المناظرة الرئاسية الأخيرة:
ويحتاج الجمهوريون إلى تدخله
لإصلاح أنابيب شبكاتهم الشعبية!
لم يكن مقدراً للمناظرة الرئاسية الثالثة والأخيرة بين المرشحين الديموقراطي باراك أوباما والجمهوري جون ماكين أن تغير الكثير من وقائع الخارطة الانتخابية التي تميل بقوة نحو أوباما، على مبعدة أقل من ثلاثة أسابيع من يوم المواجهة في صناديق الاقتراع في الرابع من نوفمبر القادم.
فهذه المناظرة بدت أشبه بمطالعة أخيرة «لمتهم» ثبتت عليه التهم بالدليل القاطع أمام لجنة «محلفين» تشرف على إصدار قرارها النهائي بالإدانة، فيما «المتهم» (وهو الحزب الجمهوري) يعيش على أمل أن ترأف به اللجنة فتبرئه مما هو متلبس به، من مآثر ثماني سنوات في الحكم أنتجت أزمة مالية وإقتصادية غير مسبوقة في التاريخ الأميركي، تتوالى تداعياتها يوماً بعد يوم عل كل المنابر الإعلامية وفي صالونات وغرف نوم الناخبين الذين يؤرقهم القلق على مدخراتهم أو ما تبقى منها والمهدد بالتبخر على وهج النيران التي تلتهم البورصة وأسواق المال.
وهناك جيل من الأميركيين ممن كانوا يعقدون الآمال على تعليم جامعي، يرعبهم احتمال أن تقف الأزمة المالية المتفاقمة عائقاً أمام حصولهم على القروض الميسرة لإتمام تعليمهم، فضلاً عن حرمان شريحة واسعة من الأميركيين من برامج التأمين الصحي يقدر عدد أفرادها بأكثر من 74 مليون «ناخب»!
أمام هذه الوقائع الدامغة وغيرها الكثير، تبدو عملية التغيير حتمية ولا تحتمل ترف التفكير بالخلفية العرقية أو الدينية للمرشح الديمقراطي الأسمر الذي انطلقت بعض الهتافات في حشود جمهوربة واصفة إياه بـ«الإرهابي» و«الخائن» أو حتى داعية إلى قتله.
إحدى المعلقات في محطة «سي إن إن» (كامبل براون) تساءلت قبل أيام: ماذا يضير أميركا لو كان أوباما مسلماً أوحتى عربياً، رغم أنه ليس كذلك، وما العيب في أن يكون الرئيس عربياً أميركياُ أو مسلماً إذا عرفنا أن عدد العرب الأميركيين يبلغ أكثر من مليون ومئتي ألف وعدد المسلمين يتجاوز السبعة ملايين ومنهم من تبوأ مناصب رفيعة في الكونغرس وفي حكومات جمهورية وديمقراطية؟
الحملة الانتخابية تجاوزت منذ بداياتها الحاجز العرقي ولم يكن تأهل باراك أوباما ذي الأصول الكينية الأفريقية لقيادة حزبه الديمقراطي أمام خصمه القوي المرشحة والسيدة الأولى السابقة هيلاري كلينتون سوى إيذان بدخول أميركا حقبة التواضع أمام التحديات الكبيرة التي تواجهها كقوة تربعت على عرش العالم بعد صراعات وحروب باردة وساخنة لعقود طويلة، وتواجه امتحاناً تاريخياً لعظمتها. ولم يكن تأهل أوباما عن أحد الحزبين الرئيسين اللذين يتداولان السلطة سوى رأس «جبل الجليد» في مسيرة التغيير وإصلاح الخلل التاريخي الذي حكم علاقة العرق الأبيض بسائر الأعراق ومنها على وجه الخصوص العرق الأسود-الإفريقي.
ولعل المرشح الجمهوري جون ماكين أدرك في قرارة نفسه أن استخدام سلاح العرق والعنصرية قد ارتد عليه وعلى حزبه عندما حاول في المناظرة الأخيرة تقريع خصمه على خلفية ما أدلى به عضو الكونغرس الإفريقي الأميركي جون لويس من ولاية آلاباما عندما قارن بين الحملة الجمهورية الحالية وحملة المرشح الجمهوري حاكم آلاباما العنصري جورج والاس في العام 1960 والتي كان من «فضائلها» مهاجمة كنائس سوداء وسقوط قتلى أبرياء في صفوف السود. ولم يكن المرشح الديمقراطي أوباما بحاجة لبذل الجهد من أجل الدفاع عن حملته أو رفع «العار» الذي ألحقه بها النائب الآلابامي الأسود، فاكتفى بأن نوّه بوطنية الرجل الذي يُعدّ من أبرز دعاة الحقوق المدنية الأميركية، وأعاد خصمه ماكين إلى بيان «التوضيح» الذي أصدره لويس دون إبداء أي «أسف» أو اعتذار.
