أثبت “ثورة الياسمين” التونسية و”ثورة الفل” المصرية سقوط الكثير من الطروحات والإيدلوجيات والنظريات السياسية والاجتماعية. لقد صار جلياً أن مفهوم “البطل الفرد” قد انحسر وتلاشى لصالح “الهبة الجماهيرية”.. التي تقود نفسها بنفسها، بشكل يجبرنا على إعادة التفكير بأدوار الأحزاب والحركات السياسية وجداوها في إعادة تشكيل الصيغة السياسية وتكوين المشهد السياسي في بلداننا العربية.
وكان يمكن لمئات آلاف المهاجرين العرب، وتحديداً أولئك الذين حالفهم الحظ ووطأت أقدامهم أراضي أوروبا وأميركا، أن يكونوا.. شرايين حيوية لضخ الشارع العربي بجرعات الحداثة ومفاهيمها الأساسية، من حرية وديمقراطية وحقوق مدنية وإنسانية، خاصة وأن معظم هؤلاء المهاجرين من النخب الأكاديمية والمهنية والثقافية الأخرى.
وهم بالطبع يقدرون أن يكونوا كذلك لو أرادوا، فهم أولاً يتنعمون بمناخات الحرية والديمقراطية، وثانياً.. تتوفر لهم كل إمكانات التواصل مع أبناء بلادهم الأصلية، بما توفرته وسائل الاتصال الحديثة، والثورة المعلوماتية.
ولكن الذي حصل، أن معظم هؤلاء المهاجرين، فضّلوا أن يكونوا من فئة “الناجين بجلدهم”، ولم تعد الأوطان التي جاؤوا منها، أكثر من استرحات، و مقاصد سياحية للراحة والاستجمام، يقصدونها في عطلات الصيف، مروحين عن أنفسهم برؤية الأهل والأصدقاء القدامى، ومستمتعين بالطبيعة الجميلة وشمسها الدافئة، وحرارة العلاقات الاجتماعية، ونعمة تبديد الوقت، ومن رخص الأسعار في المطاعم والقهاوي والفنادق.. والسفر إلى أماكن الاصطياف.
ويعودون مبسوطين، وهم يعرفون أن الأهل والأقارب والأصحاب والجيران، يحسدونهم على حظهم، ويحلمون لو أن القدر يبتسم لهم كذلك، فيحصلون على فيزا.. إنشالله حتى إلى جهنم، أو أية فرصة أخرى، عبر التهريب أو قوارب النجاة.
وفي هذه الأيام، يتابع المهاجرون أخبار “أيام الغضب” في العالم العربي، ويتظاهرون في بعض الأحيان تضامناً مع أبناء جلدتهم. لقد جاء الوقت الذي صار فيه الناس العاديون والبسطاء والمقهورون والغلابة، ليعلموا المهاجرين من الأطباء والمهندسين والقانونيين وغيرهم، ما معنى الحرية والعدالة. لقد انتصرت الجماهير على نخبها وطلائعها، في الأوطان وفي المهاجر.
وفي الحقيقة لم ينجح المهاجرون العرب في مغترباتهم، رغم ادعاءاتهم أن فروا إليها بسبب استبداد النظم الحاكمة ونقص الحريات وغياب العدالة، في الاستفادة من إمكانيات المجتمعات الغربية، وتكوين مؤسسات خاصة بهم، تعبر عن تطلعاتهم وثقافتهم وحضارتهم، فضلاً عن أنهم لم يضعوا في جدول أعمالهم ضرورة مساندة شعوبهم الأصلية، وهي تواجه آلات القمع وجلاوزة المخابرات وبيروقراطية المؤسسات وتنفذ رجال الأعمال المتحالفين مع السلطات الحاكمة.
والأنكى.. أنهم أسسوا مؤسسات وجمعوا جمعيات ونظموا منظمات بنفس العقلية التي تحكم المؤسسات في الأوطان، فمؤسسات المهاجرين العرب.. هي ممتلكات خاصة، مزارع، أكشاك، تقوم على المحسوبيات، والمظاهر، والانتفاع، والاستئثار بالمناصب، وتوزيع الألقاب، والادعاء، والتفنيص، والتناحر، والفساد، والإفساد، وتمسيح الجوخ، وتبادل المدائح. إنهم يسرقون أصوات الجاليات العربية ويتاجرون بها بأبخس الأسعار.
ولدينا الكثير من هؤلاء المهاجرين، الذين يحلمون أن يصبحوا شيوخ عشائر، وذوات، ومرشدين، وقادة، وأئمة، ومخاتير، وأصحاب مضافات، ورؤساء مراكز، وخواجات، بأقل التكاليف والإمكانات. لدرجة يبدو معها.. وكأننا لم نغادر تلك البلدان، أو حتى كأننا “جزر عربية” في أميركا وأوروبا.
والدرس الأول الذي علينا الاستفادة منه، وبينما تهتف الملايين في العالم العربي: الشعب.. يريد.. إسقاط.. النظام، وبدل التفرج على التلفزيونات، آن الأوان.. أن ننقل تلك الثورات العربية إلى المهاجر، وأن نهتف بصوت واحد: الجالية.. العربية.. تريد.. إسقاط.. المؤسسات!
وأيضاً: المؤسسات.. العربية.. لا تمثل.. الجاليات!
Leave a Reply