تتناثر أقوال في انحاء من العالم العربي عن توحيد العملات العربية وجعلها عملة موحدة على غرار اليورو الذي جاء بديلاً عن الفرنك والشيلينغ والغيلدر وغيرها من العملات الأوروبية، باستثناء الجنيه الاسترليني، الذي ظل محافظاً على تواجده نظراً لتمسك البريطانيين به معتبرين إياه رمزاً وطنياً وتاريخياً لبلادهم.
يبدو أن العرب حين أيقنوا أن لا سبيل لوحدتهم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، اتجهوا لنوع آخر من الوحدة »النقدية« أقل كلفة من نظيراتها، ولو أن فكرة كهذه لو طرحت اليوم يلزمها عقود من الزمن حتى تصبح واقعاً ملموساً، فهم دائماً حين يسعون لخلق نوع من الاتحاد بينهم، يختارون مجالات لها رنين، حتى تشبع أسماع الشعوب وتملأ قلوبهم حنيناً وشوقاً، ولعلنا في ذلك نورد عدة تجارب وحدوية بين أقطار العالم العربي، كان لها رنين حين إطلاقها، وما أن لامست الأرض حتى أجهضت في مهدها، من ذلك تجربة الوحدة بين مصر وسوريا في عهد جمال عبدالناصر تحت مسمى »الجمهورية العربية المتحدة« و»اتحاد المشرق العربي« الذي كان يتزعمه صدام حسين وضم الاردن واليمن ومنظمة التحرير والسودان، في أعقاب خروج مصر من معادلة الصراع مع إسرائيل بإبرامها معاهدة كامب ديفيد، توازى مع ذلك اتحاد مغاربي كان عرابه معمر القذافي وضم دولاً في شمال إفريقيا. ثم حين كان الصراع العربي الإسرائيلي جزءاً من المنظمة الشرق أوسطية برزت لسنوات »جبهة الصمود والتصدي« جمعت دولاً لها حدوداً مع إسرائيل: الأردن والمنظمة وسوريا ولبنان، وكانت تتلقى دعماً نفطياً من العراق ومالياً من دول الخليج، وبعدما ثبت فشلها في التصدي، اتجهت الأردن نحو صفقات سلام وأطلق حينها العاهل الأردني الراحل الملك حسين مشروع »المملكة المتحدة« ليضم إلى الأردن الضفة الغربية، ويكون لتلك المملكة عاصمتان واحدة في عمان والثانية في القدس، ويكون لهما برلمانان وحكومتان ومجلس قيادة فدرالي موحد. ثم إن دول الخليج العربية الستة، أقامت كياناً موحداً عقب نجاح الثورة الإسلامية في إيران أسمته »مجلس التعاون لدول الخليج العربي« لا يزال قائماً، برغم إِشكاليات واجهت دوله وكادت تعصف بالعلاقات بينها.
يمكن القول إن التجارب الوحدوية العربية فشلت جميعها دون استثناء، لم يبق منها سوى مؤسسة الجامعة العربية، وهي لم تنجز حتى اللحظة سوى قمم أصبحت تعقد مرة كل سنة في عاصمة عربية، جل ما قدمته لشعوبها دعماً مالياً لهذا الكيان أو ذاك حين يتعرض لعدوان إسرائيلي مدمر.
يقال في المثل العربي القديم »تمخض الجبل فأنجب فأراً« وهذا مثل ينطبق على العرب في عصرهم هذا، لم يستطيعوا في تاريخهم الحديث أن ينجزوا وحدة تقوم على أساسات متينة، فهم بذلك يدرسون وحدة رمزية ليس لها أساس، حتى يقال إن للعرب عملة واحدة، لا يدرون أنه حتى هذه لن يحققوا فيها نجاحاً، إذ كيف للكويتي الذي يوازي ديناره ثلاثة دولارات أميركية وأكثر، أن يقبل بخلط ديناره بالجنيه السوداني أو الدينار العراقي الذي لا تشتري دزينة آلاف منه كيلو من اللحم في بغداد.
Leave a Reply