د. دعد قطاطو
هناك في قرية النبي صالح الوادعة، غربي رام الله، ولدت الطفلة عهد، في عام 2001 لأبوين مناضلين، باسم وناريمان، ونشأت بين أخوتها وعد وسلام ومحمد الذي انتزعته من أيدي جنود الاحتلال الذين كانوا ينوون اعتقاله.
أول مظاهرة أو مسيرة شاركت فيها، كانت في سن الرابعة، نعم الرابعة!
تعلمت منذ ذلك الوقت جملتين اثنتين ظلت ترددهما بعزم وإرادة في وجوه جنود الاحتلال المدججين بالسلاح: أخرجوا من أرضنا! هاي الأرض مش إلكم!
واستمرت تخرج في مسيرات ضد الجدار والاستيطان وضم أراضي قريتها إلى مستوطنة حلميش المجاورة منذ 2009 وحتى اعتقالها.
هذه المسيرات تندلع كل يوم جمعة من قريتها ونعلين وبلعين وكفر قدوم والمعصرة…وكانت الأسرة كلها تخرج، فهذا واجبهم الوطني ولهذا اعتقل والداها عدة مرات، وهذا أمر طبيعي كما يقولان، «إذ أنه من غير الطبيعي أن تكون تحت الاحتلال ولا تقاوم».
استشهد خالها وعمتها من قبل، وهي لا تهاب الاعتقال ولا حتى الشهادة. انظروا إلى بريق عينيها المملوتين بالتحدي والإصرار أمام الجنود!
يختلف الرواة في تاريخ أعتقالها ما بين 18 أو 19 كانون الأول (ديسمبر) 2017. وتفسير ذلك لأن خفافيش الظلام –جنود الاحتلال– لا يحلو لهم مداهمة المنازل لاعتقال الأطفال الا عندما ينتصف الليل. ربما كانت ساعتها تدرس لامتحانات الثانوية، وربما كانت نائمة، تحلم بدراسة القانون والمحاماة، حلمها الوطني هو الدفاع عن المعتقلين في سجون الاحتلال، وتحقيق العدالة لهم بوجه عدو لا يعرف من العدالة شيئاً ولا حتى اسمها.
وجه الاحتلال لها عدة تهم: إعاقة عمل الجنود، وما عملهم؟: التنكيل بالأطفال؟ وإهانة الجنود، فقد صفعت جنديين وهذا أقل ما يستحقون، والتحريض والتهديد بكلمات مقابل الرصاص، وإلقاء الحجارة، والقيام بأعمال شغب، والمقصود المقاومة، بين اختلاف المعنى في قاموس الاحتلال وقاموس أهل البلد.
حصلت على جائزة حنظلة للشجاعة من مدينة تركية في 2012، ومن منكم لم يعرف حنظلة المقاوم الذي هز عروشاً، ودفع ناجي العلي حياته ثمناً لحرية حنظلة وحقه في المقاومة.
عهد، الطفلة النحيلة الثائرة ليست استثناءً بين أقرانها، أطفال فلسطين، اسأل أي طفل فلسطيني في الضفة أو غزة أو الشتات فأن لم يكن في عائلته من اعتقل أو استشهد أو جرح أو صودرت ممتلكاته، فقد لا يكون فلسطينياً أبا عن جد، .
عهد، أيقونة للنضال والمقاومة في فلسطين، فقد تكون من الجيل الرابع بعد النكبة. ولطالما راهن قادة الكيان الصهيوني على أن الكبار سيموتون والصغار سينسون. فأثبتت عهد خطأ نظريتهم. إن جذوة المقاومة في عينيها ترعب الاحتلال.
هذا الشعب لا يرعبه الاحتلال ولا الجدار ولا التعذيب وظلام السجون وبردها.. ولا حتى الموت.
هذا الشعب لا يثبط من عزيمته فشل الربيع العربي ومصادرته، ولا يتهيب من موازين القوى، ولا تخاذل الأنظمة العربية أو انحيازها للاحتلال، ولا الاصطفاف الأميركي الأعمى. ففعل المقاومة يجري في جينات الفلسطينيين، يتوارثونه، وينفذونه عن طيب خاطر من أجل الحبيبة، الأرض. ففي المعجم الفلسطيني:
المقاومة أو الفناء، ومصير هذا الشعب بالتأكيد ليس الفناء.
Leave a Reply