وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن» – تعرضت ناقلة نفط إيرانية بتاريخ ١١ تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، لضربتين صاروخيتين قبالة سواحل السعودية، في أول حادثة استهداف لسفينة تابعة للجمهورية الإسلامية منذ سلسلة هجمات شهدتها منطقة الخليج وحُمّلت طهران مسؤوليتها.
ولعل أبرز ما في الهجوم الغامض كان توقيته فيما كان الحديث يدور عن مساعٍ للتوسط بين إيران والسعودية، تقودها عدة دول على رأسها باكستان، والتي كان رئيس وزرائها في طهران عندما حدث ما حدث!
وكان لافتاً أيضاً أن إيران لم تسارع إلى اتهام السعودية باستهداف ناقلتها النفطية، بالرغم من أن الهجوم وقع في البحر الأحمر قبالة سواحل جدة.
التريث في الاتهام
الخارجية الإيرانية أعلنت أن الناقلة تعرضت للهجوم من موقع قريب منها، حيث كانت تبحر شرقي البحر الأحمر، لكنها لم تتهم السعودية أو أي طرف آخر بالوقوف وراء الحادث، مؤكدة أنها تجري التحقيقات اللازمة للكشف عن الجهة الفاعلة.
وفي وقت لاحق عقد الرئيس الإيراني حسن روحاني مؤتمراً صحافياً استعرض خلاله صوراً تظهر ثقبين في هيكل الناقلة، وقال إنه كان عملاً عدوانياً غادراً وإن التحقيق جارٍ لمعرفة هوية الجهة المتورطة في الهجوم، لكن من المبكر جدا تحديد من الذي نفذه، وفق تعبيره.
كثُرت التحليلات والتكهنات حول الواقعة، لكن مصادر إيرانية رفضت التسرع وإطلاق الأحكام الاعتباطية، فالرياض بصدد التفاوض مع طهران عبر وساطة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، وهو ما يبعد عنها الشبهة إلى حد ما. أصحاب الرأي نفسه يذهبون باتجاه الشك بأصابع أميركية–إسرائيلية وراء الحادث، في محاولة لعرقلة أي تقارب بين القطبين الخليجيين: طهران والرياض.
إيران التي وصفت الهجوم بالعمل الشرير والذي يهدف إلى إيجاد المزيد من التوتر في المنطقة، قال الناطق باسم حكومتها علي ربيعي لوكالة «إرنا» إن بلاده تحقق في حريق ناقلة النفط من دون تسرع، مؤكداً أنه سيتم الرد على من قام بـ«الهجوم الجبان» على ناقلة النفط الإيرانية من دون تردد، لكن حكومة بلاده ستنتظر حتى تظهر جميع جوانب هذه «المؤامرة».
وتابع ربيعي أنه «في وقت تحتاج فيه منطقتنا أكثر من أي وقت مضى إلى السلام والهدوء لعلاج الجروح بين الإخوة في المنطقة، يقوم طرف ما بأعمال شريرة ويشن هجوما على ناقلة النفط الإيرانية في البحر الأحمر، ويبدو أن هذا الطرف يسعى إلى خلق حالة جديدة من التوتر في المنطقة».
السعودية تنأى بنفسها
السعودية نأت بنفسها عن الحادث وقال وزير الشؤون الخارجية فيها عادل الجبير إن المملكة ليست وراء ما يُشتبه في أنه ضربة استهدفت ناقلة نفط مملوكة لإيران في البحر الأحمر مشيراَ إلى أن المملكة لا تشارك في سلوك مثل هذا أبداً، وإن هذه ليست الطريقة التي تعمل بها ولم يكن هذا أسلوبها في السابق.
عرقلة التقارب الإيراني السعودي
الصحافة الإيرانية تناولت الموضوع بإسهاب، وبعضها ألمح إلى أنه لا يمكن إغفال توجيه الاتهام بالمطلق إلى المملكة السعودية، مع التشديد على أن المستفيد الأكبر مما حصل هو الثنائي الأميركي الإسرائيلي، والذي من مصلحته عرقلة أو حتى تعطيل أي حوار بين طهران والرياض ولاسيما مع انفراط عقد المجموعة التي كانت تدفع بقوة باتجاه التصعيد ضد إيران وعلى رأسها جون بولتون، إلى جانب انعطافة أبوظبي باتجاه طهران.
