الحل العربي يعود من جديد بتفاؤل حذر من اللبنانييناسباب الأزمة ليست في رئاسة الجمهورية والحكومة بل في تصارع مشروعين
هل يستطيع امين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى، تسويق الحل العربي للأزمة اللبنانية، والذي فشل قبل نحو اكثر من عام في ذلك، ولم يتمكن من تحقيق خرق في مسار الازمة، بالرغم من كل الصيغ التي ابتدعها بشأن تأليف حكومة وحدة وطنية، التي كانت مطلب المعارضة الوطنية اللبنانية، التي تظاهرت واعتصمت وما زالت في ساحة رياض الصلح وعلى بعد امتار من مقر رئاسة الحكومة، حيث لم تفلح المبادرة العربية آنذاك في التوصل الى توافق بين الموالاة والمعارضة، على «الوزير الملك» في حكومة من 19 للموالاة و10 للمعارضة، واعتبر موسى في حينه، انه حقق تقدماً بحدود خمسين بالمئة، بعد ان كان توصل ايضاً الى ما سمي التوازي والتوازن بين تشكيل الحكومة واقرار المحكمة الدولية بشأن اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بعد ان طرح فريق السلطة هواجسه من ان يكون الثلث الضامن الذي تطالب به المعارضة، يهدف الى تعطيل قرار انشاء المحكمة، نتيجة سابقة اعتكاف وزراء حركة ”امل” و”حزب الله” ثم انسحابهم من الحكومة، وقد برر هؤلاء ما اقدموا عليه بأنهم لم يكونوا على اطلاع على مشروع انشاء المحكمة، ولم يعطوا الوقت المناسب لدراسته، وقد تعهد الرئيس نبيه بري للأمين العام للجامعة العربية، بأن يتم اقرار المحكمة فور تشكيل الحكومة مع الثلث الضامن للمعارضة، لان هناك اجماع حولها من كل القوى السياسية اللبنانية، وقد اقرتها طاولة الحوار بالاجماع ايضاً.لكن مساعي موسى اصطدمت بوجود عدم ثقة بين طرفي النزاع، وقد تولد الشك بينهما، من ان كلا منهما ينظر بحذر وريبة الى الأخر، من انه يعمل لصالح محاور خارجية، فتتهم قوى 14 شباط قوى 8 آذار بأنها تعمل لصالح المحور السوري – الايراني، وتغطي الاغتيالات التي تقوم بها حسب زعمها المخابرات السورية بالرغم من انسحابها من لبنان، دون ان تقدم ادلة او وقائع، سوى القول ان الاتهام الذي تسوقه سياسي، لان الاجهزة الامنية والتحقيقات القضائية لم تتوصل بعد الى معرفة مرتكبي الجرائم والاغتيالات، سوى ما ذكرته التقارير الامنية الرسمية عن تورط تنظيم «فتح الاسلام» بإغتيال الوزير بيار الجميل وتفجير باصي عين علق، وانه تم اعتقال مشتبه بهم ومتورطين.اما المعارضة فتذهب باتهامها للفريق الحاكم انه كان على علم بالعدوان الاسرائيلي على لبنان، الذي استهدف المقاومة قيادة ومقاتلين ومدنيين، اضافة الى تدمير المدن والقرى والمؤسسات، واعلن «حزب الله» على لسان امينه العام السيد حسن نصرالله، انه يملك المعلومات الكافية والوافية عن تورط اطراف السلطة وسكوتهم على عدوان تموز صيف عام 2006، واعتبار عمل المقاومة بأسر الجنديين الاسرائيليين مغامرة، اضافة الى التنسيق الذي كان قائماً بين قوى 14 شباط والمسؤولين الاميركيين واجتماعات وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس بهم، ورفض الحكومة وقف اطلاق النار اذا لم تسلم المقاومة سلاحها للجيش اللبناني، وهذا المطلب هو مطلب اميركي واسرائيلي، لم تستجب له قيادة المقاومة، التي كانت تتعرض لأشد قصف اسرائيلي لاسيما على الضاحية الجنوبية عندما كان وزراء في الحكومة ومن ابرزهم مروان حماده، نايلة معوض، جو سركيس وبيار الجميّل يطالبون بأن يستسلم «حزب الله» للدولة ويعلن تسليم سلاحه، بعد 33 يوماً من الصمود بوجه اعتى عدوان، انتصرت عليه المقاومة.لذلك، فان الفريقين ما زالا على موقفيهما من عدم الثقة بينهما، حيث اعلن النائب وليد جنبلاط، انه لن يسلم الثلث الضامن والقرار في الحكومة للرئيس السوري بشار الاسد والرئيس الايراني احمدي نجاد، في الوقت الذي تعلن المعارضة وابرز تنظيم فيها «حزب الله»، انه لن يترك المشروع الاميركي ينتصر في لبنان ويأخذه الى موقع المستسلم امام اسرائيل وضرب مناعته وقوته بنزع سلاح المقاومة.