (مايو) بعد مقتل اسامة بن لادن.
وبات غياب فرص عمل جديدة في آب (اغسطس) مع معدل بطالة بلغ 9.1 بالمئة يشكل بالنسبة للاميركيين خطرا مباشرا يهدد عيشهم.
ولكن التحذيرات الدائمة من وكالات الأمن الأميركية من تجدد عمليات الإرهاب كفيلة بالابقاء على عشرات الوكالات الأمنية المستحدثة التي تخنق الحريات في أميركا، دون أي محاولة جدية من المشرعين لرفع هذه القوانين. وكان آخر هذه التحذيرات توجيه الادارة الاميركية تحذيرا الى الاميركيين المقيمين او المسافرين “في كل انحاء العالم” من خطر عمل ارهابي على صلة بالذكرى العاشرة لاعتداءات “11 ايلول”. وينتهي مفعول هذا التحذير في الثاني من كانون الثاني (يناير) المقبل، ويقع عند حد وسطي بين التنبيه البسيط والتحذير الفعلي.
غالباً ما يتندر الأميركيون على البولنديين، حيث يُقال أن تغيير “لمبة” يحتاج الى خمسة بولنديين، لكن الطريف في الأمر أن “تغيير” أميركا والعالم لم يحتاج لأكثر من ١٩ عربياً!!
Leave a Reply