عنيد هذا الرجل، مع ما للعند من نكهة خاصة إذا اقترن بالحق والنجاحات والإنجازات. يسخر البعض من تلك النجاحات والإنجازات مرددين دائماً بأنه الخاسر الأكبر على الساحة اللبنانية، وبأن حياته محكومة بالفشل مذ كان عسكرياً حيث »ولى بالفرار« من ساحة المعركة بعد أن اجتاحها الجيش السوري، وحتى يوم عودته في ٧ أيار ٢٠٠٥، وبدئه العمل السياسي من داخل لبنان حيث فشل في تسويق اسمه لرئاسة الجمهورية.. ليس هذا فحسب، بل هناك من يتوعده بالخسارة النكراء في الانتخابات النيابية القريبة في ٧ حزيران، وحسب استطلاعات أولئك فإن الجنرال العنيد لن يفوز إلا بمقعده في دائرة كسروان منّة من الأكثرية التي ستبقي لائحتها مفتوحة بوجهه. في جبيل تجزم جماهير فارس سعيد الغفيرة بالفوز الساحق الماحق في المعركة رافعة شعار »يا لثارات كنيسة لاسا« متوعدة العماد بإخراجه من »الديار الجبيلية المقدسة«.
في دائرة المتن الشمالي فقد وقع الجنرال بين فكي ميشال المر وأمين الجميل.. وفي قضاء بعبدا فإن مجموعة من الهواة تستنفر صفوفها من أجل إزاحة عون و»حزب الله« عن الخارطة السياسية في المنطقة.
في دائرة بيروت الأولى، خسارة الجنرال حتمية على ذمتي ميشال فرعون ونديم الجميل. وموازين القوى في دائرتي البترون والكورة تميل إلى قوى ١٤ آذار وفقاً للنائب بطرس حرب. وميشال معوض يتكفل بآل فرنجية في زغرتا.. وتبقى زحلة حيث ترجح استطلاعات ١٤ آذار خرق اللائحة من قبل النائب إلياس سكاف. وفقاً لذلك فإن نصيب الجنرال من النواب في كل لبنان لا يفوق عدد اصابع اليد الواحدة، ونصيب قوى ١٤ آذار ما يزيد عن الثلثين من إجمالي عدد النواب. وبالتالي القضاء على الظاهرة البرتقالية التي لوّنت الحياة السياسية اللبنانية مذ وطئت قدما الجنرال أرض لبنان في ٧ أيار ٢٠٠٥.
هذا السيناريو المتوهَّم من قبل السلطة، وإن يكن بعيد المنال، فإنه يشكل ركيزة عمل وحجر زاوية في بناء الحائط السياسي لقوى ١٤ آذار في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، خاصة في ظل ما يشاع عن تسويات سياسية لاحقة قد تنتج عن التفاهم السوري-السعودي وعن الحوار الإيراني-الأميركي، تدفع قوى قريطم من الآن لأن يكون ضحيتها الجنرال عون، وذلك يستوجب إلحاق الهزيمة بحق الرجل، ولو في دائرة مسيحية واحدة خالصة، مع خروقات في دوائر أخرى يُسلب معها عون سلطة التمثيل المسيحي الأكبر في كل لبنان، وتسقط نغمة الـ ٧٠ بالمئة التي طالما رمى بها عون خصومه ولعثم ألسنتهم.
تعتقد القوى الخارجية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية بأن الجنرال عون رجل لا يمكن ضبطه ولا يمكن السيطرة على أفعاله ولا يلتزم بأي سقف ولا يمكن توقع الخطوة التي ينوي القيام بها، وهذا من الأسباب الأساسية التي جعلت إدارة الرئيس بوش تسقطه من حسابات الرئاسة اللبنانية الأولى. وهذا ما يجعل تيار المستقبل يخوض ضده حروب »داحس والغبراء« ويغذي خصومه بالمال والعتاد، ويغدق عليهم ما لا يخطر على بال، في مسعى لتطويق الحالة العونية وتقطيع أوصالها قبل أن تصل إلى موقع يهدد نفوذ الطائفة السنية من خلال إعادة صلاحيات رئيس الجمهورية التي انتزعها »اتفاق الطائف« منها ومنحها لرئاسة الوزراء.
ولعل ما ينهك تيار المستقبل هو هذا الاندماج الواسع بين جمهوري كل من التيار الوطني الحر وحزب الله، الأمر الذي يعيه تيار المستقبل ويعي مدى خطورة أن يحقق الجنرال تقدماً عن النتائج التي أحرزها في الانتخابات الماضية، ويحرز الأكثرية المسيحية مرة أخرى، فتصبح ذراع الأكثرية السنية في العالم العربي محاصرة من قبل الأقليتين الشيعية والمارونية في المشرق العربي، مع إدراك تيار المستقبل بأن أي تسوية محتملة لاحقة سوف ترتكز على موازين القوى على الأرض وعلى حجم التمثيل في المجلس النيابي.
عنيد ذاك الرجل الذي استطاع لأول مرة في تاريخ لبنان منذ تأسيسه أن ينزع حواجز من الخوف والرعب ومن »التابوهات« التي حكمت علاقة الطوائف فيما بينها، واستطاع ذاك العنيد أن يلغي مقولة العيش المشترك لصالح الشعب الواحد، بعد أن كان هناك من يسعى دوماً لتكريس الانفصال والتقوقع الطائفي من بشير الجميل الى سمير جعجع بطلا القتل على الهوية.
عنيد ذاك الجنرال، بل جدير أن يقرع التاريخ أبوابه..
Leave a Reply