عماد مرمل – «صدى الوطن»
.. أما وأن الرئيس سعد الحريري حسم أمره، وقرر دعم ترشيح العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، فإن الكرة تكون قد تدحرجت تلقائياً في اتجاه ملعب فريق «8 آذار» الذي بات يتوقف عليه تقصير أو إطالة المسافة التي لا تزال تفصل الجنرال عن قصر بعبدا.
ولئن كان قرار الحريري بتأييد انتخاب عون قد يؤدي الى إصابة رئيس «المستقبل» وتياره بعوارض جانبية، إلا أن هذا القرار شكّل في الوقت ذاته إحراجاَ لقوى «8 آذار» التي أصبحت في موقع سياسي حساس، بعدما سقطت خطوطها الدفاعية في المعركة الرئاسية وباتت تقف أمام عون وجهاً لوجه.
وعليه، يكون الحريري قد نجح في تخفيف الضغط عنه وتحسين صورته عند المسيحيين، بعدما كان يُنظر اليه حتى الأمس القريب على أساس أنه يتحمل المسؤولية المباشرة عن قهر المكوّن المسيحي وتهميشه، بسبب رفضه وصول الممثل الأوسع لهذا المكوّن الى الرئاسة.
وبوضوح أكبر، يمكن القول إن أزمة الرئاسة كانت في السابق، سنية-مارونية، فإذا بالتموضع الجديد للحريري يهدد بتحويلها الى أزمة مارونية-شيعية، مع ما قد ينتج عن ذلك من تداعيات على تجربة التحالف التاريخي بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، بعد 10سنوات على انطلاقها.
موقف دقيق
إن دعم الحريري لخيار ترشيح عون، وضع الثنائي الشيعي في موقف دقيق، وأعاد خلط الأوراق في وعاء الاصطفافات الداخلية بشكل غير مسبوق، الى حد أن البعض نعى رسميا تركيبة التحالفات السابقة التي خضعت الى «ترسيم حدودي» جديد، تحت وطأة المتغيرات السياسية المتلاحقة.
ولعل أكبر المفارقات على هذا الصعيد هو أن ركني «14 آذار»، سعد الحريري وسمير جعجع، أصبحا يؤيدان انتخاب حليف «حزب الله»، ميشال عون، رئيسا للجمهورية، في حين ان بعض أركان «8 آذار» صاروا من أشد المعارضين لهذا الخيار كالرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجية وغيرهما.
وقد نجح خصوم «الثنائي الشيعي»، الى حد ما، في دفعهما نحو التموضع الدفاعي، بعد الترويج لمقولة انهما كانا ولا يزالان المعطل الحقيقي، وليس الحريري، للانتخابات الرئاسية وتحديداً لفرصة الجنرال في الوصول الى القصر الجمهوري، مستندين في هذه «الحملة الدعائية» الموجّهة الى موقف الرئيس نبيه بري المعارض صراحة لعون، والى سلوك «حزب الله» الذي يرفض مبدأ الضغط على بري أو فرنجية لتغيير رأيهما، في حين أن هناك من يسوّق بأن الحزب قادر، لو أراد، على إقناع حليفيه بتسهيل طريق الجنرال نحو بعبدا، لكنه لا يفعل لأنه غير راغب في انتخاب رئيس للجمهورية في هذه المرحلة.
وسرعان ما وجد هذا الطرح صدى في جزء من الشارع المسيحي، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته إحدى الشركات الاحصائية مؤخراً أن أكثرية المسيحيين تعتقد بأن «التحالف الشيعي» هو من يتحمل مسؤولية عرقلة انتخاب عون. والخطورة في الامر أن هذا الانطباع «تسرب» الى قواعد «التيار الوطني الحر» التي تأثرت بالضخ الاعلامي والسياسي المركز، مفترضة ان «حزب الله» الذي يشكل رقماً صعباً في المعادلة الاقليمية، وقوة محورية في الداخل، لا يمكن أن يكون عاجزاً عن اقناع بري وفرنجية بدعم عون، وأنه لو أراد حقاً بذل أقصى جهده من أجل انتخاب الجنرال لاستطاع أن يؤثر على خيار «شريكيه» باسم الضرورات الاستراتيجية التي لا تسمح بترف الاجتهاد.
ليس بهذه البساطة
لكن العارفين بطبيعة العلاقة بين الحزب وبري وفرنجية يؤكدون أن الأمر ليس بهذه البساطة، فلا الحزب بوارد التعاطي بفوقية معهما وهو الذي يدرك وزن كل منهما وحيثيته التمثيلية، ولا رئيس المجلس ورئيس «المردة» بوارد التراجع عن قناعتهما تحت الضغط أياً كان مصدره.
وما زاد من تصلب بري هو شعوره بأن عون والحريري اعتمدا مسار «التفاهم الثنائي»، خلف ظهر المكونات الأخرى، الأمر الذي حرّك لديه كما لدى النائب وليد جنبلاط هواجس من احتمال وجود صفقة ما بين الرابية وبيت الوسط على حساب الآخرين، تمتد من الرئاسة الى الحصص في الحكومة والادارة. وقد سارع جنبلاط الى تظهير احتجاجه عبر «تغريدة» أكد فيها اعتراضه على محاولة التعامل مع «اللقاء الديمقراطي» الذي يترأسه كانه قطيع من الغنم.
كما أن فرنجية الذي يشعر بأن رئاسة الجمهورية «صودرت» منه، يرفض حتى الآن سحب ترشيحه، متسلحاً بدعم بري وقوى أخرى للاستمرار في المعركة، متحدياً الجنرال ان ينزل الى مجلس النواب ويخوض المنافسة الديمقراطية، في وقت يبدو عون راغباً في أن يتم انتخابه بأكبر قدر ممكن من التوافق الوطني.
وبرغم الإرباك الذي يواجه «حزب الله» وحلفاءه، إلا أن ذلك لا يحجب حقيقة استراتيجية وهي أن انتخاب عون رئيساً -إذا حصل- ينطوي، في السياسة، على انتصار لمحور المقاومة والممانعة الذي يبدو أنه لا يجيد حتى الآن تظهير طلائع هذا الانتصار الذي يكاد يتحول الى مشكلة لقوى «8 آذار».
Leave a Reply