في خضمِّ المصائب التي تتوالى على وطن «الصفة المشبَّهة» من التحرك الُعَّمالي والنقابي الواسع ضد حكومةٍ نائيةٍ بنفسها عن العدالة الاجتماعية، وفي وقتٍ يتصارع الفرقاء السياسيون على قانونٍ انتخابيٍ يعزِّز فيدرالية المذاهب التي هي جوهر وأساس الكيان اللبناني وسط سؤالٍ كبيرٍ يحوم حول إجراء الانتخابات في موعدها أم تأجيلها بسبب اختيار المسؤولين لربع الساعة الأخيرة من اجل اختراع قانونٍ عادٍل كل أربع سنوات، وفي حمأة التهريج الذي يقوم به «دونكيشوت» صيدا الذي يحارب الأصوات التي تصرخ في رأسه يومياً، تطل علينا قضية عملاء إسرائيل وبقوة عبرالسماح بعودة عائلة العميل عقل هاشم الذي أعدمته المقاومة، إلى لبنان من «وطنها» الأول الكيان الصهيوني.
هذه عيّنة نموذجية عن بلدٍ غيرقابلٍ للحياة لانه بلا كرامة لولا بعضٍ من مقاومة ومواطنين شرفاء. خبرٌ كهذا لم يزعجْ أحداً من النيام لان البلدَ مشغولٌ بحملة الأسير العِقارية من اجل التطهير العرقي! ولمن فاته الخبر فقد عادت ليلى كسّاب زوجة العميل عقل هاشم، الذي صفّته «المقاومة الإسلامية» في٣٠ كانون الأول (ديسمبر) عام ٢٠٠٠ داخل مزرعته في بلدته دبل، عادت وابنها وابنتها إلى لبنان، عبرَ بوابة النّاقورة، الاُسبوع الماضي حيث تسلّمتهم مديرية مخابرات الجيش، بينما بقي ابنها البكر داخل فلسطين المحتلة، حسب «السفير». كسّاب هذه سرُّ زوجها العميل. وحسب «السفير» ايضاً في مقابلة نشرها الموقع الإلكتروني الرسمي للبنانيين في فلسطين المحتلة، في أيار من العام ٢٠١٢، وتزامناً مع الذكرى الثانية عشرة للتحرير وفرار آلاف اللبنانيين من المتعاملين وعائلاتهم إلى فلسطين، تقول ليلى كسَّاب «لو لم تطله يد الغدر لكان حجر عثرة في وجه الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب». لم تمض عشرة أشهر على المقابلة هذه حتى عادت ليلى كسَّاب إلى لبنان الكرامة والشعب العنيد وعلى عينك يا تاجر! والسبب، ياحرام، إنساني بحت بسبب تفاقم أوضاع الفارين الذين يعيشون في منطقة نهاريا شمال فلسطين المحتلة، في شبه مخيم، ويتم التعامل معهم من قبل الإسرائيليين باشمئزاز وازدراء، والذين بعد سلسلة من الاتصالات مع مسؤولين في لبنان أفضت إلى طمأنتهم شرطَ خضوعهم للمحاكمة.
طبعاً محاكمة الخونة لوطنهم في بلد «خيال الصحرا» تشبه محاكمة المخالفين لقوانين المرورفي أميركا، لكن لا «تعتلْ» هماً عزيزي القاريء فعندنا «القاضية» أليس شبطيني الشديدة البأس على العُقلاء والرحيمة على العُملاء والتي لا تزال «قاضية» تتخذ القرارات المصيرية فحسب، بل وتتلقى التهنئة ايضاً من أعلى المراكز في البلد السائب. هل نذكر هنا ان المقاومة الفرنسية عاقبت كل المتعاملين مع النازيين، حتى النساء اللواتي كل ذنبهن انهن اُجبرن على الجلوس مع الجنود الالمان من اجل احتساء الجعة؟
لكن الذي يسمُّ البدن أكثر ليس استذكار سيرة هذا المجرم الذي هجر أهل حانين وقتل أبناءَها وكان العميل رقم واحد للعدو منذ ١٩٨٧ لدرجة منحه الجنسية الإسرائيلية عام ١٩٩٦، بل في التكريم الذي لقيه من البطرك صفير الذي طوَّبه «شهيداً» ولو كانت يداه ملوّثان بدماء الأبرياء! المطران مارون صادر مثّل صفيرحينها وقال: «إن البطريرك كلّفني أن أنوبَ عنه وأن أرأَس هذه الرتبة الجنائزية نيابةً عنه، وأن أقدِّمَ لعائلته ولجميع المفجوعين به تعازيه الأبوية، وأن أعرب لكم في هذا الظرف الصعب عن عواطفه وعن محبته وعن تضامنه معكم». وأضاف: «إنّكم جميعاً تعلمون أن المصَاب أليم وأنه مفجعٌ بالنسبة إلى العائلة والبلدة والمنطقة بكاملها. تُراب لبنان قد ارتوى بدماء الشهداء منذ ٢٥ سنة. أتوقّف عند حياة الفقيد الفاضل. فقد عرفته وعرفناه رجل إيمانٍ وكان أباً عطوفاً حنوناً وإنساناً محباً للجميع، لقد غسل بدمه ترابَ هذه المنطقة، وقبل كل شيءٍ أتقدم باسم البطريرك صفيربأحرِّ التعازي من زوجته وأولاده وبناته، ومن والدَيْه المفجوعين، ومن حضرة اللواء الفاضل (العميل أنطوان لحد) ومن رفاقه الجنود، سائلين الله أن يتغمده برحمته وأن يدخل العزاء إلى قلب كل محزون وأن يبعد عنه كل مكروه».
هذا «المؤمن العطوف» مع معلمه «الفاضل» عرفه صفير، لكن لم يعلم انه كان المسؤول المباشر عن مقتل عددٍ كبيرٍ من الشبَّان الذين اعتُقلوا في صف الهوا (مركز الـ ١٧في بنت جبيل) ولم تسلمْ قرية وبلدة في منطقة القطاع الغربي من أعمال القتل والاعتقال ودفع الخوّات. وكان اسمه يثير الرعب والخوف في صفوف الأهالي، وذُكر أنه شارك في تنفيذ مجزرة صبرا وشاتيلا في العام ١٩٨٢.
يا حيف على بلد، العمالة فيه وجهة نظر وبدل أن يسجد هذا الوطن العاق لربه ليلاً نهاراً (فقط) حمداً على مقاومة حققت التوازن الاستراتيجي مع العدو الذي اعترف مؤخراً أن المقاومة تمتلك صواريخ «سكود- دي» متطورة تطال كل فلسطين المحتلة من أي نقطة في لبنان، تجد «كراكوز صيدا» يهدد بوضع السيد حسن وراء القضبان. لكن فات هذا المسكين الذي كان في «الهريبة» من حي التعمير كالغزال، أن الذين أكبر منه ومن أسياده لم يطالوا شعرةً من رأسه!
للمهرِّج في صيدا نقول: اعلمْ أنَّ العوسج في ضعته لن يصلَ للنخيِل في عليائه برغم التهريجات والكاريكاتورات والبالونات الإعلامية المذهبية على طريقة «أسير ستايل» الفتنوية!
Leave a Reply