آفات تجتاح يومياتهم عبر أبواب التكنولوجيا و”صراع الحضارات”
بين مبادئ تربية الأسرة العربية والحضارة الغربية، يكون الأولاد “كبش محرقة”. ففي عالم تجتاحه التكنولوجيا وانحدار القيم.. وفي بيئة يفقد الأولاد فيها يومياً ركيزة أساسية في بناء الأجيال، وهي التواصل مع الجيل السابق، يفقد المراهقون هويتهم وينصاعون لعالم يقدس الجنس والمخدرات على حساب القيم والأخلاق. في السابق كان الأولاد ثمرة التربية المنزلية، أما اليوم فهم ثمرة مجتمع الاتصالات والصداقات المدرسية والانترنت والهاتف الذكي والتلفاز الخ… فيما دور الأهل ينحسر أكثر وأكثر في هذه التركيبة.
العلاقات الجنسية عند الأولاد دون سن الثامنة عشر ذات مخاطر عديدة، بدءاً من تأثيرها على مستقبلهم العاطفي وصولاً الى تفاصيل حياتهم اليومية. فبين الانفتاح والفلتان شعرة ان قطعت ضاع الولد في غياهب التشتت والشذوذ. والمشكلة أن البعض ينظر الى الأولاد ذوي التجارب الجنسية المبكرة على أنه “انتصارٌ للرجولة”، وينسى هؤلاء أن هذه الرجولة تمارس مع بنات قاصرات، وكذلك الامر بالنسبة للفتاة “المرأة” التي ينظر اليها بعكس الولد، على أنها “عاهرة”.
في أحد مقاهي ديربورن هايتس، كان اللقاء مع فادي وعلي ومحمد ورامي. ورفضت صديقاتهم الفتيات المشاركة في اللقاء خوفاً مما سيقال عنهن اذا شاركن في الحديث عن تجاربهن. وهؤلاء الأولاد، الذين لم يتخطوا سن الخامسة عشر، يرتادون مدرسة “كريست وود” في ديربورن هايتس، ويشاركون بعضاً من تجاربهم وآرائهم الخاصة حول العلاقات الجنسية والمخدرات.
يُوقِعُ بها.. ثم يتركها
فادي عمران، 15 عاماً، يعتبر أن اخوته شجعوه على إقامة العلاقات الجنسية فكانوا دائماً يقولون له: “انه الوقت المثالي كي تتسلى وتستمتع بالتجارب دون أية مسؤوليات”، هذه الكلمات كسرت حاجز الخوف عند فادي فقرر خوض التجربة بنفسه. يقول فادي: “كانت أول تجربة لي في السنة الماضية، وبعدها أصبحت أخرج مع فتاة مختلفة كل أسبوع، وطبعاً تنتهي العلاقة بممارسة الجنس”. ويضيف فادي: “هنالك أسلوب خاص للايقاع بالفتاة وهو كسب ثقتها عن طريق الكلام المعسول والوعود، فأقول لها ان مشاعري مختلفة اتجاهها وأنني أريد أن أمضي بقية حياتي معها.. وعندما تقع في شباكي وأصل الى مبتغاي، حينها أتركها وانتقل الى غيرها”.
ولا يشعر فادي بأي تأنيب ضمير، ويقول: “هذا درس للفتاة كي تتعلم ان لا تثق بأي شاب وكي لا تمنح نفسها بسهولة”. ويضيف فادي: “الفتيات اللواتي اخرج معهن أجنبيات وعربيات، فالمسألة لا تقتصر على الفتيات الاجانب كما يظن البعض”. وحول الاماكن التي يمارس فيها هذه العلاقات، يقول فادي: “أتسلل الى غرف الفتيات في غياب أهلهن أو نتواعد في بيت أحد الاصدقاء. وفي احدى المرات اضطررت أن أختبأ تحت التخت لمدة نصف ساعة بسبب مجيء الاهل المفاجئ، وقفزت من شرفة الحمام بعد أن تأمن طريق الهروب”.
