خليل إسماعيل رمَّال
زيارة رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أربع مرات لموسكو لم تكن من قبيل الصدفة، فلطالما حرص هذا العدو أنْ «يحركش» بسوريا منذ بدء الحرب الكونية عليها وخصوصاً بعد «عاصفة السوخوي»، ساعياً لإيجاد ثغرات ينفذ منها للإستفادة ضد الحصن الأساسي المتبقي في وجهه. كما لم يكن تفجير فردان صدفةً من حيث توقيت وقوعه في ختام زيارة نتنياهو لروسيا وبعد ترؤس دولة الإحتلال والإرهاب لأول مرة للجنة القانونية في هيئة الأمم «غير المتحدة»، وهذه سابقة لم تحصل لولا موافقة وتصويت أربع دول عربية (من هي يا ترى؟)، وهي تشبه سابقة ومهزلة ترؤس السعودية للجنة حقوق الإنسان داخل مافيا الأمم المتحدة!!
لقد عرض نتنياهو على بوتين إطلاق يده في لبنان مقابل تحديد خطوط الإشتباك مع القوات الروسية في سوريا وتفادي التجربة التركية المرَّة، فهدف نتنياهو هو إشغال المقاومة في الداخل في حمأة تباشير معركة العقوبات الأميركية وبعض الأنظمة العربية ضد «حزب الله» ومن خلال المصارف اللبنانية المتحمس بعضها بشدة لقرار واشنطن، لمحاصرة الحزب وبيئته الحاضنة. هذا لا يعني أن بوتين تآمر مع نتنياهو أو منحه الضوء الأخضر، فإسرائيل لا تحتاج لموافقة أحد بحيث تفعل ما يخدم مصالحها فقط ضاربةً عرض الحائط بكل الأعراف والأنظمة الدولية وحتى مصالح حلفائها ورعاتها. لكن نتنياهو وجد الفرصة سانحة لوضع الروس أمام الأمر الواقع ولو من دون اتفاق مستغلاً تركيز موسكو على محاربة الاٍرهاب في سوريا ومعركة حلب الكبرى المرتقبة.
من هنا لا شك بأنَّ التفجير في فردان يحمل أصابع إسرائيلية واضحة تعيد إلى الاذهان عملية فردان باغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة، وذلك بسبب العوامل التالية:
١- مخطَّط تل أبيب معروف بتدمير لبنان من كل النواحي، السياحية والأمنية والعسكرية وأطماعها باتت واضحة كالشمس بسرقة مياهه ونفطه وكل مقومات الحياة فيه لأنه النقيض التام لها والمنافس إقتصادياً في الشرق الأوسط رغم ويلاته الكبرى، التي ليست إسرائيل وأربابها بريئة عن افتعالها. ولعلَّ الأزمة التي تسببت بها المصارف مؤخراً كانت فرصة سانحة لها للإيقاع ببن القطاع المصرفي، وهو آخر ما تبقى من هيئة الدولة في لبنان والذي صمد طيلة عقود الحروب الأهلية المتتالية والإسرائيلية المتكرِّرة، وبين المقاومة وأهلها الصابرون ومعهم شريحة واسعة من المواطنين والمؤسسات الخيرية والإنسانية والإجتماعية.
٢- إسرائيل تسعى لخنق لبنان عن طريق ضرب الإغتراب فيه والذي يتكون أساساً من المسيحيين والشيعة لأسباب لا مجال للخوض بها الآن، وإيقاف مصادر التحويلات المالية للداخل اللبناني وتجفيف موارد المغتربين الذين يستخدمون المصارف اللبنانية مستغلةً العقوبات الأميركية وحماسة بعض المصارف اللبنانية، عن قصد أو بدون قصد. وهذه المعركة بدأتها منذ عقود عبر محاولة خرق القارة الأفريقية لوضع إسفين لنفوذ المغتربين الشيعة الذين يتواجدون فيها بشكل أساسي منذ زمن طويل وتأليب أفريقيا ضد الإغتراب الشيعي. وكادت تل أبيب تنجح في هذا المخطط الآيل إلى إجتثاث جذور المغتربين لولا انخراطهم وعلاقاتهم المتشعبة في مجتمعاتهم الأفريقية. وهكذا تسلَّل العدو عبر «دفرسوار» القانون الأميركي للتعويض عن فشله في أفريقيا وغيرها، لمحاربة رؤوس الأموال واصحاب الودائع، الشيعة وحتى الذين لا علاقة لهم بالحزب مما يعود بالضرر أيضاً على المصارف المتحمسة إذا قام أصحاب الأعمال الكبار من المهاجرين والمقيمين بسحب ودائعهم منها.
٣- رغم مواقف منافقي ووحوش السياسة وبعض الإعلام اللبناني الملمَّح والمصرِّح معاً لضلوع المقاومة في تفجير فردان الصوتي أمام «باب» مصرف «لبنان والمهجر»، الذي قيل انه رأس الحربة في إغلاق حسابات اللبنانيين حتى قبل صدور المراسيم التطبيقية للقانون الأميركي، لا يمكن لعاقل أنْ يتصور تورُّط «حزب الله» في إيصال هذه الرسالة للمصارف أولاً لأن هذا ليس أسلوبه ويمكنه اذا أراد، إيصال الرسالة التي يريد علناً وبوسائله الإعلامية والسياسية والشعبية المتاحة له بغزارة، كما لا يمكن لعاقل أنْ يتصور أن مقاومةً تحارب عدواً مجرماً إرهابياً شرساً على جبهتين اثنتين تنغمس بمخطط قد يشغلها ويشتت من قدراتها عبر مسلسل تفجيرات تضر حتماً بمواطنيها وبقطاع حيوي يمثل شريان البلد. ثم ماذا عن الإحداثيات الأخيرة حول القبض على شبكات للتكفيريين الإرهابيين الذين كانوا يريدون استهداف المدنيين بتفجيرات جديدة؟
لذلك كله على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورؤساء البنوك الذين يحققون ريعهم الأساسي من الودائع المحلية، أنْ يحكِّموا مصلحة لبنان وشعبه رغم كل ما يُقال عن اضطرارهم لتنفيذ القانون الأميركي إذ لا يوجد بلد في العالم تكون سياسته النقدية تابعة للخارج ومعادية لمصالح نصف الشعب إلا في بلد العجائب ومسخ النظام. والحقيقة لم تُظلَم مقاومة كما ظُلِمَتْ المقاومة اللبنانية، فحتى في فرنسا، الأم الحنون، لا يزال الفرنسيون إلى اليوم يحاكِمون المتعاملين مع النازيين خلال احتلالهم ويقدِّسون مقاومتهم ضد الألمان. لذا فعلى أولئك المتباكين على المصارف الذين بدأوا «يبيّضون طناجرهم» مستغلين الوضع للتصويب على المقاومة أنْ يخيِّطوا بغير هذه المسلة ولا يضعوا المصارف في دفة وشعب المقاومة في دفة أخرى لأنها معركة خاسرة سلفاً للبنوك وللبنان وأن يتذكروا الفقراء وصغار المودعين وسلسلة الرتب والرواتب المهدورة وسوق «أبو رخوصة»، ولا يلغوا من حساباتهم أبداً العامل الإسرائيلي الخبيث وراء كل فتنة وأن لا يقعوا فيها. انها عملية فردان الثانية بإمتياز، فتشوا عن دسائس إسرائيل!
Leave a Reply