حسن خليفة – «صدى الوطن»
في ضوء الحوادث المتكررة عن عدوانية ووحشية رجال الشرطة ضد المدنيين العزل في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، فيبدو واضحا أن ثمة حلقة مفقودة بين الشرطة والشعب، وهو ما دفع المؤسسات الحكومية والمنظمات الحقوقية -على السواء- لردم هذه الهوة وتصويب العلاقة بين الطرفين، من دون تحقيق نتائج باهرة في هذا المجال، حتى الآن.
وتعايش الجالية العربية في مدينة ديربورن هذه العلاقة الملتبسة مع الشرطة حيث قامت في السنة الأخيرة بقتل شخصين أسودين دون مبررات قانونية كافية. وقد تسبب هذان الحادثان بقرع جرس الإنداز حول العلاقة المتوترة بين عرب المدينة وشرطتها، فبادر ناشطون حقوقيون إلى نقد سياسة دائرة الشرطة التي تفتقر للشفافية المطلوبة، فيما انبرى آخرون إلى إعلان تضامنهم معها بزعم أنها تسهر على حمايتهم.
وفي هذا التقرير، تحاول صحيفة «صدى الوطن»سبر هذه العلاقة وتوضيح معالمها والوقوف على دوافعها الكامنة، من خلال لقائها بناشطين وشرطيين وأشخاص عاديين، مع الإشارة إلى أن كاتب هذه السطور كان شاهدا على توقيف الشرطة لشبان عرب أميركيين دون أي مبرر قانوني.
قبل فترة قصيرة، وفي ساعة مبكرة من صباح أحد الأيام، أوقف عناصر من شرطة ديربورن سيارة تقل ثلاثة شبان عرب أميركيين بالقرب من تقاطع شارعي فورد وتشايس، وقاموا بتفتيش السيارة تفتيشا دقيقا في الوقت الذي صُودف فيه وجود إعلامي من «صدى الوطن»، قرب مكان الحادث كان يراقب ما يحدث عن بُعد.
وبعد التفتيش الذي بدا مخالفا لحقوق الشبان القانونية والمدنية، سُمح لهم -على مضض- أن يكملوا طريقهم.
وفي الحقيقة، يسارع الكثيرون من عرب أميركا، عندما تأتي سيرة الشرطة أمامهم، إلى الثناء على قوات «النخبة في ديربورن». ولكن مع تصاعد التوترات والصدامات بين الشرطة والمجتمعات المحلية في مختلف أنحاء البلاد، فقد جاء حادث تفتيش الشبان العرب بدون مبرر قانوني ليذكرنا بالحلقة المفقودة في التفاهم والتعايش بين رجال الشرطة والشعب.
هذا التعايش يبدو أنه صعب المنال في ظل ما يسمعه الناس يوميا من أخبار متكررة عن عدوانية ووحشية الشرطة المستمرة وتنميطها العنصري وإطلاقها النار على مدنيين عزّل تنتهي بمقتلهم على أيدي من يفترض بهم حماية المواطنين، مما أدى إلى حدوث خضات خطيرة في البلاد.
في الأسبوع الماضي، تقدمت عائلة جانيت ويلسون -التي أردتها رصاصات قاتلة أطلقها عنصر من شرطة ديربورن، قرب مجمع «فيرلاين» التجاري في كانون الثاني (يناير) الماضي- بدعوى قضائية ضد دائرة شرطة ديربورن مطالبةً إياها بتعويضٍ قدره ١٠ ملايين دولار.
وفي شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، كانت شرطة ديربورن قد قتلت شخصاً أسود آخر (وهو كيفن ماثيو) بعد ملاحقته في ديترويت.
وفي ضوء هذه الأحداث، بدأت جماعات الحقوق المدنية المحلية تطرح تساؤلات على دائرة شرطة ديربورن وكيفية تطبيقها للقانون، مؤكدة «أن رجال الشرطة غالباً ما يُضايقون العرب والأفارقة الأميركيين ويستخدمون تكتيكات غير مناسِبة، وأن دائرة الشرطة تفتقر إلى الشفافية».
وفي الجانب الآخر، لجأ عرب آخرون إلى وسائل التواصل الإعلامي للتعبير عن تضامنهم ودعمهم للشرطة ضد ما اعتبروها اتهامات جائرة وظالمة.
جوهر المشكلة
وقبل أسابيع قليلة، شاركت وزيرة العدل الأميركية لوريتا لينش مع مسؤولين آخرين من وزارة العدل، في ندوات عقدتها منظمات وناشطون محليون لمناقشة آليات تعزيز العلاقة بين أفراد المجتمع والوكالات الأمنية والقانونية.