يعترف فادي أن علاقاته الجنسية أثرت على أدائه في المدرسة وفي المنزل، فهو يمضي معظم الوقت بالتخطيط في إقامة العلاقات الغرامية، وكيف سيوقع بفلانة ويترك علتانة.
ويعتبر فادي المخدرات والكحول خطاً أحمر وأن على إدارات المدارس تشديد الرقابة أكثر فأكثر، ويقول: “في المدرسة، جلس تلميذ خلفي يقطع الماريجوانا في الصف وكأنه في نزهة خاصة ولا أحد يراه، وعندما كانت المعلمة تمر بجانبه كان يضع رأسه على الطاولة”.
فجوة بين الأجيال
في مقابلة خاصة مع المدير السابق لمدرسة “فوردسن” في مدينة ديربورن عماد فضل الله، كان له رأيه الخاص حول العلاقات الجنسية المبكرة عند الأولاد وتواصل الأهل مع أبنائهم.
ويعتبر فضل الله أن هنالك فجوة كبيرة بين جيلي الآباء والأبناء اليوم، فسبل التواصل مفتوحة امام الاولاد عبر الانترنت والهاتف الذكي.. بينما كانت في ايامنا شبه معدومة فالتلفون كان يستخدم للحالات الطارئة. ويقول فضل الله: “هناك بعض الاهل الذين يمنعون اولادهم من استخدام الانترنت ولكنهم لا يدركون انه في كثير من الأحيان بامكان أولادهم استخدام الانترنت عن طريق الهاتف الذكي”، ويضيف: “إن كل سبل التواصل تساعد في نشوء العلاقات التي تصبح علاقات حميمية لاحقاً”.
“قل لي من تعاشر أقل لك من انت”
يجد فضل الله تأثير المجتمع الخارجي على الأولاد من المسائل الأساسية التي يجب على الأهل الالتفات إليها جيداً. ويقول: “على الأهل أن يتدخلوا بالشاردة والواردة في حياة اولادهم. فهنالك وقت طويل يقضيه الاولاد خارج المنزل وتحدث معهم امور كثيرة خلال النهار”.
ويصنف فضل الله التأثيرات الخارجية على الأولاد، في عدة أنماط، فهناك: “تأثير الولد على الولد بحيث يصح المثل القائل “قل لي من تعاشر اقل لك من انت”. لذلك على الأهل ان يكونوا منتبهين لصداقات أولادهم. وكذلك تأثير وسائل الاتصال، والانترنت بشكل خاص، لأن الانترنت عالم مفتوح ولا قيود فيه. وبامكان الولد استخدام الانترنت والاطلاع على أمور لا تتناسب مع عمره وقد تؤثر سلباً على بناء شخصيته وطريقة تفكيره وممارساته اليومية، فعلى الاهل ان لا يسمحوا باستخدام أولادهم للانترنت في غرفهم، كما بامكانهم وضع قيود ورقابة على الانترنت عن طريق برامج خاصة يشترك بها الاهل وذلك “ليطمئن قلبي” كما يقال”.
من ناحية أخرى، يرى فضل الله ان القساوة في التعامل مع الاولاد او التساهل المفرط هما وجهان لعملة واحدة ذات عواقب عديدة، ويقول: “قسوة الأهل في التعامل تخلق ردود فعل سلبية عند الاولاد ما يدفعهم الى القيام بأمور تتخطى المعقول والمسموح بسبب خوف الولد المفرط من أهله”. ويضيف: “عندما يقع الولد في مأزق لا يخبر أهله القساة عن تفاصيل الحادثة خوفاً من العقاب. فيبني الولد جداراً بينه وبين أهله من الصعب جداً اختراقه”.
