وكأنه مكتوب على اللبنانيين كل أربع سنوات أن يدفعوا بالدم ضريبة انتخاب الرئيس نبيه بري لرئاسة مجلس النواب. وكأنه لا يمكن للرئيس بري أن يعتلي سدة الرئاسة إلا وجبين المجلس مخضب بدماء المساكين والأبرياء من أبناء الشعب. فعلام الابتهاج وعلام إطلاق الرصاص عشوائياً في الهواء الطلق؟! وكأن المنتخب لتوه رئيساً للمجلس النيابي قد أتى نتيجة نصر ساحق ماحق حققته طلائع المعارضة في كل لبنان علام الابتهاج؟ وكأن انتخاب الرئيس بري كان مفاجأة كبرى، وصاعقة فرح غير متوقعة لم تستطع أمامها ”الجماهير الغفيرة” أن تتمالك أنفسها، فأخرجت من حواضر البيت ما استطاعت إليه سبيلا مما خف حمله وقوي صوته، موجهة إياه شطر رؤوس الناس وصدورها، وكأنها تطلق النار في غابة ملأى بحيوانات مفترسة غير مأسوف عليها علام الابتهاج؟ لنتائج جزين أم للفوز المبين في دائرة البقاع الغربي أم لملحمة النصر الأسطوري في دائرة بيروت الثانية؟ أم هو للنصر الكبير الذي حصدته المعارضة في كل لبنان؟ من يحمي الناس من رعونة بعض الطائشين ومن تخلف بعض الموتورين؟ أم الحجة هذه المرة بأنهم المندسون، تسللوا خلسة الى شرفات المنازل وإلى أسطح الأبنية بدون علم القيّمين أين هم القيمون، أين هم المسؤولون؟ الم يحن الوقت لإجراء مراجعة شاملة لما وصل إليه الوضع من سوء إدارة وانفلات على المستوى التنظيمي وعلى مستوى الانضباطية التي يجب على الأفراد التحلي بها، بل الامتثال لها وتقديم صورة إن لم تكن مشرفة للتنظيم الذي ينتمي هؤلاء الأفراد إليه، فعلى الأقل غير سلبية وغير مؤذية. أم أن الصورة السائدة في أذهان اللبنانيين يجب أن تبقى هي هي؟ ويجب أن تبقى سمة ”التشبيح” ملاحقة وملازمة إلى يوم الدين ويجب على المقاومة أن تتحمل وزر المتطفلين وأن تأخذ بصدرها كل السهام وتسمع حديث اللئام عن انفلات سلاح المقاومة وعشوائيته على قاعدة المثل الشعبي القائل: ”الظفر ما بيطلع من اللحم
وهل يعتقد المبتهجون سواء بإطلاق الرصاص أم بإطلاق العنان لزماميرهم أم برفع الصيحات في الشوارع، أن ذلك يخفي حقيقة خسارة المعارضة للانتخابات، وأن عودة الرئيس نبيه بري إلى سدة الرئاسة هي تحصيل حاصل وترجيح بلا مرجح نتيجة التقسيم الطوائفي الذي يحتم على النظام الطائفي إعادة إنتاج نفسه مرة كل أربع سنوات من خلال تطويب الساحات المذهبية لأشخاص، ما يجعل الانتخاب في المواقع الأولى من الدولة ضرورة صورية هزلية من أجل حفظ ماء وجه النظام واستمرار ما يسمى ”الميثاقية” التي تعاقد عليها اللبنانيون في اتفاق الطائف بعد طول اقتتال. إلا أن الإضافة النوعية التي برع بعض الجهابذة في تكريسها من أجل الحفاظ على الميثاقية، ومن أجل الحفاظ على هيبة رئاسة المجلس، هي قتيلة كل أربع سنوات وما لايقل عن عشرة جرحى كحد أدنى، كي يكتمل نصاب جلسة ”التنصيب التاريخية” في ظل نحر الخراف البشرية على مذبح الممثلية الرسمية للطائفة الشيعية، بانتظار موعد آخر، عساه ان لا يأتي، من الهمجية والغوغائية على مذبح الممثلية الرسمية للطائفة السنية.
Leave a Reply