وفي هذا السياق، تساءل أمير مقلد -وهو محام محلي رافع أمام المحاكم عن ضحايا تعرضوا لانتهاك حقوقهم من قبل الشرطة- عن جدوى وصدق وفعالية مثل تلك الندوات، مؤكدا أنَّ مكتبه قد عمل على مقاضاة الشرطة في «قضايا تم فيها استخدام القوة المفرطة ومخالفة البروتوكول القانوني، بما فيها العديد من الحالات التي نفذت فيها الشرطة عمليات تفتيش غير مناسبة، وغير مبررة قانونيا».
وأشار مقلد إلى وجود نمط منهجي عندما يترافع في قضايا الدفاع الجنائية، «فخلال إيقاف أحد ما بسبب مخالفة مرورية مفترضة يحصل عناصر دورية الشرطة غالباً على النتيجة التي ينشدونها سلفاً، مما يؤدي إلى القيام بتفتيش دقيق غير قانوني للسيارات، الذي يمكن أن ينتهي بسائقيها إلى الاعتقال».
القلق الرئيسي الآخر هو نقص تمثيل الجالية العربية الأميركية في دائرة الشرطة الذي يعمل فيها عدد غير كافٍ من العرب، وهي مسألة كانت «صدى الوطن» قد تطرقت إليها مرارا وتكرارا، حيث نشرت تقريراً في نيسان (أبريل) الماضي حول استقالة أربعة عرب أميركيين من دائرة شرطة ديربورن على مدى العامين الماضيين، حيث ادعى اثنان منهم أنهما كانا عرضة للمضايقة من قبل زملائهم الآخرين.
ودعا مقلد الشرطة إلى اتباع أسلوب شرطة المجتمع، الذي يسمح بتعاطي وتعامل العناصر يومياً مع المواطنين «مما يمكنهم من أن يكونوا أشخاصا مألوفين في مجتمع الجالية».
وأضاف «اذا كان العناصر يعرفون أنهم سيحرسون مواطنين من المهاجرين، فينبغي أن يكونوا قد خضعوا للتدريب المناسب ولندوات التوعية الثقافية، خاصة تلك التي تتعلق بكيفية التعامل مع ذوي الإعاقات العقلية». وأردف «إن إدارة شرطة ديربورن ليست شفافة بما فيه الكفاية» وحثها على الإفراج عن صور كاميرات الشرطة التي تبين كيفية مقتل ويلسون.
وأكد أنه شهد أيضاً على العنصرية الكامنة من قبل دائرة الشرطة عندما كان موكلاً عن ملهى «ليف لانج» الليلي الذي اشتكى عليه الجيران بدعوى إقلاق الزبائن لراحتهم وحصول حوادث إطلاق نار. وقد تم بيع الملهى ذلك في وقتٍ كان فيه المجلس البلدي لمدينة ديربورن يعقد جلسته لمناقشة سحب رخصة بيع الخمور منه.
وجدد مقلد تأكيده «أن التحقيق تأسس على الإنحياز ضد الزبائن الافريقيين الأميركيين الذين تمكَّن البار من اجتذابهم».
وأدلى داوود وليد، المدير التنفيذي «لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية» في ميشيغن (كير-ميشيغن) بتصريح جاء فيه «أن إدارة شرطة ديربورن قد تبدو جذابة وغير عدائية بشكل واضح وعلني، لكنها تحمل تاريخاً من انتهاكات الحقوق المدنية والعنصرية المؤسسية».
والمعلوم أن دائرة شرطة ديربورن تشارك بانتظام في برامج التوعية بالتنسيق مع المنظمات الفيدرالية لمواجهة التطرف وتشجيع الحوار مع الجاليات العربية والإسلامية الأميركية، كما تحضر عناصرها اجتماعات منظمة «بريدجز» (جسور) التي أنشئت بعد وقت قصير من هجمات أيلول (سبتمبر) الإرهابية 2001 من أجل معالجة القضايا الأمنية والمظالم والحقوق المدنية بين الحكومة والمحتمع المدني.
وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، زار رئيس جهاز الأمن الداخلي جيه جونسون مدينة ديربورن للإعلان عن تعزيز التعاون بين أجهزة إنفاذ القانون والجاليات الإسلامية، مع التركيز على حملة «إذا رأيت شيئاً فقل شيئاً» وبرنامج مكافحة التطرف العنيف.
وصرح وليد «لا يوجد هدف عنصري واضح من عقد محادثات مع المجتمعات الإسلامية، ولكن تسليط الضوء فقط على المسلمين ينطوي على نوع من التنميط المبطن»، متسائلاً: لماذا لا تُعقَد اجتماعات خاصة في الكنائس مع الناس البيض؟
وأضاف «إن المواطنين المحليين والمنظمات الذين لديهم علاقة حميمة مع قسم الشرطة في كثير من الأحيان يتساهلون مع مخالفات بعض العناصر، غير أن النتيجة التي آلت إليها الأمور هي أنها أصبحت نمطا يميز سلوك الشرطة».
