إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت فإن كلّمته فرّجت عنه وإن خليته كمداً يموت
وقال الإمام مالك الرجال أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري فهذا عالم فاتبعوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فهذا ناسٍ فذكروه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فهذا جاهل فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك أحمق فتجنبوه، فيا ذاك تعلّم لغة الحوار
خرج علينا الدجال بقرنيه وأنفه وردائه وقد تدلى بعصاه كيس أفعى وبجواره الساحرة التي تروج له فكانا أشبه ما يكون بمحتالين بدائيين لا يجيدا حتى فن الإحتيال كان ذلك في إحدى القنوات الفضائية. خرج علينا «سيدنا» ليعلمنا ويهدينا ويرشدنا إلى طريق الحق والصواب ويرينا من آياته وأصاحيحه وطبله وزمره فيلهمنا طريق الرب ويخلصنا من آثامنا ويطهرنا من الخطيئة ويعلمنا الحب والتسامح فننعم بالحياة الأبدية في رحاب الرب بجنات النعيم آمين.
فتحت التلفاز في تلك الليلة ظنا مني بأني على موعد مع المسيح المنتظر ومخلص البشرية المنجى من المهالك والداعي إلى سبيل الهدى والرشاد. كنت تواقاً أن أنتقل من غياهب الجهل وظلمات المعتقد إلى سبيل الحق ونور الله ولا بأس في ذلك ولا غضاضة أن يكون للرأي الآخر نصيب، انتظرت أن يدلو «سيدنا» بدلوه. فأنا أؤمن بكتبه ورسله لا أفرق بين أحد من رسله سمعنا وأطعنا ربنا وإليك النصر. أعوزني حينذاك حسن الإستماع والتدقيق فيما يقول الرجل وما إن بدأ الحديث وجدت اللغة ركيكة إلى الحد الذي قلت فيه ما عاذ الله من الترجمات التي لا تجعلنا نشعر بأن هذا الكلام كلام الله وما لبثت على ما أنا عليه هنيهة إلا وفتحت فاهي من اللحظات الأولى مأخوذاً بالدهشة والعجب حتى انتهت رسالة سيدنا لتربت على كتفي فأستفيق بأني لم أكن على شك مما أنا فيه بل كنت ولله الحمد على يقين.
كان الرجل وعرضه متشابهين، والآن وقد كتبت هذه الرسالة ليس لأوجه خطابي إليه وأمثاله، بلا فما من عاقل أو عارف بمنطق الكلام ولغة الحوار وأدب الحديث ليرد على غافل مدعى ساذح غير مهذب أهوج ثقيل الدم لا يعرف للحوار ثقافة أو للأدب نصيب في محاوره الخصوم.
الرجل كان خرافة مهترئاً، ملتويا في خطابه، مماطلا ومصادرا. كان كالحاوي الذي يخرج من القبعة أوزاً وحماماً. يفاجئنا بين لحظة وأخرى فيخرج من جيوبه المناديل الملونة والبيض والأفاعي لتختفي في لحظة ثم فجأة يخلط الزيت المتسخ على الدقيق ليأتي بالفطير اللذيذ فيلقيه لكل أطفال الأرض والمعوزين من بني البشر من عهد آدم عليه السلام وحتى البائسين في الكونغو ومجاهل أفريقيا وكذلك القطب المتجمد، فيعم الأرض السلام. حينها سمعت زقزقة العصافير وهي تعلن على يديه عن أبدية ومجد الرب وقد وضع في نهاية الأمر بإصبعيه خاتمة رسالة الغفران التي أيقنت أنها كانت من أحجيته وليست لأبو العلاء المعري لأنهم قد كذبوا علينا وخانونا وجاء هذا بقدره قادر ليصحح لنا ويضع الأبجدية من جديد.
