تتعاطى أميركا بـ«أعصاب باردة» مع الإندفاعة القوية التي يقودها المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركي الإفريقي الأصل باراك أوباما.
ثمة شعور واسع النطاق أن المؤسسة الأميركية الحاكمة (البيضاء) تنظر إلى الإنتصارات الشعبية الواضحة التي يحققها هذا المرشح ضد منافسته هيلاري كلينتون السيدة الأولى السابقة والإبنة المدللة لمؤسسة الحزب الديمقراطي على مستوى النخبة السياسية، بوصفها تعبيراً عن حالة التخبط ومأزق القيادة اللذين يعيشهما الحزب الديمقراطي منذ أن طويت صفحة «العزّ الديمقراطي» مع الرئيس السابق بيل كلينتون.
وعلى الرغم أن باراك أوباما قد نجح إلى حد بعيد في تمثيل صورة «جون إف كنيدي» في دغدغة مشاعر الجيل الأميركي الشاب من خلال خطابه التغييري المتماسك وقدرته على النفاذ إلى عقول وقلوب هذا الجيل بكل تلاوينه العرقية، إلا أن المراهنة على هذ الجيل في تلبية النداء الأخير في الإنتخابات العامة الرئاسية في نوفمبر القادم وإيصال أول أفريقي أميركي إلى البيت الأبيض تبدو محفوفة بأوهام كثيرة.
وبعيداً عن المقولة الشائعة أن أميركا ليست مهيأة لوصول إمرأة أو رجل أسود إلى البيت الأبيض، وبصرف النظر عن مدى صحة هذه المقولة التي ربما احتاجت إلى الكثير من التدقيقن تبدو مشكلة باراك أوباما مع مؤسسة الحزب الديمقراطي قبل أن تكون مع «الشارع الديمقراطي الناخب» الذي أظهر إبتعاداً عن مؤسسة الحزب بجزء منه على الأقل، منذ وصول رونالد ريغان أبي المحافظين وأيقونة الحزب الجمهوري إلى البيت الأبيض بفضل ما بات يُطلق عليه، «ريغانيو الحزب الديمقراطي» في العام 1980. هذه الفئة من الديمقراطيين تنتمي إلى شريحة عمرية تخطت سن الشباب وتتميز بإقبالها على صناديق الإقتراع مدفوعة بحوافز تتخطى الإنتماء الحزبي الضيق إلى إبداء القلق مما آلت إليه أمور حزبهم الديمقراطي من تدهور في منظومة القيم التي إعتنقها آباؤهم ولم تعد تجد تعبيراتها في المرشحين الديمقراطيين الذين ساوموا على هذه المنظومة مسايرين لمفاهيم إجتماعية شديدة «التحرر»، ليست مسألة حقوق المثليين سوى نموذج عنها.
لذا، وللمرة الأولى ربما، في تاريخ الإنتخابات التمهيدية التي تشهد هذا التنافس الحاد على الفوز بتسمية الحزب الديمقراطي، ستكون لمؤسسة الحزب، على مستوى النخبة، الكلمة الفصل على الأرجح، في دفع المرشحة هيلاري كلينتون إلى الصدارة وتسميتها عبر تجيير المندوبين «غير الملتزمين» في ولايات مثل ميشيغن وفلوريدا لصالحها.
لنتذكر أن هيلاري كلينتون لم تخض حملة إنتخابية في هاتين الولاتين، تضامناً مع اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي في معاقبتها لفرعي الحزب في الولاتيين على تقديمهما موعد الإنتخابات على «الثلاثاء الكبير». وذلك طمعاً في مكافأتها بأصوات المندوبين فيهما عندما ينعقد المؤتمر الوطني للحزب في جلسته النهائية لتسمية مرشحه للرئاسة.
وإذا كان نجم أوباما سيستمر في الصعود شعبيا حتى موعد إنعقاد المؤتمر، مثلما حصل في فيرجينيا وميريلاند وواشنطن العاصمة الأربعاء الماضي، فإن خيبة كبرى قد تكون بانتظاره عندما يقرر المؤتمر الوطني للحزب ترجيح كفة كلينتون والسير بخيار إمرأة بيضاء على «مساوئها» خير من رجل أسود على كثرة «محاسنه».
وقرار من هذا النوع سيكون معززاً بالقلق من إستغلال الجمهوريين للخلفية الدينية لباراك أوباما التي أطلت أولى إشاراتها في الإعلام الأميركي، وإن بصورة خجولة حول «التربية الإسلامية» لهذا الإفريقي الأميركي الذي عاش طفولته في مدارس أندونيسيا أكبر البلدان الإسلامية في العالم، ممارساً عادات وقيماً «إسلامية» على نهج والديه.
وقد لا ينفع أوباما تكرار الإعلان عن الإلتزام بمسيحيته ومواظبته على حضور قداديس الأحد في كنيسته في شيكاغو، لأن المؤسسة الإعلامية الأميركية المؤثرة في قرار الناخبين تتربص بحظوظ هذا الرجل الأسود إذا قدّر له أن يتخطى العقبات الداخلية في حزبه ويحظى بتسميته مرشحاً لخوض الإنتخابات في نوفمبر ضد المرشح الجمهوري الذي بات من شبه المحسوم أنه سيكون السناتور جون ماكين.
Leave a Reply