وربما يعتقد هذا الثنائي اليوم أن تقارباً ما قد يحصل بين محمد بن سلمان وإيران قد تكون نتيجته خسارة لاعب أساسي آخر في الفريق المعادي لإيران، وبالذات حين برزت إشارات إيجابية لافتة من الطرفين (إيران والسعودية) أوحت بارتفاع حظوظ مبادرة عمران خان قياساً إلى سابقاتها من المبادرات بالنظر إلى ما تتمتع به إسلام آباد من علاقات ممتازة مع الطرفين، وهو ما يؤهلها للعب دور ما، قد يسهم في إحداث خرق في جدار الأزمة.
يأتي ذلك على وقع تسريبات رشحت في الأيام الماضية من طهران، دون تأكيدها أو نفيها من قبل أي مصدر مسؤول، حول احتمال وقوف الرياض وراء الهجوم على ناقلة النفط الإيرانية.
وفي المقلب الآخر، هناك تسريبات تذهب باتجاه القول إن إسرائيل هي التي نفذت العملية من خلال زوارق مرت من إريتريا باتجاه الناقلة، وقد استهدفتها من مسافة قريبة، وفي تلك المنطقة بالذات، بهدف توريط السعودية واستدراج رد إيراني عسكري عليها، لكن هذه الفرضية تحاول طهران جاهدة استبعادها، لأنها ترى أن الحل الوحيد للأزمة هو الحوار، وتريد تفادي أي صدام مع الرياض، وهو ما انعكس تهدئة ملحوظة في معظم وسائل الإعلام الإيرانية.
حظوظ المبادرة الباكستانية
زيارة خان لطهران أتت بعد لقاءات أجراها مع ولي العهد السعودي، إثر هجوم «أرامكو»، ومن ثم مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في نيويورك.
وقتذاك، قال الوسيط الباكستاني بوضوح على هامش اجتماعات الأمم المتحدة إنه يحمل رسالة من ابن سلمان إلى القيادة الإيرانية، ليشغّل محرك مبادرته من جديد وهذه المرة نحو طهران، وليعود بعدها إلى السعودية، ما يشي بوجود رغبة حقيقية في إيجاد حل للأزمة ونزع فتيل التوتر.
رئيس الوزراء الباكستاني وفي مؤتمر صحافي مشترك مع روحاني في طهران، قال «لا نريد حرباً بين السعودية وإيران ونؤمن بأن الخلاف بينهما يمكن حله عبر الحوار»، نافياً أن تكون مبادرته الخاصة وساطة بين البلدين.
وأضاف أن التحرك الذي يقوم به هو مبادرة خاصة لتسهيل العلاقات بين الرياض وطهران وليس للوساطة، موضحاً أن السبب الرئيسي لزيارته لإيران هو العمل على الحد من التوتر في المنطقة التي قال إنها ليست بحاجة إلى صراع جديد أو أزمة جديدة فيها.
من جهته، رحّب الرئيس الإيراني بجهود خان لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، مضيفاً أن بلاده سترد على أي مقترح للحوار بإيجابية.
وقال روحاني إنه بحث مع خان ملفات المنطقة وأكد ضرورة استقراراها، مضيفاً أن مفتاح حل المشاكل هو «إنهاء حرب اليمن»، عبر وقف العمليات القتالية في هذا البلد فوراً، وتقديم المساعدات لليمنيين.
وقد نقلت صحيفة «إكسبرس تريبيون» الباكستانية عن مصادر في حكومة إسلام آباد، أن زيارتي خان لإيران والسعودية سبقتهما زيارة سرية مهمة لمسؤولين باكستانيين رفيعي المستوى إلى كلا البلدين. وذكرت الصحيفة أن خان قرر زيارة طهران والرياض بعد أن وجد المسؤولون الباكستانيون تجاوباً من الجانبين، مع جهود التوصل إلى حلحلة للصراع القائم بينهما.