أكتب رسالتي هذه وقد تأكدتم أنه لا مجال لي في مجاراة الحواة وإنما للصالحين الطيبين والراشدين منكم كي تدرؤا شر الفتنة من كافة الأديان، وللذين يتفكرون ويتدبرون ما من شأنه إحترام العقل البشري ويعمل اعمال الفطنة والصواب، وللذين يغرقون بين الغث والثمين العارفين بالشأن نفسه والذين لا يجيزوا المصادرة وسب الآخر ويبثون الكراهية علنا وبلا حياء فتصبح القناة أشبه ما يكون بالإعلامية التي تروج للسلع الغذائية والمنظفات التي غالباً ما ترفض أي مقارنة بالمنتجات الأخرى لفسادها وقلة مفعولها وغالباً ما ينال المشجعين المصطفين حول السلعة من الطيب نصيب نظراً لانبهارهم الدائم فيظفرون في النهاية كلٍ على حده بعلبة عصير وآله حاسبة. هذا ما تم إستخلاصه بكل أسف من تلك القناة فلم تكن منبراً دينياً موقراً يشعر فيه المرء بأنه أمام داعية موقر ترى على وجهه البشر، يتأدب المرء في حضرته ويسكن الكل في رحاب الله.
رجلكم هذا يسب نبينا بكل بساطة ولم يع ما يقول. يضحك تاره ويسخر تارة ولم ينكره أصحابه أو يزجروه. فإن لم يعتبره كذلك فليعتبره رجلا قد مات وهو الآن في ذمة الله. فإن لم يكن كذلك فليحترم مشاعر ربع سكان الأرض من البشر ممن يدينون بدينه ويشهدون بوحدانية الله ورسالته ونبوته.
الرجل معتوه بالفعل، والأغرب من ذلك والأدهى أنه يظن ببله هذا أنه خفيف الظل فيزداد خفه يكلمنا بيديه ورجليه وعينيه يسعد ويحزن ويتهكم في آن ظنا منه بأنه مقنع ومحاور بارع ولربما قد كذب عليه أحدهم وأوهمه وشريكته بأنهم كذلك الأمر الذي أسدى فيه، دون أن يدر، خدمة عظيمة لسماحة الإسلام وأهان نفسه ومن والاه والذين تركوه قائما.
كيف تكون يا هذا ممثلاً للكنيسة التي تحض على المحبة وقيم التسامح، والتي من أبرز قيمها العدل والرحمة، وتبيّن أن الله محبة فتأتي وتنكر ذلك علناً بالفعل والقول، وتجعلنا في ريب من ذلك. ويأتي القرآن الكريم بالقول الحسن حين أوعز الله سبحانه لموسى أن يقول لفرعون قولاً لينا، ونحن لسنا بفرعون، ولم نكن كذلك، ويحض نبينا على أن يجادل الناس بالتي هي أحسن{فإن الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} و{إن كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} وها نحن نكره ما نسمع منك هذا هو أنت وهذه سماحة الإسلام وسلوك القرآن الذي رفع من قدر الأنبياء ومكنهم وقربهم من نفوسنا وبجلهم وخصهم بالدرجة الرفيعة ولو كان القرآن من عند محمد (ص) أو وحياً من الشيطان ما عاذ الله لخص به نفسه وأنكرهم جميعا، وهذا دليل دامغ على أن القرآن من عند الله سبحانه ليس لمحمد شأن فيه. وإن قرأتموه ولو لمرة واحدة وتدبرتم معانيه وتفقدتم لغته ومعجزاته التي نراها جلية الآن في كل علوم الدنيا وقد أنزلت على محمد (ص) من ألف وأربعمائة عام مضت لبُهتّ وخرستَ وآمنت ومن معك. لم يكن محمداً يملك من أدوات الكشف وأسباب المعرفة في ذلك العصر كي يدرك تعاقب الليل والنهار وكروية الأرض ودورانها حول نفسها وأشكال مراحل الجنين في رحم أمه وما إلى ذلك في ملكوت الله سبحانه. لم يترك القرآن شيئاً إلا وقد أحصاه كبيراً أو صغيراً. فمن أين لمحمد بهذا ما لم يكن من عند الله وقد تأخر العلماء كثيراً عن إنجاز شيئا منه حتى غضون المئتي عام التي مضت، ربما وكانت القفزة العلمية الهائلة لا تتعدى الأربعين عاماً وبعضها العشرين فيا ليتهم قد فعلوا.
