يقولون.. “الهجوم أفضل طريقة للدفاع”، وقلّما يأتي واحد ويتجرأ على كسر القاعدة، أي قاعدة مهما كانت. أذكر أن مدرباً سورياً لأحد فرق كرة القدم المحلية، كسر تلك القاعدة، وقال “إن أفضل طريقة للدفاع.. هي الدفاع”، فحوّل مباريات الفريق الساحرة، والخاسرة، إلى جثة هامدة، أو إلى مومياء مملة، ولكن بنتائج أوصلت الفريق إلى بطولة الدوري.
وموضوع هذه المقالة، ليس الحديث عن كرة القدم، لكن لا بأس من سوق إحدى عبارات الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، المفضلة لدي: “في كرة القدم، كل شيء يصيبه التعقيد بسبب وجود الفريق الآخر”. واستئناساً بهذه المقولة المنطقية واللاذعة، يمكن القول.. إن كل شيء في حياتنا يصيبه التعقيد (وأحيانا الفشل).. بسبب وجود الفرقاء الآخرين. ولكي تعرف كم هي حياتك صعبة ومعقدة.. أيها القارئ، حاول أن تحصي عدد الأشخاص والفرقاء الذين يخاصمونك، والله يستر.. ما تكون زوجتك إحدى هؤلاء الفرقاء!
وأحسن لنا..أن نرجع إلى الحديث عن كرة القدم. تعرفون.. أن البرازيل الساحرة، ربحت كأس العالم لخمس مرات، بسبب وجود مهاجمين موهوبين.. مثل بيليه وروماريو ورونالدو ورونالدينيو. وتعرفون كذلك أن إيطاليا، المثال الفاقع للدفاع، ربحت الكأس لأربع مرات، بسبب وجود مدافعين شرسين حولوا مباريات كرة القدم الأخاذة إلى حفلات لكسر قلوب الخصوم، مثل شيريا وباريزي وكانافارو ومالديني، وإيطاليا صاحبة امتياز.. “الدفاع-السلسلة” هي نفسها التي حولت استراتيجيات الدفاع في كرة القدم إلى فن خانق ومقزز.
مساكين.. هؤلاء البشر الذي يكون طموحهم كسر قلوب أخصامهم، أو التلذذ بفشلهم، بدل أن يمتلكوا الإرادة والبوصلة.. وموهبة الهجوم! ولا يحتاج الأمر إلى كثير من العناء، لتعرف نفسك عزيزي القارئ إلى أي فئة من “المحاربين” تنتمي: إلى فئة المدافعين، أم إلى فئة المهاجمين؟ ولعلك تفضل أن تكون متفرجاً أو مشجعاً.
أو لعلك تنتمي إلى الفئتين معاً، حسب تغيرات الطقس والمناخ وتقلب العلاقات الشخصية والمصالح… و”القبض”. علينا ألا ننسى القبض.. أيها الأعزاء، لأنه يقلب كل التوقعات وكل الأدوار.. ويقلب الطاولة ايضاً.
أو ربما تكون، أيها القارئ، في طور الاستراحة. ولعلها تكون استراحة “المحارب”. فالمحارب الحقيقي سواء أكان مدافعاً أو مهاجما بحاجة إلى استراحة، أما الجنود.. فهم يتسابقون إلى “اقتسام الغنائم”. وبالمناسبة.. المحارب الحقيقي يكون مدافعا أو مهاجماً أو محامياً أو حتى.. حارساً ليلياً، لكنه لا يكون كلب حراسة!
في الواقع.. ليس القتال وحده هو المهم، فطريقة القتال تكون أحياناً أكثر أهمية.. أكثر أهمية حتى من النصر نفسه. وأنا متأكد –عزيزي القارئ- أنك لو شاهدت ذلك النزال التاريخي بين محمد علي كلاي وجو فرايزر، لفضلت أن تلعب وتخسر مثل محمد علي، على أن تلعب وتربح مثل جو فرايزر.
ولا تعوّلوا كثيراً على الهجوم، لأنه عندما أثارت روما غضب القائد هانيبعل، الذي حشد الأفيال وأجبرها على اجتياز جبال الألب، وما أدراك ما جبال الألب، كان الرومان.. تدفعهم ريح خفيفة في سهول البحر الأبيض المتوسط، على مشارف قرطاجة، بعد قليل، يدكون الحصون والقلاع.
الأهم.. بالإضافة إلى طريقة اللعب والقتال والإثارة هو.. عدالة المعركة!
والمعركة التي خاضتها رحاب عامر من أجل تشريع قانون عامر.. هي معركة تتضمن كل العناصر التي تجعل منها معركة تاريخية، انتصرت فيها المرأة التي لم تتوج بأكاليل الغار.. حتى الآن.
أتذكر.. مرة كنت أشاهد حلقة وثائقية من برنامج “تحت المجهر” (من إنتاج قناة “الجزيرة”)، والتي حملت عنوان “السلاح في أيدٍ ناعمة”، وكان الموضوع يدور حول نساء لبنانيات شاركن في الحرب الأهلية اللبنانية، وحملن السلاح وخضن المعارك الطاحنة.. وقتلن البعض من الخصوم (ومن الأبرياء، أسوة بنا، نحن الرجال).
واحدة منهن قالت للرد على استغراب البعض بحمل المرأة للسلاح وجاهزيتها للقتال، قالت: إن المرأة مهيأة وقابلة لأن تكون محاربة أكثر من الرجل..
أنا اقتنعت بصحة أقوال تلك المرأة، ورحاب عامر هي من أقنعني، على الرغم من أن “محاربين” كثيرين، بيننا، وحولنا، يزعمون خوض المعارك وإدارتها والانتصار فيها.. ولكننا لا نخرج منها إلا بالعجيج، وهذا غير الضجيج، والصراخ والنزاع على اقتسام الغنائم!
رحاب عامر.. مرحى لك!
Leave a Reply