الفراغ في رئاسة الجمهورية يضعف مسيحيي المعارضة ويعاظم شعبية الجنرال عون. كان هذا الهاجس الأول الذي يسكن قوى «14 آذار» التي انشطرت فيها الأراء كل حسب مصالحه.فرئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع يريد الإنتخابات وفقاً للنصف زائداً واحداً، ومرشحه النائب السابق نسيب لحود، متخذاً من مناورة الأكثرية بهذه المسألة حجة حاول أن يحاجج بها حلفائه ولكنها سقطت على يد النائب وليد جنبلاط.النائب بطرس حرب يطرح نفسه ويتصلق على ظهر حليفه نسيب لحود منطلقاً من خطاب أكثر إعتدالاً وإنفتاحاً، وفي ذلك غمز من قناة «نظيره في الترشيح» نسيب لحود، على قاعدة إذا كنت أنا «الكحل فهو العمى». وقد كان حرب أكثر إدراكاً ووعياً للواقع اللبناني فربط ترشيحه بنصاب الثلثين والتوافق، وثابر على هذا الأمر حتى إنتهاء «ولاية ترشيحه» ورفيقه نسيب لحود على يد راعيهما الروحي البطريرك صفير، حيث اُختذِلا وفقاً للمعادلة الحسابية التي وضعها الرئيس نبيه بري وجر معها النائب سعد الحريري إلى لعبة الجداول، فأكلت الأسماء بعضها وتحولت لائحة البطريرك صفير إلى صفر مكعب ارتد إلى أعناق الأكثرية. أما الرئيس أمين الجميل فيدور في فلك دوره المفقود، محاولاً إعادة إعتباره السياسي بعد أن هشمته إنتخابات المتن الفرعية، فكان ثمن زياراته المكوكية بين أقطاب الأكثرية والمعارضة، أن إستثناه البطريرك صفير من لائحته. يدعو للوفاق شرط إبعاد الممثل المسيحي الأكبر الجنرال عون عن الرئاسة الأولى، على أساس أن الرئيس السابق أمين الجميل تم إنتخابه وفاقياً عام 1982، وكان تمثيله الشعبي وقتها يفوق تمثيل العماد عون اليوم! النائب وليد جنبلاط عرج على كل المواقف وقلب كل الإحتمالات ومر بكل المراحل، ليعود إلى خطابٍ معتدل إلى حد ما، من الأكيد بأنه لن يكون الثابت الأخير عنده.النائب سعد الحريري، الأقوى في هذا التحالف، وصاحب الدعمين الدولي والعربي اللامحدودين، يتولى المسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقه، وهي جر أعضاء تحالفه إلى الصيغة التي ترسي عليها التسوية الإقليمية – الدولية.ولكن ماذا حصل حتى يتبنى سعد الحريري بالدرجة الأولى ترشيح العماد ميشال سليمان للرئاسة ومن بعده وليد جنبلاط وباقي هوامش «41 آذار»؟ مع العلم بأن البطريرك صفير قال منذ أكثر من شهر بأنه إذا كان الحل يكمن في وصول قائد الجيش إلى سدة الرئاسة فنحن مع تعديل الدستور. وكان موقف «41 آذار» وخصوصاً المسيحيين منهم معارضاً لما قاله البطريرك، مما اضطره إلى إغفال الموضوع حتى أنه لم يورده في متن لائحته الرئاسية.ثمة مَن من المتذاكين، همس في أذن سعد الحريري بأن حزب الله لا يريد الإنتخابات، بل يفضل الفراغ الرئاسي، لأنه ببساطة لا يريد من يطالبه بتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بنزع سلاحه، وهو أي الحزب يريد أن يبقي قوات اليونيفيل المنتشرة في الجنوب تحت رحمة جهازه الأمني، وهو يستعمل هذا الوجود من أجل بناء شبكة علاقات أوروبية من واقع الحاجة الملحة لدوره الأمني ومن ثم توظيف هذه العلاقات سياسياً في الداخل اللبناني. إضافة إلى إمتلاك الحزب لمؤسسات إجتماعية وتعليمية وثقافية وإقتصادية ما يجعله حالة لبنانية مستقلة أمنياً وسياسياً وعسكرياً ولها دورتها الإقتصادية الخاصة. من هذه القراءة الخاطئة انطلق سعد الحريري، معتمدا على «الفكاهة» التي تقول بأن حزب الله يرفض حتى الجنرال عون للرئاسة، فلنرشح عون فينفك تحالفهما. ثم تطورت الفكرة إلى ترشيح شخص يرفضه الإثنان ويحرجهما ويعيد الكرة إلى ملعبيهما.فالأكثرية تعلم بأن العماد عون إذا قبل التخلي عن الرئاسة فلهذا ثمن دونه التمثيل المسيحي في الحكومة، وقيادة الجيش. وقد تطرق إلى هذه الأمور في مبادرته الأخيرة، ما يعني بأن المشكلة تتخطى الرئاسة إلى تشكيل الحكومة وحجم التمثيل في الدولة والإدارات، بالمختصر أزمة نظام وحكم ومشروع. كذلك الأمر بالنسبة لحزب الله الذي ينظر للمشكلة من نفس الزاوية، فهو لن يوافق على رئيس لا يضمن له تمثيله وحقوقه ويعطيه الأمان. إضافة إلى معالجة وضع الحكومة الحالية وما أنتجته من قرارات لا تزال المعارضة تطعن بشرعيتها، وتعديل الدستور يوجب إعادة الشرعية للحكومة من خلال عودة الوزراء عن إستقالتهم من أجل الموافقة على تعديل الدستور.راهنت الأكثرية على رفض المعارضة لترشيح العماد ميشال سليمان، وقبل مسيحيوها على مضض هذا الأمر على أمل أن يأتي الرفض من المعارضة ، ومنهم من لم يقبل بعد ولن يقبل.كانت حركة ذكية ولافتة من النائب سعد الحريري، وكان الرد عليها من الجنرال عون بشكل أعاد الكرة إلى ملعب الأكثرية. على قوى المعارضة تلقف هذه الفرصة وتحويلها إلى «حصان طروادة» تخترق به صفوف الأكثرية ولو بقي الجنرال البرتقالي في رابيته على قارعة الرئاسة وحل «الجنرال المرقط» ضيفاً لست سنوات في قصر بعبدا.
Leave a Reply