عندما يتعرى بعض عجزنا الفكري أمام عجزها الجسديربما لم يتسنَّ لأي مراقب لأحوال جاليتنا الديربورنية أن يلمس بذلك الشكل المفزع بعض جوانب العجز الفكري الذي يتحكم بعقول شريحة منها، لولا الزيارة التي قامت بها الإعلامية اللبنانية مي شدياق إلى مدينة ديربورن ضمن وفد من «المنطقة الشرقية» للمشاركة في إحتفال عيد الإستقلال الذي أحياه النادي اللبناني في المدينة جرياً على عادة منذ سنوات.هذه الزائرة التي تتوكأ على عصا بعدما بتر إنفجار إرهابي ساقها ويدها قبل ثلاث سنوات، إستنفرت مستنقعاً من الغرائز بوجه زيارتها. غير «الفاتحة» لحصون مدينتنا الأميركية المنيعة، بل الودية لأناس لم ينسوا بعد تلك العادة «السيئة» بإحياء ذكرى إستقلال بلد يمكن أن يوصف بأنه أكثر بلدان الأرض تبعية وأقلهم إستقلالاً بفضل ذلك «الإنفتاح» الفاضح الذي يمارسه الساسة اللبنانيون على معظم مشاكل العالم ويأبون إلا أن يبقوا وبلدهم على أسوأ هوامش الصراعات وأكثرها إيذاءً لوحدتهم وإستقرارهم. هي زائرة غير مرغوب فيها، قال بعض «الشرفاء» في منشور وزعوه في المدينة، دعوا فيه أصحاب المناسبة الإستقلالية أن يتراجعوا عن تلك «الخيانة» الموصوفة وذلك «التحدي» لمشاعر الكثيرين من أبناء الجالية!هم يحترمون في بيانهم رأي الإعلامية اللبنانية ولكنهم يرون آراءها مسمومة! فهي «معادية للمقاومة»، ويجب أن لا تحظى بشرف اللقاء بها، ومن يحضر أو يدعم (ماذا؟) تصير صفحته سوداء، قال البيان المذيل بتوقيع «شرفاء الجالية» المجهولين، ربما لأنهم لا يريدون لأسمائهم أن تحفر على لائحة شرف ما؟! وإلا لكانوا أخبرونا نحن عباد الله الجهلة من هم فنقصدهم لتلقيننا دروساً في الشرف والوطنية!..بالطبع لم تلقَ دعوة «شرفاء الجالية» آذاناً صاغية فاختار مئات أن يحضروا مناسبة الإستقلال التي شاركت فيها الإعلامية اللبنانية وكانوا ممثلين لمختلف الأندية والمراكز والجمعيات في المدينة. لم تلقِ عليهم الزائرة محاضرة في الوطنية ولم تدعهم للإنتساب إلى حزب «القوات اللبنانية»، وغادرت كما حضرت وبقي كل منا على «دينه».البعض في مدينتنا وجاليتنا يحاول أن يستن قانوناً لـ«الشرف» ويريد إخضاعنا له بالترهيب قبل الترغيب، بالغوغائية دون المنطق، والسؤال الذي يوجه لهؤلاء «الشرفاء» المجهولين: منذ متى كان الشرف يقتضي بأن نعلن العداء لإخوة لنا في الوطن والإنسانية على رؤوس الأشهاد، وهل «الشرف» يتطلب أن نمعن في نشر ثقافة الحقد ورفض التسامح والتقوقع في شرانق غرائزنا الطائفية أو المذهبية؟هل سمع هؤلاء «الشرفاء» أن وطنهم في محنة وجودية وأن القيمين على شؤونه، أعداء الأمس، قد يصيرون أصدقاء الغد ولهم من تجارب لبنان الكثيرة أمثلة لا عد لها ولا حصر، وأن مواسم المصالحات وأجواء الحوار هي السائدة حالياً في لبنان بعدما أدرك كل أفرقاء الصراع أن لا بديل لهم عن تقاسم العيش فوق تلك الرقعة الجغرافية الضيقة التي كاد الشحن الطائفي والمذهبي أن يفجرها ويحرقها بأهلها وعمرانها أكثر من مرة في السنوات الثلاث الأخيرة؟!..أم أن «شرفاء الجالية» من حملة جنسية الإمبريالية الأميركية لهم رأي مخالف وشعارهم «لا صلح، لا مفاوضات، لا إعتراف» ونحن لا ندري؟ألم يستمع هؤلاء «الشرفاء» إلى سيد المقاومة وهو يكرر إصراره على التصالح وتعزيز الوحدة الداخلية ولو في ظل النقد القاسي الذي يوجه ولا يزال إلى المقاومة؟ ألم تلتقِ الإعلامية الزائرة بمسؤولي المقاومة على شاشة برنامجها، وتحاورهم ويحاوروها ومن خلالها «الجمهور الآخر» حول مواقفهم وآرائهم؟ ألم يلتق قائد «القوات اللبنانية» الذي ننسب الإعلامية إلى خطه بقادة المقاومة على طاولة الحوار ويتجاذبوا أطراف الحديث؟ثم هل سأل هؤلاء «الشرفاء» أنفسهم: ألا يمكن للقاء من النوع الذي حدث في ديربورن أن يغير ولو مقدار ذرة من «آرائها المسمومة» أو «المعادية للمقاومة»؟ ام أنهم يخالون فينا عجزاً فكرياً يجعلنا ضعيفي المناعة الوطنية أمام ظهورها فتنهار «قلعة الممانعة» الديربورنية التي يخشى عليها «الشرفاء» من زيارة الإعلامية اللبنانية التي يدأب هؤلاء على متابعة برنامجها، كما يبدو جلياً؟يخشى أن مي شدياق قد عرت بعجزها الجسدي، عجزاً فكرياً لدى شريحة منا تحاول تغطيته بلقب من قبيل «شرفاء الجالية».
Leave a Reply