لم يكن من الصعب ملاحظة التوتر الذي كان يتحكم بنبرة المرشح الجمهوري الذي سبقته إلى المناظرة سلسلة من استطلاعات الرأي المخيفة أظهرت تفوق خصمه الديمقراطي في معاقل جمهورية «حصينة» مثل ولاية فيرجينيا التي لم تصوت لمرشح ديمقراطي منذ العام 1964 وأظهرت أحدث الاستطلاعات فيها تخلفه عن خصمه بعشر نقاط مئوية.
المناظرة الرئاسية خلت من أي جديد لدى المرشحين وتكررت فيها المواقف المعلنة حول السياسة الضريبية لكلا المرشحين على وقع اتهامات ساقها واحدهما ضد الآخر بأنه ينوي زيادة الضرائب على الأميركيين، بلغة يغلفها الإبهام أكثر مما تحمل أي وضوح. و«الجديد» الوحيد في هذه المناظرة هو استحضار السمكري «جو» من ولاية أوهايو الذي تحول خلال ساعة ونصف الساعة إلى نجم قومي يتجاذب اسمه المرشحان مدعيين حرصاً عليه ووصلاً به.
والحال ان الجمهوريين كانوا قد عبروا قبل المناظرة على لسان كبار معلقيهم عن حاجة حزبهم الى «تدخل سمكري» لمعالجة الاسس البنيوية لانابيب الدعم المهترئة والمصابة بانسدادات مزمنة في شبكاتهم الشعبية فأطلق بعض كتابهم حملة نقد ذاتي وكتب مبشراً قاعدة الحزب بـ«السيناريوهارت الاسوأ» التي سيحملها يوم الرابع من نوفمبر و«اخطرها» سيطرة الليبراليين على مفاصل الحياة السياسية ليس في البيت الابيض وحسب بل في الكونغرس الامريكي ولسنوات طويلة قادمة. فتنبأ المعلق اليميني المشهور في صحيفة «نيويورك تايمز» وزميله «فرد بارنز» من مجلة «ويكلي ستاندرد» بسيطرة ليبرالية على العاصمة الاميركية في حال فوز اوباما وتوسيع حزبه نطاق سيطرته على مجلسي الكونغرس.
وفيما عزا معلقون آخرون انتكاسة الحملة الانتخابية الجمهورية الى سوء اختيار نائب الرئيس واعتبروا ان السناتور ماكين كان مغلول اليدين بازاء قناعته بتسمية نائب له ذي خبرة مثل السناتور المستقل جوزيف ليبرمان برزت سارة بالين مجدداً كـ«كبش فداء» في الهزيمة الماثلة امام اعين الجمهوريين رغم «استبسال» المرشح الجمهوري في الدفاع عن خصالها ومزاياها «القيادية» في حين لم يبذل الخصم الديموقراطي اوباما جهداً يذكر في تقديم «صورة رئاسية نموذجية» لنائبه جوزيف بايدن.
وكان على الاميركيين الذين استمعوا الى المناظرة ان يقدروا بأنفسهم ماذا يعني ان تحكم سارة بالين فيما لو اصاب مكروه رئيسها الطاعن في السن، مقابل ان يحكم جوزيف بيدن فيما لو اصاب مكروه رئيسه الذي يصغره سناً.
اما ثالثة الاثافي بالنسبة للحملة الجمهورية فكان استطلاع طلاب المدارس الصغار والذي حصل فيه اوباما على نسبة 57 بالمئة من الاصوات مقابل 39 بالمئة لماكين، والتلامذة الصغار لا يخطئون في الغالب، فقد عكس «تصويتهم» منذ العام 1940 نتائج الانتخابات الرئاسية بدقة فيما عدا مرتين عندما فاز هاري ترومان على توماس ديوي في العام 1984 ويوم خسر ريتشارد نيكسون امام جون كينيدي في العام 1960.
وعلى طريقة خذوا اسرارهم من صغارهم معطوفة على اراء «الكبار» في استطلاعات الرأي لا يلومن احد المعلقين الجمهوريين الذين كتبوا افتتاحيات رثاء في حظوظ مرشحهم قبل ثلاثة اسابيع من يوم التشييع!.
اما السمكري «جو» فعزاؤه ان سطوع نجمه قد يعوض «بيزنس السمكرة» في ظل ركود الاقتصاد الذي غادر قطاره محطة الانتظار في رحلة قد تمتد لسنتين في افضل التوقعات وقد تمتد الى زمن ابعد اذا بقيت المعالجات الاقتصادية والمالية تتعامل مع اعراض الازمة وتهمل مسبباتها.
Leave a Reply