وعن الوجه الآخر، يقول فضل الله: “هنالك أهل يعتبرون انهم يمارسون أساليب التربية الحديثة فيتساهلون في التعامل مع أولادهم الى ان تفلت الامور من أيديهم، فكل ما يزيد عن حده ينقص، فبعض الأهل يستخدم عبارة أننا رفاق مع أولادنا”. وأقول لهم: “أولادكم عندهم الكثير من الرفاق وهم بحاجة الى أمٍ تلعب دورها والى أبٍ يلعب دوره فهنالك حدود على الولد أن لا يتخطاها. والثقة المتبادلة هي الأساس، تسمح للولد مشاركة تفاصيل حياته اليومية مع أهله دون الشعور بالخوف.. فكل الاولاد عرضة للوقوع في الخطأ وعلينا كأهل أن نبني جسوراً بيننا وبين أولادنا”.
تربيتي المنزلية لا تسمح لي
علي الحسيني، 15 عاماً، يقول: “أنا لا أريد ممارسة الجنس في هذا العمر وذلك لأسباب تتعلق بتربيتي المنزلية وديني الذي يحرم هذه العلاقات، فقد أكسر بعض القواعد الموجودة في الدين ولكنني لا أذهب الى هذا الحد. وهذا أمر يتعلق بشخصيتي ونظرتي للامور وليس خوفاً من التجربة كما يحب اصدقائي أن يقولوا لي”. ويضيف: “أعتقد ان الفتيات اللواتي يقدمن أنفسهن بسهولة هن فتيات رخيصات، وأحزن عليهن لأن الشباب يضحكون عليهن ويقومون باستغلالهن”.
وفي موضوع المخدرات يقول علي: “لقد عرض عليّ المخدرات والكحول في اكثر من مناسبة، الا ان الفكرة لا تغريني لأنني أشاهد تأثيرها على بعض أصحابي بطريقة سلبية ولا أخلاقية، لذلك أفضل الابتعاد عن هذه الأمور. وفي نهاية اليوم، هذه المسائل هي خيارات فردية وليست أمورا يجب أن تكون معممة على الجميع”.
ويتفق الشابان محمد نور الدين وعلي، كلاهما في الـ14 من العمر، مع زميلهم الحسيني، ويعتبرون ان العلاقات الجنسية في سن مبكرة غير صحية بحيث أن وقوع خطأ ما قد يؤدي الى تدمير المستقبل، مثل حصول حالات الحمل. ويقولون: “نحن نتعامل مع الموضوع من منطلق أن لدينا أخوات ولا نرضى أن يضحك عليهن أحد أو يستغلهن. بالرغم من ان الوضع مختلف في الواقع، بحيث ان الفتيات يقدمن انفسهن بسهولة ولكن هذا لا يعني أننا سننصاع لهن”.
القيّم الدخيلة
خلال ادارته لمدرسة “فوردسن”، عالج فضل الله حالات كثيرة كانت تحدث في كواليس المدرسة، ويقول في هذا الشأن: “في احدى المرات على سبيل الصدفة، رأيت احد الأولاد يتسلق مدرج المدرسة الذي يعلو فوق ال30 قدم ويمشي على سقف الاودوتوريم الرفيع جداً، لاكتشف بعدها انه متوجه الى غرفة مخفية لم يكن احد يعلم بها وكان الطلاب يستخدمونها لشتى أنواع الممارسات”.
ويعتقد فضل الله ان الجو العام يسمح للأولاد بممارسة الممنوعات. ويقول: “هنالك نوع من القيم المقتبسة التي اصبحت جزءا من الامر الواقع والمقبول. ففي أول مرة ذهبت الى حفلة تخرج (وهي جزء من الثقافة الاميركية تقام عادة في نهاية الدراسة الثانوية، وتدعى: بروم) وما رأيته كان نوعا من الصاعقة اذا صح القول. فالاولاد يقومون على مسرح الرقص ما لا يقوم به رجل وامرأة في الفراش. وهو ما دفعني الى القيام بحملات توعية وذلك ضمن امكانياتي المحدودة. وتحدثت مع الاهل وحاولت ان أغير مفهوم اللباس وابتكرت شعاراً جديداً يقول: الرقص يكون وجهاُ لوجه واتركوا بعض المساحة”.