وتدور الازمة هنا، حول لمن يكون القرار في الحكومة، وكذلك في مواصفات رئيس الجمهورية التي كانت الموالاة تطالب بمرشح من «ثورة الارز» مدعومة من الادارة الاميركية يطبق القرارات الدولية وتحديداً 1559 الذي يطالب بنزع سلاح المقاومة، ويسير في المحور العربي المعتدل الذي ترعاه الولايات المتحدة في المنطقة، ويبتعد عن سوريا، ولا يكون مستنسخاً عن الرئيس اميل لحود.اما المعارضة، فكانت تطالب برئيس توافقي ليس معادياً لسوريا، ويسعى الى علاقات مميزة معها او اعادة تحسينها واقامتها على الثقة والاحترام المتبادل، وان يشكل مظلة للمقاومة ويحميها من اي مس بها او بسلاحها، مما يعزز قيام استراتيجية دفاعية تؤمن الدفاع عن لبنان وسيادته بوجه اي عدوان اسرائيلي.واستطاعت المعارضة ان تفرض المرشح التوافقي، وان يقع الاختيار على قائد الجيش الذي كانت قوى 14 شباط ترفضه وتعتبره من بقايا «النظام الامني السوري» وانه موثوق من المقاومة التي ينسق معها من موقعه في قيادة الجيش، وقد عاد الفريق الحاكم وقبل به كأمر واقع بعد ان فشل في انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً.ومع التوافق على العماد ميشال سليمان، عادت الازمة الى موضوع الحكومة، لان المشكلة ليست في رئاسة الجمهورية، وهي سابقة للفراغ الرئاسي، وان كل الموفدين الذين حضروا الى لبنان، واطلعوا على اسباب الازمة، تبين لهم انها محصورة بمسألة المشاركة في السلطة، بعد ان ظهر ان قوى 14 شباط تعمل للاستئثار بالقرار والهيمنة على مؤسسات الدولة والتفرد بالسلطة، وان هذه القوى ترفض مشاركة المعارضة، لان اطرافاً عربية وتحديداً السعودية كانت تصر على منع التفريط بالسلطة لصالح استمرار النفوذ السوري ومعه الحضور الايراني الذي تحول الى قوة اقليمية، كما ان الادارة الاميركية لم تكن تسهل اي حل عربي او لبناني، اذا كان لصالح حلفاء سوريا، وهكذا تعطلت المبادرة العربية الاولى، ثم المساعي الفرنسية والاوروبية، وكذلك الاتصالات الايرانية – السعودية.وبعد عام يعود العرب للاهتمام بالازمة اللبنانية وايجاد حل لها، بعد ان اوهمت الادارة الاميركية الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي انها تدعم مساعي بلاده في التوفيق بين الاطراف اللبنانية، حيث كادت المبادرة الفرنسية ان تتوصل الى حل يقوم على انتخاب العماد ميشال سليمان، وتشكيل حكومة وحدة وطنية على اساس النسب للكتل النيابية، واقرار قانون انتخابات عند تشكيل الحكومة، وقد ساهمت فرنسا في اتصالاتها مع سوريا الى التوصل الى صيغة الحل هذه، الا ان الرئيس الاميركي جورج بوش ارسل على وجه السرعة مساعد وزير الخارجية ديفيد ولش الى لبنان، وعطل الحل، لا بل طالب بتاخيره ريثما ينتهي من جولته في المنطقة، لانه لا يريد ان يعطي سوريا وايران اي انتصار سياسي في لبنان، بعد الانتصار الذي حققته المقاومة ضد اسرائيل، وهو آتٍ من اجل مواجهة النفوذ الايراني ومنع عودة سوريا الى لبنان، والتي اعطتها المبادرة الفرنسية حجماً كبيراً وتدخلاً من جديد في الاستحقاق الرئاسي، وهو ما يناقض القرار 1559 الذي صدر عبر مشروع فرنسي – اميركي الى مجلس الامن الدولي.ومع اسقاط المساعي الفرنسية من قبل الادارة الاميركية، تحركت السعودية ومصر، لملء الفراغ مستندين الى ان الرئيس ساركوزي اتهم سوريا بأنها افشلت الحل في لبنان، وانه لن يعاود الحوار معها اذا لم تترجم اقوالها الى افعال لجهة انتخاب رئيس للجمهورية، وردت دمشق بأنها ايدت التوافق بين اللبنانيين، وان مطالبتها بعدم التدخل من قبل مسؤولين عرب واجانب، يجافي الواقع، عند دعوتها الى الضغط على حلفائها لتسهيل انتخاب الرئيس الجديد، ويستدرجونها الى التدخل كما يقول المسؤولون فيها.فالاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب، كان القصد منه محاولة حشر سوريا عربياً، بعد تهديدات الرئيس الاميركي بعزلها، والرئيس الفرنسي بوقف الحوار معها، وعدم الانفتاح عليها، وقد وصلت رسائل من بعض الانظمة العربية الموالية للولايات المتحدة وتحديداً السعودية، انه ستتم مقاطعة القمة العربية التي ستعقد في دمشق اذا لم تترك اللبنانيين ينتخبون رئيسهم، وقد ردت القيادة السورية على مثل هذه التهديدات بأنها ذهبت الى القاهرة وايدت البيان الذي كان اعد ليصدر عن الاجتماع، وهو لا يختلف كثيراً عن البنود التي جاءت في ما تضمنته الوثيقة السياسية التي تم الاتفاق عليها بين الموالاة والمعارضة برعاية وزيري الخارجية الفرنسي برنار كوشنير والسوري وليد المعلم، والتي تؤكد على انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، واقرار قانون انتخاب.فالبنود الثلاثة في اعلان القاهرة التي صدرت عن وزراء الخارجية العرب، لا خلاف حولها بين اللبنانيين، اذ هناك اجماع على انتخاب العماد سليمان، وكذلك على اقرار قانون للانتخابات النيابية، وان كانت هناك تباين داخل كل من الموالاة والمعارضة حول شكل الدائرة الانتخابية، لكن الاتجاه هو نحو اعتماد القضاء.ونقطة الخلاف الاساسية هي الحكومة، التي اعطى وزراء الخارجية الترجيح داخلها لرئيس الجمهورية بإسقاط ما سمي الثلث الضامن للمعارضة، ومنع اعطاء الموالاة الاكثرية، وقد حصل لغط حول هذه الصيغة، والبعض في الموالاة والمعارضة نظر اليها من منظاره، وبدأ تسريب ارقام واعداد حول شكل الحكومة، فإعتبر الرئيس بري انه فهم الصيغة على انها مثالثة ضمن ثلاثة اطراف اي رئيس الجمهورية والموالاة والمعارضة، بأن تكون حصة كل منهم متساوية وفق عدد الوزراء، في حين سرّبت الموالاة بأن الصيغة التي اتفق عليها وزراء الخارجية العرب هي 14 للموالاة و10 للمعارضة و6 لرئيس الجمهورية، وقد لاقت رفضاً من المعارضة، واعلن الرئيس بري ان هذه الصيغة حاولت قوى 14 شباط تمريرها اثناء وجود الوزير كوشنير، وجوبهت بالرفض من المعارضة، لاسيما مع تجربة الوزراء الذين سماهم الرئيس لحود وانقلبوا عليه وانضموا الى قوى 14 شباط وعطلوا الثلث الضامن داخل الحكومة، الذي كان محصوراً بوزراء «امل» و«حزب الله» والرئيس لحود، وكانوا يؤلفون تسعة وزراء من اصل 24 وزيراً ولن تقبل المعارضة ان تقع في الخطأ مرة ثانية، وهي اقترحت صيغة 14 للموالاة و11 للمعارضة و5 لرئيس الجمهورية، حيث لا يستطيع طرفان ان يفرضا رأيهما على طرف ثالث.وازمة الاحجام داخل الحكومة وعدد الوزراء، عادت الى نقطة الصفر، والى ما كانت عليه من قبل اكثر من سنة، وان المبادرة العربية التي فشلت منذ عام، لن تنجح في تحركها الجديد الذي يقوده عمرو موسى وان كان يحظى بإجماع عبّر عنه وزراء الخارجية العرب، لكن ما تخشى منه المعارضة، هو ان تعود الادارة الاميركية الى تفشيل المساعي العربية الجديدة، وان ترفض قوى 14 شباط صيغة المشاركة من جديد، حيث الوقت يعمل لغير صالح استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية، وكذلك في مواصلة الحكومة بممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، وقد هددت المعارضة بالتحرك، وحددت موعداً له، لكنها ارجأته، وافسحت في المجال لمساعي امين عام الجامعة العربية الذي تزامن وصوله الى بيروت عشية الدعوة لانعقاد الجلسة 12 لانتخاب رئيس الجمهورية، والتي سيؤجلها ايضاً رئيس مجلس النواب الى موعد جديد، لاعطاء فرصة للحل العربي الذي سيبقى معلقاً حتى انتهاء جولة الرئيس بوش والنتائج التي سيخرج بها، والتي سيتأثر بها لبنان.وبالرغم من الاجواء الايجابية التي رافقت صدور بيان القاهرة، الا ان التفاؤل الحذر ما زال يسيطر على اللبنانيين، نتيجة لتجارب سابقة فشلت فيها مساعي الجامعة العربية وكذلك المبادرات الاوروبية في التوصل الى حل للأزمة التي لا تقف فقط عند انتخاب رئيس للجمهورية او تشكيل حكومة وحدة وطنية، بل ان الخلاف عميق بين اللبنانيين، حول مشروعين سياسيين ، ونظرة مختلفة لبناء الدولة ومؤسساتها، وكذلك ايضاً في تطبيق الطائف وما اذا كان انتهت صلاحياته، مع الدعوة التي يطلقها البعض الى اتفاق طائف جديد، والى نظام سياسي يؤمن مشاركة فاعلة لمكونات المجتمع اللبناني في مؤسسات الدولة.
Leave a Reply