وعلى سبيل المثال، كانت «صدى الوطن» قد حصلت في العام 2014، على لقطات فيديو لعناصر من شرطة ديربورن وهم يعاملون المواطن علي بيضون بوحشية، علما أن لديه إعاقة عقلية. كان بيضون يستقل دراجته عائداً من العمل في ساعات الصباح الباكر في السابع من كانون الاول (ديسمبر) 2013، وزعمت الشرطة -حينها- أنها حاولت اعتقاله بعدما فشل في إبلاغ أحد عناصرها عن ما كان يقوم به في الحي، معللةً شكوكها به بسبب وقوع سرقات من قبل مشتبه بهم كانوا يستعملون الدراجات الهوائية للهرب بعد ارتكاب سرقاتهم في المنطقة.
وجادل مقلد، محامي بيضون حينذاك، بأن الشرطة استخدمت القوة المفرطة وكان عليها أن لا توقفه أصلاً.
فيما عزا وليد المشاعر المؤيدة للشرطة بين أوساط الكثيرين في ديربورن «إلى رغبة السكان بالأمن والشعور بالأمان تجاه الأفراد الذين لا يقيمون في المدينة ، وبالأخص الأميركيين من أصل أفريقي».
وأضاف «أنَّ العنصرية تتجلى في حقيقة أن الأميركيين الأفارقة يشكلون عدداً كبيراً من الأفراد الذين توقفهم الشرطة، في حين أنهم يشكلون أقلية من سكان ديربورن»، مؤكدا «أنَّ سلوك العناصر لن يتغير ما لم تطبق دائرة الشرطة عقوبات أشد بحق عناصرها المخالفين، مثل توجيه الاتهام إثر كل إساءة يرتكبونها».
الجميع.. متحيزون
على الرغم من أن منظمات الحقوق المدنية والعديد من السكان لديهم شكاوى على دائرة الشرطة، الا أن جميع الاشخاص -الذين جرت مقابلتهم من أجل كتابة هذا التقرير الصحفي- أثنوا على الجهود التي بذلتها دائرة الشرطة مؤخرا من أجل تصويب الأوضاع.
وتشارك دائرة الشرطة في الفعالية السنوية، المعروفة بإسم «الليلة الوطنية للحملة على الجريمة» حيث يتم تشجيع السكان على تعزيز الشراكة لمنع الجريمة في أحيائهم، كما يتاح لهم أيضاً التعرف على عناصر الشرطة وفوج الإطفاء و«فريق التدخُّل السريع» (سوات) وغيرهم.
وفي فعالية العام الحالي، التي عقدت في موقف سيارات دائرة شرطة ديربورن، في الثاني من اَب (أغسطس) الماضي، قال أحد أعضاء الجالية: إن عناصرالشرطة يؤدون مهمة صعبة من خلال الطلب منهم بمعالجة كل حالة على حدة وبأسلوب فريد من نوعه.
وأكد أن هذا السبب كان وراء قراره بالتصويت لصالح المقترح رقم واحد «ميليج» حيث تم تجديده بأغلبية ساحقة لتأمين 11 مليون دولار لدائرة الشرطة وفوج الإطفاء في ديربورن.
وقال قائد الشرطة رونالد حداد: إن الأساليب التي تتبعها دائرة الشرطة مصممة لضمان الحفاظ على أمان وسلامة الجميع، من شرطة ومواطنين.
وأضاف «إن الشرطة تسعى جاهدة لضمان العودة إلى الحياة الطبيعية في المجتمع بأقصى سرعة وأمان ممكنين». وأكد أنه «يتم تدريب العناصر على التحلي بالصبر وتخفيف الاحتقان في الحالات التي تحصل»، ولكنه حث المواطنين على أن يحذوا حذو الشرطة كذلك.
ومضى يقول «عندما نلتزم معاً بنهج الحس العام السليم والهدوء والتعاون، فهذا لن يضر بالشرطي أو بالمواطن».
من جهته، قال الملازم مايكل شو، المتحدث باسم شرطة ولاية ميشيغن، «إن الجدل الوطني الدائر حول المجتمع مقابل الشرطة يعمق المشاكل بينهما… ليس هناك أي فصل. أنا جزء من المجتمع»، لكنه اعترف «بوجود تحيز من جانب كثير من عناصر الشرطة»، مستدركاً «أن الجميع يكتسبون نوعا من التحيز، بمن فيهم الأطفال الذين يتولد لديهم التحيز ضد الشرطة بسبب مشاهدتهم لبعض البرامج التلفزيونية، مثل «كوبس»، وهو برنامج يصور مشاهد لحالات درامية مثيرة تكون الشرطة فيها عادة عدائية بشكل واضح».
وختم بالقول «عندما نأمرك بإيقاف سيارتك، فإن المسألة ليست شخصية.. اعتبِر أننا قمنا بذلك لسببٍ ما، وأنك قد ارتكبت مخالفة ما».
Leave a Reply