كمال ذبيان – «صدى الوطن»
انتخب للبنان رئيس للجمهورية هو الثالث عشر منذ الإستقلال في العام 1943، ورابع قائد للجيش، وهو أكبر المرشحين الذين وصلوا الى رئاسة الجمهورية سناً عن عمر 82 عاماً.
انعقدت الجلسة الـ46 للانتخاب وفاز فيها العماد ميشال عون في الدورة الثانية بـ83 صوتاً بفارق صوت واحد عن الدورة الأولى التي لم ينل فيها عدد الأصوات المطلوب (86 صوتاً) وهو ثلثي أعضاء مجلس النواب، بحسب المادة 49 من الدستور.
فاز عون في الدورة الثانية بالأكثرية المطلقة، بعد جولتي انتخاب، حصل فيها خطأ بتوزيع أوراق الإقتراع، إذ كان عدد المغلفات في صندوق الإقتراع 128، بزيادة مغلف واحد عن عدد النواب 127، بعد قبول استقالة النائب روبير فاضل عن المقعد الأرثوذكسي في طرابلس.
الجلسة الانتخابية تميّزت بالديمقراطية، بعد أن أعلن المرشح النائب سليمان فرنجية أنه اتفق مع الرئيس نبيه برّي، أن يتم التصويت بورقة بيضاء، وهو إنسحاب مقنّع من المعركة الانتخابية، وفي الوقت نفسه تسجيل اعتراض على انتخاب عون، إذ سُجّل وجود 36 ورقة بيضاء في الدورة الثانية، وهو رقم لم يسجل في دورات انتخابية سابقة، إذ حصل وأن وُضعت ستة أوراق في انتخابات العام 1989 بعد إتفاق الطائف، التي انتخب فيها رينيه معوّض رئيساً للجمهورية، قبل أن يتم اغتياله بعد أقل من شهر على انتخابه.
والأوراق الـ36 البيضاء مع سبع أوراق ملغاة وورقة بإسم النائب ستريدا جعجع في الدورة الثانية، لم تفرح عون الذي كان يأمل أن يُنتخب بشبه إجماع كما حصل مع رؤساء جمهورية سبقوه، وأن الـ44 صوتاً الذين لم يقترعوا له، يشكلون 35 بالمئة من أصوات مجلس النواب، وهذه نكسة لمن حصل على تأييد كتل نيابية أساسية كالمستقبل، والوفاء للمقاومة، والإصلاح والتغيير والقوات اللبنانية، واللقاء الديمقراطي، والقومي الإجتماعي، والبعث، بالإضافة الى مستقلين، وقد حصل خرق في كتلتي المستقبل و«اللقاء الديمقراطي» ممن انتخبوا بورقة بيضاء.
العملية الانتخابية، تمت بديمقراطية وتصويت حر، وأمام حشد من سفراء الدول، ومواكبة مباشرة من وسائل الإعلام، مما رسخ حقيقة أن رئيس الجمهورية صُنع في لبنان هذه المرة، لجهة توافق أطراف سياسية وكتل نيابية على اسم مرشح يحظى بكتلة نيابية وازنة، ويمثل بيئته الطائفية والشعبية، فنال تأييد الدول التي أعلنت أنها مع ما يقرره ممثلو الشعب اللبناني، ما يعني أن الانتخابات لم تكن معلّبة، كما كان يحصل في استحقاقات رئاسية سابقة، إذ ظهرت معارضة لانتخاب العماد عون، لأسباب متعددة، ومن نواب موزعي المواقف السياسية.
عهود رئاسية
وتقبّل الجميع النتيجة، حيث أعلن الرئيس نبيه برّي الذي لم يصوّت للعماد عون، أنه مسرور لسير الانتخابات التي أصبحت وراءنا، وبات علينا التطلع الى الأمام، إذ يرى رئيس مجلس النواب، أن المرحلة المقبلة هي لـ«الجهاد الأكبر»، وهو إصدار قانون انتخاب، يفضّله على أساس النسبية والدائرة الكبرى في كل لبنان، أو المحافظات، لأنه من دون هذا القانون، فلن يحدث تغيير في بنية النظام السياسي الذي دون إلغاء الطائفية منه، فسيبقى مولّد أزمات وحروب.
