كم هو أمرٌ ينطوي على الجدّة والحيوية والنشاط وتجديد أثوابِ الحياة، مثلما يبعث على الغبطة والتواصل الحميمي مع أيِّ إنجازٍ لأبناء جاليتنا الكريمة في أيِّ حقلٍ من حقول المعرفةِ والعلم والأدب، التي بمجموعها تتشكل الواجهةُ الحضاريّةُ لأيّة أمّة على مشرقِ الأرض ومغربِها، فهاهم العلماء والأطبّاء والصيادلة ورجال الأعمال والسياسة وإلى جانبهم منتجو الثقافة والأدب والصحافة والفنون يتظافرون مثل النجوم في عرض السماء كما يعلون كالبيارق ويرفرون كالأعلام…
شاعرة سورية
اتصل بي الزميل صخر نصر يبلغني بأن شاعرةً سوريةً تُدعى دولة عبد الهادي العباس قد حطّ بها الرحالُ وأناخ بها المقام في مَهجرِنا الأميركي وتحديداً في ولاية فلوريدا، وهي تبحث عن مصادر النشر الناطقة بالعربية لتضعَ نتاجاتِها الشعريّةَ تحت ذائقة القرّاء العرب، فالقصيدةُ لا تتخذ صفتَها الوجوديةَ إلّا عند حاضنة النشر، وإلّا فهي والعدم في خانةٍ واحدة، فأشارَ عليها باتّجاهِ جريدتنا.
وبدوري، بعد تقديم الشكر لزميلِنا العزيز أبي عليّ، رحتُ أحاور نفسي حول جهلي بهذه الشاعرة، فالقصور لم يصدر عنها، وإنما يكمن القصور في متابعتي للشعراء العرب من دون الوقوع في شرَكِ الانتقاء أو الإنجرار وراء عربةِ الشُهرة، إذ أنّ على جانبَي الطريق أعدادٌ لا تُحصى من أرياف الشعراء الغنّاء تستدعي الإستراحةَ تحت أفياءِ نتجاتهم الشعرية، سيّما وإنّ الأرضَ العربيةَ ولّادة لمثل تلك الأريافِ والواحات الشعرية الوارفة، وكم هو مُصيبٌ القول إنّ الشِعرَ ديوانُ العرب.
حسناً.. ولكي أرى وجهَ تلك الشاعرة، رحتُ أبحث عن سيرتِها في المواقع الإلكترونية فإذا بها عضو اتّحادِ الكُتّابِ العرب، والإتحادُ لا يضمّ لعضويتِهِ إلّا من يكون محترفاً لاختصاصهِ الأدبيّ، ثمّ استكملتُ متابعتي بقراءةِ عدّة نصوص أخذتني إلى عذوبةِ رومانسيّتِها، فاتصلتُ بها هاتفيا فأتحفت الجريدة بنصًّين ننشرهما في هذه الصفحة باعتزازٍ ومحبّة فائقة.
أقلام مهجريّة
ليس النظرُ إلى الأشياءِ على ظواهرِها مثل الغَورِ في تفاصيلِ بواطنِها، فالسلّةُ الملأى بفاكهة التفاح ليست كطبقِ مُرَبّاه كما هي ليست كقنّينةِ عصيرِهِ، مع أنّها مُجتمِعةً مصدرُها التفّاح، كذلك النظرُ إلى جُهدِ مؤلِّفِ كتاب «أقلام مهجريّة» الأديب كامل محمود بزي، فقد رأيتهُ في لحظاتِ انهماكٍ مُتطامنة وهو محاطٌ –مثل وادٍ غائرِ حولهُ تلول– بآلافِ الصفحات من الإصدارات والنشريّات والدوريّات والصحفِ والمجلّات وأعمدةٍ من عشراتِ الكتُب، راح ينقّبُ فيها مُنتقِياً منها ما يُليقُ بالاصطفافِ والتراكُمِ ليجعلَها موادَّ مُتداخلةً في بناءِ عمارةِ كتابِه، ومن ثمّ لتتوهّجَ في المُحصّلةِ الأخيرة من مبناها أضواءُ المُحتوياتِ بما سلّطَ عليها من رؤى نقديّةٍ انطباعيّة على محظِ السليقةِ ووحيِ الذائقة الأدبيّةِ المنبثقة والمتدفِّقة من معنى الهجرة، عبرَ المعاني والحروف والكلماتِ التي تصُبُّ في مجرى النهر الأدبيّ الذي يرفدُ الغارفينَ منهُ، بما يُشيعُ في نفوسِهِم متعةَ ارتواءِ الضمير من حيث التركيز على الانتماء لحضارةِ أمّةٍ كانت وستبقى جديرةً بأن تحملَ خصائصَها وهُويّتَها باعتزازٍ وفخرٍ عظيمَيْن ومتمَيّزَيْن أمامَ الأممِ الأخرى حولَ العالَم.
