مريم شهاب
تقول الحكمة الرومانية القديمة: تزداد شجاعة الإنسان كلما ازداد بعداً عن ساحة الحرب.
وهذا القول ينطبق على كثير من جيراننا الزعماء والمثقفـين والإعلاميين فـي «الأمة الكلدانية» فـي ديترويت الكبرى وما حولها، الذين أتوجه اليهم اليوم، متجاوزةً حزازات الكبرياء والعظمة، التي لا تعني القارئ فـي شيء ولا يجب أن تكون موضوعاً للكتابة وإشغال الناس به. وقد قال أناتوال فرانس أيضاً: حذار من المرأة التي تكثر من التحدث عن الفضيلة والشرف.
وهذا أيضاً ينطبق على بعض الجيران الكلدان المغرومين دائماً بتلقين غيرهم دروساً فـي الوطنية والحرية وشرف الكلمة كلما سنحت لهم فرصة التكلم فـي الإذاعة أو فـي التلفزيون وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. ولست أدري لماذا لا يتعوّد هؤلاء على أن يناقشوا ما لا يعتبرونه صحيحاً وفق قواعد الجدل المنطقي، دون أن يضيفوا اليه ذلك المذاق المرّ من الاتهام والتجريح والتباهي بالكبرياء والعظمة، والادعاء أنهم مجبولون من طينة عالية الجودة، صنع اليابان، وأن الآخرين من طينة وضيعة، من صنع تايوان.
ولست أذكر إلاّ القليل النادر جداً، أني حاولت أن أرد على مثل هذا النوع غير البريء من المقولات والكتابات والأحاديث الإذاعية، لا عن ترفع ولا عن ثقة مطلقة بالصواب، ولكن عن عدم رغبة بالنزول الى ميدان يهبط بنا جميعاً، مخطئين ومصيبين فـي نظر السامع أو القارئ، كنوع من ادخار ما لدي من قدرة على الكتابة ومناقشة الذين يجادلون بالتي هي أحسن، وبموضوعية، وحسن قصد.
ذلك أنه يكفـي أن يقول المرء لهؤلاء إنهم لا يمثلون الكلدان ولا يسعون إلى مصلحتهم، وأليم فـي النفس أن يرد الإنسان على أناس يحبّون الظهور بمظهر المحبة والتضحية، والكل يعلم أنهم مستعدون لتغيير موقفهم لدى أية إشارة أو دعوة فـيها إغراء ولو جاءت ممن يعارضون مبادئهم وسياساتهم.
مؤخراً انضمّ إلى جوقة المتبرئين من الإسلام والعروبة الدكتور رمزي فرنسيس داس فـي برنامجه الإذاعي الأسبوعي، وبعد نشر جريدة «صدى الوطن» ما قاله الأب فرنسيس قلابات فـي شهادته أمام الكونغرس الأميركي فـي واشنطن من أن العناية والحماية والمساعدة الأميركية يجب أن تقدّم أولاً للمسيحيين فـي العراق والشرق. ومع أن التقرير كان حيادياً وموضوعياً ولم يتعرّض للأب قلّابات بنقد أو تجريح، ولكن الدكتور رمزي داس وجدها فرصة للتشنيع والتقريع بصحيفة «صدى الوطن» متهماً إياها وناشرها الزميل أسامة السبلاني وطاقم محرريها بأنها «عربية» وليس من حقها الكتابة عن «شعب الكلدان المختار»، لأنهم ليسوا عرباً ولا يشرّفهم الانتماء للعروبة.
إذا كان ذنبي أن حبكِ سيدي
فكل ليالي العاشقين ذنوب
هذا ما قاله الشاعر الصمة القشيري وغنّته فـيروز، وذنبنا العظيم فـي هذا المنقلب من العالم أننا مسلمون وعرب. ليلاً ونهاراً لا نسمع من بعض أفواههم ومنابرهم إلا التسفـيه والتحقير لديننا الإسلامي ولنبينا محمد. والآن تمت إضافة معزوفة الإنتقاص من العروبة -وبالمناسبة هي ليست دينا ولا إثنية ولا عرقا بل ثقافة ولسان- لكن الدكتور داس وصفها وكأنها «وباء» يتوجب التطهر والتبرؤ منه، وأن ما يسمى بالدول العربية هي ليست عربية أصلا ولن تكون.
فـي الماضي كانت العروبة مجداً وفخراً لكل المنتمين لها بمن فـيهم الكلدان. الآن هو زمن العربان، زمن المهازل والخجل من الذين لا يستحون. الدنيا تنقلب ونحن نتخانق ونتاجر بخلافاتنا ومذاهبنا ونقسو على بعضنا بالحملات الشخصية التجريحية والتفاخر بالكبرياء والعظمة على من كنا نتقاسم معهم الفرح والحزن فـي الشرق. وتعرضنا جميعاً إلى التهجير فـي ظروف قاسية. لماذا تريدون بأنانية الجاهلين إعادتنا إلى ظلمة الجاهلية الهوجاء؟ لماذا لا نكون سوياً؟
الرؤوس المليئة تميل إلى الإنحناء، أما الفارغة فتشهر نفسها ولا تعي أنها تشهّر بها.
Leave a Reply