عباس الحاج أحمد – «صدى الوطن»
علي جمال بزي، طالب في كلية الطب تحركه المشاعر الإنسانية بعكس عقلية «البزنس» السائدة. ألهمته صور المرض والألم والعوز في المستشفيات وتأثر بمشاهد المشردين في ديترويت، فقرر البدء بمشروع تطوعي باسم «إنسانية واحدة» 1Humanity لمساعدة المشردين عبر تقديم الطعام والملابس الشتوية والمواد الغذائية المقدمة من بعض المتاجر العربية.
في حديث خاص لـ«صدى الوطن»، أوضح علي أن بداية مشروعه كانت منذ أربع سنوات مع مجموعة من أصدقائه المتطوعين وبمساعدة من جمعية «الهدى» غير الربحية والتي تقدم خدمات صحية خاصة للمحتاجين. اقتصر نشاطهم في بادئ الأمر على توزيع البيتزا والوجبات الغذائية على المشردين في ديترويت. ولكن أثناء التوزيع ظهرت الحاجة الماسة للثياب فأية قطعة ملابس قد تفيد هؤلاء لمواجهة برد الشتاء القارس. قدّم المتطوعون حينها بعضاً من ثيابهم الخاصة للمحتاجين.
أخذت الصورة تكتمل عاماً تلو آخر، واتسع نشاط مجموعة علي الخيرية من خلال جمع التبرعات عبر الفيسبوك وجذب المزيد من المتطوعين، بالإضافة إلى دعم بعض المؤسسات التجارية العربية، مثل متاجر «بابايا» المنتشرة في المنطقة. إلى جانب التعاون مع شركة لصنع الملابس الخاصة بالمشردين، بالحصول –مع كل قطعة يشترونها– على قطعة أخرى مجانية لتوزيعها على المحتاجين.
كان علي يدرك أن العديد من المنظمات الخيرية تهتم بتقديم الطعام للمشردين، ولكن تلك الوجبات تقدم لهم في أماكن ثابتة، غالباً الملاجئ. غير أنه قرر أن ينطلق بمشروعه المتجول ليشارك المشردين البرد الذي يعانونه والأرصفة التي يفترشونها.
يقول: «أقمنا مشروعنا هذا العام يوم الأحد الماضي، وحدثت معي الكثير من القصص التي ستبقى ماثلة في مشوار حياتي لتُحمّلني مسؤولية أكثر كطبيب مستقبلي يحمل هموم الناس ويداوي آلامهم».
«مثلاً، التقيت بامرأة نائمة على الرصيف فأيقظتها وسألتها لمَ تنام على الأرض في هذا الجو البارد. فردت بأنها لا تمتلك بيتاً وأنها تحتاج لغطاء تنام تحته. فأهديتها بعض الطعام ولباساً صنع خصيصاً للنوم في العراء وسط البرد.
ويضيف «فرِحت كثيراً وشكرتني. لقد طبعت بسمتها في ذهني صورة جميلة لن أنساها أبداً». كذلك التقى علي ومتطوعون آخرون بأشخاص كانوا يبحثون عن بقايا طعام في حاويات. «منظر مزعج وغريب في مكان تعلوه ناطحات السحاب».
يؤكد طالب الطب اللبناني الأصل، أن مشروعه لا يقتصر على سد حاجات المأكل والملبس فقط. فهو يتعمد أيضاً إجراء أحاديث مطولة مع المشردين، للتعرف على همومهم ومشاكلهم النفسية والجسدية ومحاولة مساعدتهم.
كثيرون أصبحوا مشردين بعد مرورهم بظروف قاسية جعلتهم يرتدون عن المجتمع بأكمله، يقول علي. وبعضهم يمتلك أحاسيس مرهفة للغاية جعلتهم منبوذين في عصر الدوامة الاقتصادية السريعة والقاسية التي نعيشها.
يؤكد علي في الجانب الآخر، على أن المشروع أثبت له وجود الكثير من الأشخاص الذين يحبون العطاء والتغيير للأفضل. «فقد ساعدَنا العديد من المتطوعين الذين لا أعرفهم شخصياً. وسهّلت وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من الإجراءات اللوجستية، فشكّلنا شبكة تطوعية لزرع الأمل عبر مشاريع عملية. فإضاءة شمعة خير من لعن الظلام. كما أن الخير الذي تقدمه يعود إليك».
لعلي تجارب إنسانية أخرى، من ضمنها رحلة تطوعية مع الجامعة إلى دولة هندوراس في أميركا الوسطى، حيث ساعد –وزملاؤه– عائلات فقيرة تحتاج لرعاية طبية وعاد وفي ذاكرته تجربة إنسانية غنية.
في محيط تُحركه العقلية الرأسمالية الجشعة بكل الاتجاهات، تبرز حاجة طلاب الطب والقطاع الطبي عموماً لتعلم ما هو أجمل وأعمق من التحصيل المادي. ولعل التجارب التطوعية، كتجربة علي تؤسس لمجتمع إنساني مترابط يساند نفسه بنفسه بلا سيطرة تجار المال والأرواح.
Leave a Reply