طويلة ومكتظة هي قائمة المناضلين الفلسطينيين الذين تحولوا إلى أيقونات راسخة في الذاكرة الشعبية العربية، على مر سنوات الصراع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لكن الرمزية التي تحظى بها المقاومة الفلسطينية عهد التميمي (16 عاماً) تكتسب معانيَ إضافية لكونها من الجيل الذي ولد بعد اتفاقية أوسلو التي وضعت حداً فاصلاً لمرحلة الكفاح الفلسطيني المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي.
أوسلو التي شكلت ذريعة للمترددين والمطبعين العرب للانفضاض عن أشقائهم الفلسطينيين وعذراً للتهاون عن المطالبة بحقوقهم المسلوبة، أدخلت -أيضاً- السلطة الفلسطينية في متاهة متشابكة من محادثات السلام وشراكة متواطئة مع الدولة العبرية تحت عنوان «حل الدولتين».
وخلال العقود الثلاثة الأخيرة، كادت البطولات الفلسطينية الميدانية تبدو مجرد فصول في رواية غابرة، لولا الغطرسة الإسرائيلية التي شنت حربين ضروسين على قطاع غزة، عامي 2008 و2014 وحرباً غاشمة على لبنان عام 2006 تأكد معها الفلسطينيون من أنه لا بديل عن مقاومة الاحتلال بكافة الطرق الممكنة والمتاحة.
في هذه الظروف، ولدت عهد التميمي (2001) لتشهد منذ سنوات طفولتها الأولى جنود الدولة العبرية وهم يمارسون شتى أنواع القمع والتضييق على قريتها (النبي صالح) التي تحيط بها المستوطنات.
الطفلة الشقراء حلمت أن تصبح لاعبة كرة قدم، ولكن عسف الاحتلال حوّلها إلى أشهر طفلة مقاومة، فتصدر اسمها عناوين الصحف العالمية وهي في الـ12 من عمرها. والطلفة الشقراء حلمت أن تزور شاطئ البحر الذي لا يبعد أكثر من نصف ساعة بالسيارة عن قريتها، ولكن حاجتها لـ«تصريح» إسرائيلي، وقفت عائقاً أمام تحقيق تلك الأمنية، أما ما تتمناه -هذه الأيام- فهو زيارة مدينة نيويورك لكي تتحدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب في عقر داره بعدما أعلن القدس عاصمة لإسرائيل.
لطالما اتهم عتاة الصهاينة ومؤيدو إسرائيل الفلسطينيين بأنهم يدفعون أطفالهم إلى دائرة الخطر لاستدرار العطف العالمي وكسب التأييد الشعبي لقضيتهم، لكن قصة عهد التميمي تكذّب هذا الادعاء، وتثبت للمرة الألف أن الأطفال الفلسطينيين هم في مقدمة ضحايا الدولة العبرية، حقيقة ومجازاً، فالاحتلال الإسرائيلي مسؤول بشكل مباشر عن حرمان آلاف الفلسطينيين من طفولتهم، فضلاً عن سجن وتعذيب المئات منهم سنوياً، حيث تفيد تقارير صادرة عن «منظمة الأمم المتحدة للطفولة» (يونيسف) «أن إساءة معاملة الأطفال في نظام الاحتجاز العسكري الإسرائيلي لا تزال تجري على نطاق واسع ومنتظم وممنهج في كافة مراحل الاحتجاز».
الثلاثاء الماضي، اقتحم عشرات الجنود منزل التميمي واعتقلوها لتنضم إلى قافلة الأطفال في أقبية السجون الإسرائيلية بدعوى صفعها لجنديين إسرائيليين، ولكن كيف يمكن إدانة طفلة تعيش في قرية محاصرة و«لا تجد ما تفعله سوى مقاومة الاحتلال»، بحسب ما قالت في فيديو مصور، مضيفة أنها «لن تحظى بحياة طبيعية إلا بعد زوال الاحتلال»!
التميمي التي حازت على جائزة «حنظلة للشجاعة» في تركيا قبل خمس سنوات، باتت أيقونة من رموز النضال الفلسطيني الذي يثبت يوماً بعد يوم أن بطون الأمهات الفلسطينيات لن تكف عن إنجاب الأبطال!
Leave a Reply