أكره أيضا أن يكون خطابي هذا دينياً وآتى بشيء من القرآن أسد به عين الشمس في لغته وعظمته ومعجزاته، فيبصر به الأعمى وينطق به الأبكم ليقول بأنه كلام الله وأنه الحق المبين وليس كما تدعى بأنه قول شيطان رجيم، هذا لأنك وأمثالك لا تؤمنون وان استطاع أحد من البشر أن يأتي بمثله، ولو بآية، فليفعل. وهذا هو التحدي الأكبر. لهذا فضلت أن يكون خطابي هذا منطقيا أقارع فيه القول بالقول والحجة بالحجة والرأي بالرأي والفهم السليم لمنطق الكلام.
محدثكم هذا كان يروغ ويهرب ومن سوء حظه أنه كان يستشهد دائماً بآيات من القرآن ليمجد به السيد المسيح وامه ستنا مريم العذراء، وكان يتشدق بالآيات إستحساناً ثم يأتي وينكره. فإما أن تقبل بالقرآن كله أو تجبّه كله. ولا تكن كالأرجوحة، ثم يأتي على ذكر التبرئة لتهمة الزنا والتطاول على ستنا مريم، وينفي ذلك عنها بخطبتها ليوسف النجار الذي كان عمره آنذاك يناهز الثمانين، على حد قوله، وهذه حجة لا تجوز… ثم يسخر من المحاور ولا يقنعه، ويأتي على إتهام محاوره الذي كان يتسم بالأدب والهدوء بأنه يلف ويدور «كنبيه الذي لا يعرف من الدنيا شيئا غير الأكل والطيب والنساء». فأما الأكل فالكل يعلم وكما قال الشاعر «كم جاعت بطون الأنبياء كرامة وكم ملأت بطون البهائم».
وأما العطر فالنظافة من الإيمان. وأما النساء فقد تزوجهن الرسول (ص) لأسباب وكان لكل سبب ليشرع للأمة في زواج الأرملة والمطلقة والكتابية واليهودية والكبيرة في العمر والصغيرة بعد حيضها وما إلى ذلك، وأخذ على عاتقه هذا لأنه النبي والمشرع للأمة، وليس حباً في النساء.
والدليل على ذلك بأن النبي لم يدخل باثنتين من زوجاته وهذا معلوم للعارفين بالشأن نفسه وإذا كان الأمر اشتهاءاً للنساء لفعل لكنه أراد بذلك أن تتزوج الأمة على سنته علانية وليس زناً في الخفاء بألف إمرأة وتعرض واحدة للعلن وكأنك بقرقعتك هذه تشجع الزنا وتبطل شرع الله وتغضّ البصر عما يحيق بالأمة من أسباب تتيح ذلك. كما أن القرآن الكريم قد أوصى بواحدة {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة} وهذا نص محكم في آياته فلما غض البصر والشيء بالشيء يذكر.
زارني جماعة من شهود يهوا وكانوا على درجة عالية من التهذيب فاستمعت إليهم وكان الحوار حضارياً ومحترماً وفي حضرة الله لهذا لما دعوني لمحفلهم.. ذهبت.
هكذا يكون الخطاب وهكذا يكون الحب وهكذا يكون الحوار فالخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية أما رجلكم هذا يقول بكتابه المقدس ويحث على المحبة فيكره، ويحث على التسامح فيلعن، ويحث على المودة فيلفظ، والعدالة فيظلم، والعلم بالشيء فيجهل، والصدق فيكذب، فهنيئاً له بما قدمت يداه فكل إناء بما فيه ينضح لذا أدعوه أن يخرج من بيننا فإنا والله متحابين فالدين لله والوطن للجميع. أما نحن، فتحية منا وسلام.
وعلى الذين قرأوا القول أن يتبعوا أحسنه. ومرجعنا إلى الله الذي سوف ينبىء الناس بما كانوا فيه يختلفون.
Leave a Reply