في الوقت الذي سعى فيه دونالد ترامب، بعد أن أصبح رئيساً، لتطوير علاقاته مع القادة العرب، فإن المشاعر السلبية نحو العرب والمسلمين التي زرعها الحزب الجمهوري خلال السنوات الأخيرة، كان لها تأثير مقلق على الرأي العام في الولايات المتحدة، وعلى سياساتها في الآن ذاته.
فاستطلاع الرأي الأخير الذي أجريناه، بعد القمم التي عقدها ترامب في السعودية بثلاثة أسابيع، يظهر استمراراً للانقسام الحزبي العميق، والمزعج في المواقف الأميركية تجاه العرب والمسلمين. وما يمكن ملاحظته من خلال العديد من الاستطلاعات التي أجريناها هو أن آراء الديمقراطيين والجمهوريين، بشأن العديد من القضايا التي تهم الأميركيين من أصول عربية، والأميركيين المسلمين، تتناقض تناقضاً تاماً مع بعضها بعضاً، حيث نجد أن مواقف الجمهوريين نحو العرب والمسلمين سلبية إلى أقصى حد، وأن آراء الديمقراطيين بشأنهم إيجابية بشكل واضح.
وعلى سبيل المثال، نجد أنه حتى بعد زيارة ترامب المشار إليها، كانت لدى 18 بالمئة فقط من الجمهوريين آراء إيجابية بشأن المسلمين. أما نسبة من كانت لهم آراء إيجابية عن العرب، فلم تزد على 20 بالمئة فقط. وهذه المواقف تتناقض تناقضاً حاداً مع مواقف الديمقراطيين، حيث كانت نسبة الذين يميلون إيجابياً للمسلمين والعرب هي 59 بالمئة و58 بالمئة على التوالي.
هذه بعض الملاحظات التي أمكن تبينها من استطلاع زغبي التحليلي للمعهد العربي الأميركي، الذي أُجري في منتصف يونيو من هذا العام، والذي استطلع آراء 1012 ناخباً في مختلف أنحاء الولايات المتحدة.
وهذا الاستطلاع ظل يفحص آراء الناخبين الأميركيين بشأن هذا الموضوع لعقدين من الزمن. ومن خلال المقارنة بين نتائج الاستطلاعات التي أجريت خلال هذه المدة، يمكن ملاحظة أن هناك العديد من التغييرات التي حدثت بمرور الزمن.
كانت انتخابات الكونجرس عام 2010 هي المناسبة التي شهدت أول محاولة من الحزب الجمهوري، لاستغلال الخوف من المسلمين لأغراض سياسية حزبية. وعلى رغم أن هذه المحاولة لم تحدث تأثيراً ملموساً على تلك الانتخابات في حد ذاتها، فإن استمرار هذا النهج خلال الدورتين الانتخابيتين التاليتين، أسفر عن تحول كبير في المواقف الجمهورية، ليس نحو المسلمين والعرب بعامة فحسب، وإنما أيضاً تجاه الأميركيين المنحدرين من أصول عربية، أو الذين يعتنقون الإسلام.
فاستطلاع زغبي التحليلي للمعهد العربي الأميركي الذي أُجري عام 2015، أظهر أن 47 بالمئة من الديمقراطيين، كانوا يتبنون آراء إيجابية عن هاتين الفئتين من الأميركيين، و28 بالمئة يتبنون آراء سلبية. أما نسبة من كانوا يتبنون آراء إيجابية من الجمهوريين، فلم تزد على 25 بالمئة، في حين وصلت نسبة من يتبنون منهم آراء سلبية 53 بالمئة.
إن هذه ليست مسألة «حب وكراهية» لهاتين الفئتين فحسب. فتلك المواقف السلبية كانت لها تداعيات على السياسة الحكومية. ومع سيطرة الجمهوريين على البيت الأبيض، والكونجرس، ومعظم حكومات الولايات، فإن مواقف الناخبين الجمهوريين تعتبر مهمة بالنسبة لأصحاب المناصب من الجمهوريين.
وما بينته استطلاعاتنا المتعددة والمتعاقبة، هو أنه بشأن المسائل المؤثرة على حياة الأميركيين من أصول عربية والأميركيين المسلمين، التي تتراوح ما بين الهجرة والحريات المدنية، فإن الانقسام بين الحزبين يبدو كبيراً ويفسر –جزئياً– الدعم الجمهوري للسياسات المعادية للفئتين.
وفي الوقت الذي تتفق فيه أغلبية كبيرة من الأميركيين، على أنه كانت هناك زيادة في التمييز والكراهية ضد الأميركيين من أصول عربية والأميركيين المسلمين، فإننا عندما قمنا بتحليل الأرقام والنسب، وجدنا انقساماً حزبياً هائلاً في هذا الشأن.
فعندما طرحنا سؤالاً على عينة أجرينا عليها استطلاعاً نصه: هل هناك زيادة في التمييز ضد الأميركيين العرب أجاب 53 بالمئة بنعم، و20 بالمئة بلا. (والديمقراطيون الذين أجابوا بنعم بلغت نسبتهم 73 بالمئة ومن أجابوا بلا نسبتهم 10 بالمئة؛ في حين بلغت نسبة الجمهوريين الذين قالوا نعم 31 بالمئة والذين قالوا لا 39 بالمئة).
وتبين لنا كذلك من خلال تلك الاستطلاعات أن هذه المواقف السلبية لا تؤدي إلى احتمال زيادة جرائم الكراهية التي ترتكب ضد الفئتين فحسب، وإنما تترجم أيضاً في صورة شك بشأن ما إذا كان يمكن الثقة بالأميركيين العرب أو الأميركيين المسلمين عندما يتولون مناصب حكومية! وهل يمكن الوثوق بأنهم سيقومون بإنجاز مهامهم في تلك الوظائف بأمانة أم لا؟ ففي استطلاع أجريناه في ديسمبر 2015 تبين أن 48 بالمئة من الجمهوريين قالوا إنه ليست لديهم ثقة في أميركي عربي يتولى وظيفة حكومية، في حين أعرب 63 بالمئة منهم عن عدم ثقتهم في أي أميركي مسلم يتولى مثل هذه الوظيفة!
وهذا الوضع كان لابد أن يشكل مصدر قلق عميق للأميركيين العرب والأميركيين المسلمين، وهو ما يدعونا إلى بذل جهد حقيقي في مقاومة الحملات السلبية المعادية، إلى أن يتم تطهير خطابنا السياسي من أدران الكراهية، والتنميط السلبي، وأكبش الفداء في نهاية المطاف.
Leave a Reply