ويضيف فضل الله: “لقد حاولت بقدر المستطاع، وكنت اقول لبنات الجالية العربية ان يحتمشن بلباسهن.. ليس من منطلق التدين، وانما من منطلق أن اللباس الكاشف يثير الغرائز”.
الدواء.. مخدرات أيضا
في بداية ممارسة فضل الله لادارة المدرسة كان الموضوع الأول المطروح على لائحة العمل هو “مكافحة المخدرات”. يقول فضل الله: “أحضرت الكلاب البوليسية ولم نجد أية مخدرات في المدرسة. فالأخطر من المخدرات هو الدواء الذي لا تشمه الكلاب. وهنالك دراسة حديثة عن وزارة الصحة الأميركية قدمت احصاء بوفاة ١٥ ألف طفل سنوياً من الجرعات الزائدة من الادوية. فالولد عند ادمانه على الحبوب يبدأ بكميات قليلة ثم يفقد السيطرة على الكمية بسبب تعود الجسم على الدواء والحاجة الى كميات أكبر للحصول على المتعة حتى يصل الامر الى الجرعات الزائدة التي قد تؤدي الى الوفاة. وللأسف الولد لم يكن مقصده الانتحار بل الحصول على النشوة”. ويضيف فضل الله: “هنالك أزمة كبيرة، اذ ان بعض الأهل يتركون الادوية في متناول اولادهم كـ”الفيكادين” وغيرها من المسكنات التي اذا تناولها الاولاد قد تسبب الادمان. ونسبة الادمان على هذه الادوية عالية جداً وتتخطى نسبة الادمان على التدخين أو الماريجوانا وتتخطاها خطورة”.
هذه طبيعتنا!
يعتبر رامي قازان، 15عاماً، لو انه كان يعيش في لبنان لما كانت مسألة العلاقات الجنسية متاحة بهذه السهولة، فالثقافة هنا مختلفة وتتعامل مع الجنس بصورة طبيعية وعادية وتقدم المخدرات والكحول بشكل عادي. ويقول: “كانت أولى تجاربي الجنسية عندما كنت في الـ14 وكانت مع فتاة أجنبية، ومنذ ذلك الحين عشت أكثر من تجربة. واعتقد انه من الخاطئ البدء بالعلاقات الجنسية في عمري ولكننا شباب وهذه طبيعتنا فلا يمكن للشاب ان يرفض بسهولة عرض فتاة تقدم نفسها اليه”.
الثقة المتبادلة أساسية
ينصح فضل الله الاهل في أن يكونوا خطوة الى الأمام وليس خطوة الى الخلف، ويقول: “هنالك بعض الاهل الذين يجدون في تفتيش أغراض أولادهم ومراقبة هواتفهم والمواقع الالكترونية التي يتصفحونها على الانترنت وغيرها انتهاكاً لخصوصية الاولاد. هذا التفكير خاطئ، فيجب على الأم أو الأب أن يبقوا عيونهم مفتوحة وأن يعرفوا تفاصيل حياة أولادهم وأماكن تواجدهم دائما”. ويضيف: “على الاهل تعزيز الثقة بينهم وبين أولادهم وتنمية ثقة الولد بنفسه كي يكون جاهزاً لمواجهة الحياة”.
الجنس.. أفيون المراهقين
لاشك أن التجارب الانسانية أساسية في تكوين شخصية الأولاد، وبناء هذه الشخصية يمر عبر مراحل حساسة ترسم مستقبل الأجيال الصاعدة.
لكن يلاحظ هوس المراهقين بالجنس إلى درجة تشغلهم فيها عن التفكير بمستقبلهم، بحيث يمكن القول إن “الجنس هو أفيون المراهقين” وهو ما يزيد واجبات الأهالي وأدوراهم تعقيدا ومسؤولية في الوقت ذاته، خاصة وأن تكنولوجيا الاتصالات فتَّحت عيون الشباب على كل المحظورات وأصبح كل شيء مباح بكبسة زر. وهو ما أضاف إلى مسؤوليات الأهل مسؤوليات لم تكن في حسبانهم.
Leave a Reply