وبعد انتقال العماد عون الى القصر الجمهوري، لبدء ممارسة مهامه وإنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية الذي دام عامين ونصف فإنه أمام مرحلة هي أصعب عليه كرئيس للجمهورية، منه كمرشح، إذ أعلن في خطاب القسم أمام النواب واللبنانيين والعالم، أن لديه أفكار وتوجهات، لا تلزم الحكومة التي لها بيانها الوزاري، إنما هو يريد أن يحقق إنجازات في عهده، وردت في الخطاب، بحيث تسجّل له، كما في عهود رئاسية سابقة ترك مَن تولاها، إضاءات في تاريخ لبنان، بحيث يسجل للرئيس فؤاد شهاب على أنه بنى المؤسسات، وللرئيس شارل الحلو تطهير الإدارة والقضاء، من الفاسدين، وللرئيس الياس الهراوي إنهاء تمرّد العماد عون على الشرعية، وللرئيس إميل لحود دعمه للمقاومة وتحرير الجنوب في عهده عام 2000، وتصدي المقاومة للعدوان الإسرائيلي صيف 2006 والرئيس ميشال سليمان تحييد لبنان عن صراعات وحروب المنطقة من خلال ما سمي اعلان بعبدا.
إذا كانت هذه هي الإيجابيات في تلك العهود فإن ثمة سلبيات طبعت عهوداً رئاسية، بحيث عُرف عهد الرئيس بشارة الخوري بالفساد وتزوير الانتخابات وسيطرة شقيقه الذي كان يُلقّب بـ«السلطان سليم» على مقدرات الدولة، وإنحياز الرئيس كميل شمعون في عهده الى الغرب، وادخال لبنان في محور «حلف بغداد» ضد الرئيس المصري جمال عبدالناصر، واندلعت الحرب الأهلية في منتصف عهد الرئيس سليمان فرنجية الذي بدأ ولايته بإنهاء حكم المخابرات العسكرية (المكتب الثاني)، وخلفه الرئيس الياس سركيس الذي لم تتوقف الحرب الداخلية في عهده والتي تحوّلت الى حروب إقليمية ودولية، ليخلفه بشير الجميل الذي أتى به الإحتلال الإسرائيلي فاغتيل ليخلفه شقيقه أمين الذي تأججت الحرب بين اللبنانيين في عهده الذي سلّم السلطة الى حكومة عسكرية برئاسة العماد عون كقائد للجيش، لعدم تمكن مجلس النواب من انتخاب رئيس للجمهورية.
ويعطى كل عهد فترة سماح تمتد الى ثلاثة أشهر، لإظهار نهجه في الحكم، الذي يقوم على الحفاظ على الدستور، وتطبيق القوانين عبر المؤسسات، وتعهد العماد عون في خطاب القسم أن يؤمن قيام الدولة، وتفعيل دور المؤسسات، ولم يختلف ما أورده في خطابه عن ما سبقوه من رؤساء، تحدّثوا عن أوضاع الجمهورية في كل نواحي شؤونها، وعرضوا لأمراضها، وطرحوا طرق خلاص لها، وتعهدوا بتحقيق الإصلاحات، ومحاربة الفساد، ومعاقبة المخلّين بالقانون والنظام، ورفض المحاصصة، وعدم العمل بالمحسوبية والزبائنية، والكل سواسية تحت القانون.
لكن من كل هذه الشعارات والعناوين، لم يلتزم أي رئيس جمهورية في تطبيقها، وأحياناً تبدأ العهود بزخم فيجري تطهير المؤسسات من بعض الفاسدين ويزج بهم في السجن، كما حصل في عهد الرئيس إميل لحود، لتعود الأوضاع السيئة الى ما كانت عليه، بسبب النظام الطائفي الذي وزّع السلطات على الطوائف، وتمّ احتكارها من قبل زعمائها، الذين زجوا بأزلامهم والمحسوبين عليهم في مؤسسات الدولة، فأهدروا المال فيها، وعمموا الفساد داخلها.
