يروى ان حفلا اقيم. فصعد رئيس المؤسسة او الجمعية او النادي او الرابطة وخطَب. (واقسِم انني ما زلت لا اعرف الفرق بين المؤسسة والرابطة والجمعية او النادي، ولماذا تسمى هذه بذاك، وتلك بذلك).
ثم ان الرئيس، بعد ان اعتلى المنبر، خطب فحيّا الجماهير والحضور وسمى منهم قرابة العشرة او اكثر باسمائهم، ولولا الحياء لسمى كل الذين يعرفهم، وشكرهم واحدا واحدا.
ثم ان الرئيس لما خطب وحيّا، جاد واطنب وردد الآهات، ورعد بصوته حين استلزم الرعيد، وخفف نبرته حين استلزم التخفيف، وبعد حوالي النصف ساعة، قال: لن اطيل عليكم بسبب ضيق الوقت!
ثم ان رئيس النادي او الرابطة او المؤسسة عندما انتهى من ترحيبه، نزل (مرغما، بالتأكيد) من على المنبر ليعتليه نائبه (يعتلي المنبر بالطبع).
ولما نزل الرئيس، وقف له كل الذين حياهم فردا فردا وسلموا عليه ولسان حالهم يقول بارك الله فيك، رفعت ذكرنا على المنابر، ورددت اسماءنا في الحناجر، فأكثر الله من امثالك. ووعده احدهم ان يبادله بمثل سلامه سلاما احسن منه اذا ما سنحت له الفرصة وصعد في يوم من الايام ذلك المنبر.
أما نائب الرئيس، فعندما استقر على عرش الاحتفال، اخذ نفسا عميقا. أجال ببصره الحاضرين ليدلل على هدوء نفسه المطمئنة. سعل سعلتين وكح ثلاثا ثم تفل ثم بسمل وسلّم. حيا، بعد ذلك، الجماهير وسمى منهم قرابة العشرين، اسما اسما، ورحب بهم فردا فردا، وكأن بقية الحضور غنم او معزى لا يستحقون الذكر.
وبعد ان جاد وتكلم، ورحّب وسلّم، واطرى على من اطرى، وصرخ حتى يلقي الرعب في مستمعيه في حوالي النصف ساعة، قال: لن اطيل عليكم بسبب ضيق الوقت! واكمل في نصف ساعة اخرى اعتذاراته وشكرَهُ الحاضرين وترحيبَهُ بمن نسي منهم ومن دخل متأخرا، ولم ينزل حتى صعد العريف وكاد ان يلقي به من فوق المنبر بأدب جم.
ولما نزل نائب الرئيس، قام له العشرون الذين حياهم، فردا فردا، وسلموا عليه، وكان منهم من قام قبل ذلك للرئيس، ومن بينهم ذاك الذي وعد بأن يبادل التحية بأحسن منها.
ثم ان العريف، بدوره، عندما استقر له المقام على المنبر، وبعدما آنس اتجاه الانظار نحوه وإصاخة الآذان اليه، شكر الاول والثاني وذكـّر ان حدود كل كلمة عشرة دقائق على الاكثر، لأن برنامج الحفل طويل والناس جياع ورمى الناس بقصيدة من وحي المناسبة في اربعين بيتا، قالها ببطء واجتهد حتى يلفظ كل مخارج الحروف باتقان ومهارة. كل ذلك في عشرين دقيقة كاملة، واعلن بعدها ابتداء الحفل!
وبما ان المناسبة لا علاقة لها بالدين، فقد دُعيَ كل المشايخ اليها، سنة وشيعة، وبعض المطارنة والشمّاسين للتدليل على ان كل الطائفية والاقتتال الحزبي والتجييش الديني في لبنان ليس الا إشاعات مغرضة من قبل «الاميركان».
ثم صعد شيخ منهم، فحمد الله وخضع اليه، وصلى على النبي واثنى عليه، وانتظر، ولما لم يجد تجاوبا من الجماهير صرخ «صلوا على محمد وآل محمد». فصلى الناس. ثم قرأ ما تيسر من القرآن من آيات الوعيد والتهديد وذم المشركين وقتال المنافقين وإعداد العدة للجهاد الاكبر والاصغر وما بينهما في عشرين دقيقة اخرى. صعد بعدها قس، قرأ صلاة مسيحية، ليكتمل التوازن الطائفي ولا يُتهم اصحاب الحفل بالطائفية. واكتفى الحفل بهاتين الصلاتين المسلمة والمسيحية حتى لا يأخذ التجمع طابعا دينيا. واعلن بعدها ابتداء اعمال الحفل.
فهممتُ عندها مسرعا وقد صعد الى المنبر متفوّه مشهور بطول الباع في الكلام وكش الحمام وإطراب الانام، هاربا بجلدي الى الهواء الطلق.
قلت: يا سبحان الله، لو عَلِمَ شيخ النفس، حجة التحليل، العلامة الثقة سيغموند ابن فرويد النمساوي، بحال العرب في ارض «الاميركان» لأضاف فصلا جديدا في كتاب التحليل النفسي تحت عنوان «ازمة المهاجر في عشق المنابر».
Leave a Reply