ومع أن رئيس الوزراء الباكستاني كان قد أعلن أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، هو الآخر، قد طلب وساطته مع طهران، فإن فرص نجاح الوساطة تنحصر في تخفيف التوتر الإقليمي وحرب اليمن والعلاقات السعودية –الإيرانية، ولكن ليس بالضرورة أن يرتبط نجاح الجهد الباكستاني بأي تقدم في العلاقات الإيرانية مع واشنطن.
خيارات ابن سلمان
سؤال مشروع يطرح نفسه بقوة، بمعزل عن مكانة خان وثقل باكستان: ما الذي يدفع الى الاعتقاد اليوم بإمكانية الوصول إلى حلحلة سعودية–إيرانية؟
محمد بن سلمان ولي العهد السعودي بات على دراية تامة بأن الواقع الميداني في حربه على اليمن لم يعد في مصلحته أبداً، وبات الرجل مأزوماً إلى درجة دفعته إلى التفكير بالانفتاح على طهران، لاستنقاذه من أفعال الحوثيين، الذين أذاقوا قواته الأمرّين، وأمعنوا فيها قتلاً وأسراً، وقد ضربوا العمق السعودي واستهدفوا شريان الحياة فيه، وكادوا يقطعونه تماماً لو أكملوا ضربات طائراتهم المسيرة، التي أصابت المملكة في مقتل.
موقف الإمارات أيضاً له دور مهم في تراجع ولي العهد السعودي عن السير في حرب اليمن حتى النهاية، فبعد الاتفاقية الأمنية التي أبرمتها مع طهران، كشف موقع «ميدل إيست آي» البريطاني عن زيارة سرية قام بها طحنون بن زايد مستشار الأمن القومي الإماراتي وشقيق ولي العهد الأصغر، لطهران، وذكر الموقع أيضاً أن طحنون موجود في مهمة سرية تهدف الى نزع فتيل الأزمة، لكن المصادر الرسمية الإيرانية نفت حصول الزيارة.
أما السبب الثالث والأهم الذي دفع محمد بن سلمان إلى السير في الحل السلمي، هو يأسه من قدرة الإدارة الأميركية على تركيع طهران، فالأخيرة صمدت في وجه كل العقوبات التي فرضتها عليها الولايات المتحدة حتى الآن، فيما تبدو جعبة ترامب قد فرغت باستنفاد كل أوراق الضغط المالي والاقتصادي، ومعه استنفد محمد بن سلمان كل رهاناته على إسقاط النظام الإيراني.
انطلاقاً من هذه المعطيات، يُحكى وبقوة عن اتفاق لوقف إطلاق النار في اليمن يجري إعداده، وفي حال نجاحه قد تبدأ مفاوضات سعودية إيرانية مباشرة.
التفاوض عاجلاً أم عاجلاً
مبادرة تلو الأخرى تنشط في المنطقة، بهدف تبريد مياه الخليج الساخنة. صحيح أن حركة خان محورها السعودية وطهران، لكن ما لا يحتاج إلى عميق التفكير، هو أنها مجرد حلقة من سلسلة أزمات ترتبط إحداها بالأخرى ارتباطاً وثيقاً، فمن المعلوم أن ابن سلمان لم يسر في مبادرة باكستان لولا ضوء أخضر ترامبي، ما يعني أنها إذا نجحت فيمكنها أن تكون مقدمة لبدء حوار أميركي إيراني، وهو ما لا بد أن يحدث في نهاية المطاف بالنظر إلى كل ما سبق من مجريات.
فبطبيعة الحال إيران لا تريد الحرب أصلاً، وهي المنهكة بالعقوبات الثقيلة، وكذلك ترامب الذي لم يكف عن إظهار رغبته بتفادي الحرب ضد إيران، بل أثبت ذلك من خلال محطات عديدة، بدءاً بضرب ناقلات النفط في بحر عمان، مروراً بإسقاط طائرة أميركية مسيرة فوق مضيق هرمز، وليس انتهاءً باستهداف منشآت شركة «أرامكو». كلها محطات مفصلية امتصتها الإدارة الأميركية وتجاوزتها، فقط لأنها تعي تماماً أن حجم الخسائر التي قد تنجم عن الحرب لا يُقاس بأي تنازل يمكن تقديمه على طاولة المفاوضات… هي مسألة وقت فقط!
Leave a Reply