الواقع
العماد ميشال عون الذي ترأس «تكتل الإصلاح والتغيير»، وضمّ أحياناً 27 نائباً، لم يتمكّن خلال ثلاث دورات انتخابية منذ العام 2005، تاريخ عودته الى لبنان من منفاه، أن يحقق إصلاحات في القوانين اللبنانية، ولا أن يُحدث تغييراً في أداء الوزارات التي تسلمها، وكانت الذرائع دائماً أن أطرافاً سياسية تضع العراقيل أمام مشاريع «التكتل»، الذي لم ينجح الوزير جبران باسيل، بأن يعيد الكهرباء 24 ساعة على 24 في أيلول 2015 كما وعد، ولم يعطِ مبررات مقنعة لذلك، سوى أن «تيار المستقبل» عرقل له عمله، وكذلك الأمر في موضوع المياه وبناء السدود التي حاول باسيل الإسراع فيها إلا أنها تعثرت دون أن يعرف المواطنون أسباب استمرار إنقطاع المياه، وكذلك موضوع الهاتف لاسيما الخليوي الذي لم يعرف اللبنانيون نتائج التحقيق من سطا عليه وسرق أمواله، بالرغم من انتشار أسماء المتهمين، وبمن فيهم مدير عام «أوجيرو» عبد المنعم يوسف الذي لم يعد يتم الحديث عنه، بعد دعم الحريري لترشيح عون.
فشعار «الإصلاح والتغيير» الذي رفعه عون منذ عقود، هو أمام امتحان تطبيقه على أرض الواقع من موقعه كرئيس للجمهورية الذي بات يملك صلاحيات، أن يدافع عن حقوق المواطنين ومؤسسات الدولة ودستورها، إذ ينتظر المواطنون من الجنرال أن يفي بوعوده في تحرير الإدارة من محتليها من الفاسدين، وبسط سيادة القانون على المؤسسات والإدارات التي تستولي عليها مرجعيات طائفية وسياسية.
مهمة الحريري
الحكومة المقبلة سمي لرئاستها سعد الحريري وفقاً للاتفاق بينه وبين عون الذي تعهّد له «حزب الله» أنه يؤمن له العبور الى رئاسة الحكومة كمكلف، أما التأليف فتقع مسؤوليته على الحريري، لاسيما بعدما أن وجّه الرئيس برّي إتهامات مبطنة له بأنه غدر به، عندما أتمّ الإتفاق بينه وبين عون حول الرئاسة والمرحلة التي ستليها دون علمه وعدم اطلاعه عليه من قبل الطرفبن .
فالعهد الجديد الذي سهّل الرئيس برّي عملية انتخاب رئيسه، هو ينتظر شكل الحكومة التي ستؤلف، قبل نحو سبعة أشهر من الانتخابات النيابية، التي ينتظر حصولها، وما هو مصير قانون إلانتخاب الذي لم يحصل اتفاق عليه بعد بالرغم من الإجتماعات في مجلس النواب والجلسات على طاولة الحوار، التي لم تتوصل الى قواسم مشتركة لقانون انتخاب، تتجاذبه أربعة إقتراحات، الدائرة الفردية على النظام الأكثري، الدائرة الكبرى أو المحافظة مع النسبية، المختلط بين الأكثري والنسبي على دوائر تتوزع مناصفة 64 أكثري و64 نسبي أو 68 أكثري و60 نسبي، أو «القانون الأرثوذكسي» الذي يعتمد على أن تنتخب كل طائفة نوابها.
وأبدى الرئيس برّي مرونة في التعاطي مع ما رافق الانتخابات الرئاسية الى حد التعاون مع العهد الجديد، إذا ما أمّن ما كان الرئيس برّي يسعى له على طاولة الحوار، التي قد تعود ليترأسها الرئيس الجديد للجمهورية، أو أن تكون الحكومة هي مكان الحوار، إذا تألفت من أغلبية القوى السياسية، وهو ما يطمح العماد عون أن يحصل في بداية عهده، ليؤمّن إلتفافاً «وطنياً» حوله، يعوّض عدم الإجماع على انتخابه.
وبذلك يكون الرئيس برّي، قد تراجع عن تلويحه بأن يكون في المعارضة، بعد أن جرت الانتخابات الرئاسية، فسقطت مقولة معارضة العهد، ليطرح السؤال ما إذا كان سيكون خارج الحكومة التي تشكّل ويصبح في المعارضة لها، إذا ما تلكأت عن القيام بواجبها، إنما هذا الموضوع، لم يحسمه الرئيس برّي، الذي أبدى انفتاحاً على عودة الانتظام في المؤسسات الدستورية، وهو لن يشكّل عقبة أمام تسمية سعد الحريري لرئاسة الحكومة، والذي سيحصل على أصوات لتوليها، حيث يبقى تشكيل الحكومة التي سيتم الإتفاق على شكلها، سياسية أو تكنوقراط، وعددها، والحقائب الوزارية التي ستتوزّع وعندها يقرر الرئيس بري مشاركته وحلفائه في الحكومة.
Leave a Reply