لا زلت أذكر أيام طفولتي في الثانوية الوطنية الأرثوذكسية في شمال لبنان حيث كان الشماس ينتجبني لبعض القراءات من كتاب المزامير لداوود النبي.. وما زلت أذكر بعضاً من المعرفة التي كان يبثها الأب ابراهيم سروج في حصة تعليم اللغة الإنكليزية وكيف حسب الوالد الأب سروج رجل دين إسلامي عندما زرت مكتبة السائح بمعيته، حيث اسبغ الوالد لقب الشيخ على عطوفة الأب سروج.
الأب سروج داخل مكتبة «السائح» التاريخية التي تعرضت للحرق من قبل متشددين في طرابلس. |
لقد كان منطق الأب سروج يعبر عن شخصية لاهوتية مسيحية مشبعة بالثقافة الإسلامية… إنها تمثل روحاً مشرقية أصيلة موائمة بين الأديان لا مفرقة باسمها. كيف لا وهو القائل: «نحن والمسلمون سواسية كأسنان المشط». هي روح من نهل من ثقافة مهد الاديان التي أسست للقيم الروحية وازهرت بالمحبة.
علمهم يا سيادة الأب «سمعتم أنه قيل: تحبُّ قريبك وتبغض عَدُوَّك. وأما أنا فأقول لكم أَحِبُّوا أعداءَكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مُبغِضيكم. وصلّوا لأجل الذين يسيئُون إليكم ويطردونكم» (إنجيل المسيح حسب البشير متى، إصحاح 5، الكتاب المقدس).
وقل لهم ليرتلوا: «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم».
علّمهم أن المسلم «من سلم الناس من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» هو حديث نبوي، وأن من «آذى ذمياً فقد آذاني ومن آذاني كنت خصمه يوم القيامة» هو أيضاً حديث نبوي.
ذكّرهم يا سيادة الأب بسورة المائدة وآي القرآن: «ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون».
إن حرق الكتب والمعرفة والتراث يثير الحزن إذ أنه موت يضاف الى الموت المتنقل في ربوع لبنان..ولكنك بمسامحتك تعطي درسا بالمحبة للاجيال ولتقول لهم ان رجل الدين هو شمعة المحبة
وتعلمهم محبة يسوع ورحمة محمد تنبئهم بأن الجهل موت والعلم حياة وأنك جسدت قول صوت العدالة الانسانية الامام علي إذ قال «إقلع الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك».
فلنرنم بصوت أيوب النبي: ميلاد مجيد.. «الرب أعطى والرّب أخذ فليكن اسم الرب مباركاً».
Leave a Reply