لم ينجح اللقاء الأخير الذي تم بين الرئيس ميشال عون ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في ردم الهوة السياسية الآخذة في الاتساع بينهما.
أراد رئيس الجمهورية من خلال دعوة رئيس «التقدمي» إلى الاجتماع في قصر بعبدا أن يحتوي آثار التشنج الذي يسود العلاقة بين جنبلاط و«التيار» منذ الانتخابات النيابية وحتى الآن، تحت وطأة المنافسة المحتدمة والهواجس المتبادلة، خصوصاً أن عون يدرك جيداً أن مصالحة الجبل التي تمت بين المسيحيين والدروز بعد صراع مدمر لا تزال مرهقة وقابلة للتأثر بأي «فيروس» سياسي، على رغم أنه قد مضى سنوات على إتمامها «نظرياً» برعاية البطريرك الماروني السابق نصرالله بطرس صفير.
حسابات «التيار»
وما زاد من حساسية الموقف هو التحالف الانتخابي–السياسي الذي نشأ بين «التيار» بقيادة جبران باسيل ورئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان، وهذا تحالف لا تزال مفاعيله سارية المفعول بعد الانتخابات النيابية حيث انضم «المير» إلى تكتل لبنان القوي الذي يضم النواب الفائزين على «لوائح العهد»، إضافة إلى ترؤسه كتلة «وحدة الجبل» التي تضم ثلاثة نواب موارنة من «التيار» فازوا عن دائرة الشوف وعاليه إلى جانب نائب درزي واحد هو أرسلان.
وينطلق عون وباسيل من وجود هذه الكتلة لتبرير التمسك بتوزير أرسلان في الحكومة المقبلة بينما يرفض جنبلاط ذلك بشدة، معتبراً أن هناك محاولة لفرض خيار سياسي ووزاري على الدروز من مكوّن آخر، ومشيراً إلى أن صناديق الاقتراع منحته حق الحصول على كل المقاعد الدرزية في الحكومة المقبلة، كون حزبه فاز بسبعة نواب دروز من أصل ثمانية في المجلس النيابي.
والأرجح، أن جنبلاط يشعر بأن تحالف باسيل–أرسلان تحول إلى ما يشبه حصان طروادة سياسي، سمح لـ«التيار» بأن «يخترق» الجبل على قاعدة السعي إلى كسر أحادية زعامة جنبلاط وتحجيم نفوذه وبالتالي تكريس التنوع وتثبيت مبدأ تعدد مراكز القوى في الجبل والطائفة الدرزية.
ولا يخفي باسيل أصلاً تطلعه إلى أن يستعيد مسيحيو الشوف وعاليه حيثيتهم المستقلة بعيداً عمّا يعتبرة هيمنة مزمنة لجنبلاط على ارادتهم السياسية، مؤكداً أن تصعيد الزعيم الدرزي نابع بالدرجة الأولى من معرفته بأن دوره أو وظيفته كـ«بيضة قبان» ترجح كفة على أخرى، قد انتهت مع وصول عون إلى رئاسة الجمهورية.
وفي المقابل، يكشف المقربون من المختارة عن أن لدى جنبلاط خيبة أمل في عهد الرئيس عون وفي كيفية تعاطيه معه، لافتين إلى أن جنبلاط تجاوز هواجسه المعروفة حيال حكم العسكر ودعم انتخاب عون رئيسا للجمهورية قافزاً فوق اعتراضاته على هذا الخيار ومخالفاً موقف صديقه الرئيس نبيه بري، وهو كان ينتظر من عون و«التيار» ملاقاة إيجابيته وتلقف الرسالة الانفتاحية، لكن ما حصل هو العكس تماماً، إذ جرت محاولات لاستهداف جنبلاط سياسياً وانتخابياً ومحاصرته في عقر داره، الأمر الذي دفعه إلى خوض معركة الدفاع عن دوره وحقوقه.
اعتراضات جنبلاط
وتشكل العلاقة مع سوريا واحدة من الإشكاليات الأساسية التي تعزز الخلاف بين «الحزب التقدمي» و«التيار الوطني الحرّ». وفي هذا الاطار، يُنقل عن جنبلاط انتقاده للزيارات البعيدة عن الأضواء التي يقوم بها أحد وزراء «التيار» إلى دمشق بوتيرة أسبوعية، ملمحاً ضمناً إلى وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول المقرب جداً من الرئيس ميشال عون.
ويضيف جنبلاط: إنهم (التيار) لم ينتظروا رأينا في إجراء حوار رسمي مع النظام السوري، إذ أن الحوار قائم بينهم وبين النظام، بموافقتي أو من دونها، وهذا أمر معروف لأنه لا يوجد سر في لبنان، ولا شيء يمكن أن يبقى مخبّئاً.
وبينما تعتبر القوى السياسية الحليفة أو الصديقة لدمشق أن المطلوب من الحكومة المقبلة أن تتحمل مسؤولياتها وأن تتخذ قراراً بالانفتاح على الدولة السورية وخوض حوار مباشر معها حول قضايا مشتركة، يلاحظ جنبلاط أن «التيار الحر» سبق الحكومة إلى دمشق «وموفدهم الوزاري يزورها كل اثنين تقريباً».
وفيما أعلن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل عن قُرب عودة الحياة السياسية والاقتصادية إلى طبيعتها بين لبنان سوريا، يشير جنبلاط إلى أن مطلقي هذه المواقف يستقوون بالانتصارات الميدانية التي يحققها بشار الأسد بمساعدة حلفائه، للعودة إلى أيام الماضي الغابرة، مستغرباً كيف يوفق هؤلاء بين الاستقواء بالأسد والكلام حول السيادة والاستقلال.
وجنبلاط المعروف ببراغماتيته السياسية وقدرته على التكيف مع المستجدات، يلفت إلى أن مقتضيات الجغرافيا السياسية قد تفرض أموراً معينة أحياناً، «لكن ذلك لا يبرر أن يستقوي فريق سياسي بالانتصارات الميدانية على فريق لبناني آخر، بعد استعادة الأسد لدرعا».
ويبدي جنبلاط أسفه لكون هذا الطرف اللبناني لا يعرف كيف يخسر ولا كيف يربح، وليست لديه حتى الروح الرياضية التي تحلت بها فرق كرة القدم في كأس العالم، معتبراً أن سلوك «التيار» يعكس كم أنه فئوي.
Leave a Reply