اجرت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) في وقت ليس ببعيد، استفتاء داخليا عن اكثر اجهزة المخابرات الاجنبية تعاونا وصداقة معها، وكان السؤال الموجه في هذا الشأن في الغالب لموظفي فرع الخدمات السرية داخل الوكالة، نصه: من هم افضل حلفائنا، من بين اجهزة التجسس الصديقة في العالم؟ لناحية علاقات التعاون والتنسيق مع “سي آي اي”، ومن هي الأسوأ؟
بكلام آخر، تلك التي تبدو كأنها صديقة لنا. قال لي مسؤول في “سي آي أي” تقاعد حديثا “اسرائيل جاءت في ذيل القائمة”، الامر لم يتوقف عند هذا الحد، فالمسؤول المتقاعد لوّح بيديه وقفز من كرسيه وقال “الاسرائيليون يأتون في المرتية الثالثة، بعد الصينيين والروس، لناحية حجم وفاعلية عمليات التجسس التي ينفذونها على الاراضي الاميركية”.
تكاد العمليات التجسسية الأسرائيلية لسرقة اسرار اميركية، مسألة مكشوفة لدى مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) و”سي آي أي” وبقية الوكالات الاستخبارية في الولايات المتحدة، الى درجة ان “أف بي آي” تقوم بين الفينة والاخرى باستدعاء مسؤولين إسرائيلين وتقديم شكاوى لهم حول جهود تجسسية مكثفة لجمع معلومات مصنفة او حساسة، خاصة ما يتعلق منها باسرار تقنية وصناعية اميركية.
ولعل أضخم عملية من هذا النوع، تلك التي نفذها جوناثان بولارد، والذي كان يعمل محللا في استخبارات الاسطول البحري الاميركي، وأدين عام 1987 وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، لنقله عشرات آلاف الاسرار الاميركية الى اسرائيل.
واحد من أهم الاهداف الاسرائيلية بالطبع، هو متابعة نشاطات مسلمين اميركيين قد يكون لهم ارتباطات بمنظمة “حماس” التي تسيطر على غزة، أو بـ”حزب الله” اللبناني المدعوم من ايران.
بحسب فيليب جيرالدي، وهو ضابط سابق في “سي آي أي” فان العملاء الاسرائيليين أضحوا اكثر عدوانية في استهدافهم للمسلمين المقيمين في الولايات المتحدة، وكذلك المنتقدين للدولة العبرية، وذلك على خلفية تصاعد التوتر مع ايران. وكان جيرالدي نشر مقالة في مجلة “اميركان كونسيرفاتيف” مؤخرا جاء فيها ان “اف بي آي” تلقى عدة اخباريات عن ضباط في “الموساد” قاموا بالاتصال مع قيادات في الجالية العربية في اميركا، منتحلين صفة عملاء استخبارات اميركيين.
وقال جيرالدي انهم فعلوا ذلك لأدراكهم ان قلة من المسلمين ترضى بالتعاون مع الاسرائيليين، لذا لجأوا الى هذه الحيلة في التمويه والتي تعرف في الثقافة الاميركية بـ”فولص فلاغ”. وجاء في مقالة جيرالدي “ان ضباط الموساد كان هدفهم تجنيد عرب اميركيين للتجسس على زملائهم وجيرانهم، وان تلك المحاولات جرت في نيويورك ونيوجرسي، وكانت مكشوفة وبائسة”.
واضاف جيرالدي ان العرب الاميركيين رفضوا هذا النوع من التعاون على الاطلاق، وان جزءاً من تلك الاتصالات تم ابلاغها مباشرة لـ”أف بي آي” الذي اكتشف بدوره ان اثنين على الاقل من ضباط الموساد، كانا من عرب اسرائيل، ويعملان بصفة مساعدي قنصل لدى البعثة الاسرائيلية في الامم المتحدة، ومقرها نيويورك.
وكان المسؤول السابق في “سي آي أي” قد اكد هذه المعلومة قائلا “بالطبع فهم يفعلونها”، قالها وهو يلوح بيده، وبسؤاله عن قضة جيرالدي، قال المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته “انهم يملأون المكان”. مع الاشارة الى رفض “أف بي آي” المتكرر للتعليق، لكن مسؤولا كبيرا سابقا في دائرة مكافحة التجسس في “أف بي آي” قال “كانوا دوما شديدي العدوانية، ويشعرون كما لو انهم بمقدورهم العمل في اي مكان وزمان، بالرغم من استدعائهم اكثر من اية دولة اخرى، والتي غالبا ما تكون ثلاث مرات”.
لم يكن بالوسع الوصول الى السفارة الاسرائيلية للتعليق، مع انها تنفي وبشكل متكرر اي عمليات للموساد على الارض الاميركية.
ختم كاتب هذا المقال، بأن حديث مسؤول “سي آي اي” السابق، في موضوع حساس مثل هذا، انما يعكس ما سمعه الكاتب من عدة مصادر استخبارية اميركية على مدى سنوات ماضية حول العمليات التجسسية الاسرائيلية في اميركا. والملفت -يقول الكاتب- انهم في اميركا غالبا يقولون ان اسرائيل هي أفضل صديق في الشرق الاوسط، ولا يستكثرون على الدولة اليهودية حقها في متابعة اعدائها الحقيقيين و المحتملين في ارجاء العالم بما في ذلك اميركا، فلربما كان هذا وراء انتحال ضباط الموساد صفة عملاء استخبارات اميركيين، وتلك كانت وقاحة ما بعدها وقاحة.
Leave a Reply