كذلك ليست النظرةُ إلى مُنجَزِ أدبِ المهجرِ الذي ورثناهُ عن الروّادِ العِظام الأوائل، جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وإيليا أبي ماضي ومعلوف وغيرِهم، هي ذاتها التي يوحي بها كتاب «أقلام مهجريّة»، ذلك لاختلافِ ظروف ووقائع وخصائص وملابساتِ المرحلتَين الفاصلتَين بينهما، دون أن يفوتَنا الانتباه إلى أنّ وسائلَ الاتصالات كانت تنطوي على البَوْنِ الشاسع في الفرقِ ما بين المرحلَتَيْن، إذ كانت شاقّةً ومريرةً وطويلةً أمام الأولى، بينما انطوت على اليُسرِ والسرعةِ إزاءَ الثانية، بفضلِ خدمة إيصالِ النتاجات الأدبيّةِ عبرَ الإنترنيت، عدا عن محدوديّة الأسماءِ في الأولى واكتِظاظِها في الثانية، لكنّ المُحصّلةَ التي تُستنتَجُ منها هي القبضُ على جوهرةِ الانتماءِ لحسِّ وثقافةِ الأمّة.
أمّا ما يُلحِقُ ذلك، فيبقى مقروناً بالأثر الذي تحرّرهُ ذائقةُ القُرّاء وما يتحرّرُ من تحتِ أقلامِ النُقّادِ المُختصّين، فالنتيجةُ في المسيرِ هي واحدةٌ، إن كانَ المَشْيُ على هيئةِ قدَمَينِ أو على هيئةِ عجلةٍ دائريّة.
أنتِ الحياة
سيري ولا تتوقّفي
طيري.. فديتُكِ رفرفي
إنّ الحياةَ مواسمٌ
خُضرٌ فلمّي واقطُفي
لا تجزعي يا حلوتي
لا ترهبي لا ترجفي
فالشمسُ طالِعة فهيّا
للمسيرةِ.. واهتُفي
****
أمٌّ إذا ما صنّفوا
أمٌّ لكلِّ مثقّفِ
أمُّ الرسولِ محمّدٍ
أمٌّ لِأجملِ يوسُفِ
أمٌّ تهزُّ الكونَ فامضي
للحياةِ وشرُّفي
أختٌ وزوجٌ وابنةٌ
وصديقةٌ في الموقفِ
أنتِ الحياةُ وأصلُها
إيّاكِ أن تتوقّفي
وهِبي الحياةَ وجدّدي
لحنَ الحضارةِ واعزفي
فاللحنُ دونكِ ضائعٌ
وبغيرِ صوتكِ يختفي
أمّي
ضُمّي الوليدَ إليكِ ضُمّي
وتنهّدي كعبيرِ كُمِّ
واعطي الوليدَ محبّةً
ورؤىً من الحلُمِ الأتمِّ
واعطي الطفولةَ والشبيبةَ
.. والرجولةَ كلَّ زخمِ
فلَأنتِ نبراسُ الحياةِ
ومهدُ كلِّ عُلاً وحُلمِ
ولَأنتِ زارعةُ الجِنانِ
وموئلُ الأملِ الأهمِّ
ولَأنتِ مُلهِمةُ الرجال
وربّةُ الألقِ الأشمِّ
****
هوَ عيدُكِ العيدُ الذي
يندى العبيرُ به ويهمي
والعزمُ أنتِ ومنكِ إكباري
معناكِ إصراري وعزمي
والقلب.. يمرحُ في ملاعبِهِ
إذا ناديتُ: أمّي
والكونُ يرقُصُ في مباهجِهِ
إذا عانقتُ أمّي
سيرة ذاتية
– ولدت في المشرفة، محافظة حماة السورية عام ١٩٤٩
– درست في مدارس دمشق، وفي جامعتها بكلية الآداب – قسم اللغة العربية، ثم بفرع الحقوق في جامعة بيروت العربية.
– نشرت بعضاً من شعرها في المجلات والصحف العربية.
– تكتب –إلى جانب الشعر– القصة القصيرة.
– دواوينها الشعرية: قطرات جرح 1982، أغاريد وجراح، صهوة الخلد، أغرودة الدمع، صرخة أنثى وأين هذا الحبّ كان
– أعمالها الإبداعية الأخرى: مجموعة من القصص القصيرة نشر بعضها والبعض الآخر في طريقه إلى النشر.
– حصلت على جائزة تقدير من مجلة «الثقافة» وجريدة «الاعتدال».
– كتب عنها بعض الأدباء والشعراء السوريين منهم: حامد حسن، مدحت عكاش، إسماعيل عامود وخالد الحسين.
– تقيم حالياً في ولاية فلوريدا بالولايات المتحدة.
Leave a Reply