عماد مرمل – «صدى الوطن»
لا يمل العماد ميشال عون من الانتظار. مرت سنتان وبضعة أشهر حتى الآن على الشغور الرئاسي والجنرال لم يفقد بعد، الأمل في الوصول الى قصر بعبدا، بل هو بدا في الاسابيع الاخيرة أكثر تفاؤلاً من أي وقت مضى، الى أن عقدت كتلة المستقبل النيابية اجتماعا «غير تقليدي»، برئاسة الرئيس سعد الحريري، انتهى الى استبعاد خيار عون حتى إشعار آخر، ليسافر بعد ذلك الحريري الى الخارج في رحلة طويلة، يرجح أن تمتد لغاية مطلع أيلول (سبتمبر) القادم.
ويتهم بعض أنصار عون الرئيس فؤاد السنيورة بمحاولة إجهاض أي تفاهم رئاسي بين الحريري والجنرال، كما يحمّلونه المسؤولية عن تسريب أجواء النقاش الذي تم في اجتماع الكتلة واعتراض الاغلبية الساحقة لأعضائها على تأييد ترشيح عون، بل ان هناك في التيار الحر من يعتبر أن السنيورة يعمل ضد الحريري ويتعمد إحراجه، في إطار تجاذبات كامنة بين الرجلين، علماً أن السنيورة لا يخفي في مجالسه الخاصة عدم قناعته ببعض القرارات التي يتخذها الحريري.
في المقابل، هناك في الوسط السياسي من يرى أن الحريري نفسه ليس بوارد انتخاب عون، بمعزل عن حسابات السنيورة ونياته، لافتقار رئيس «المستقبل» الى التغطية السعودية التي تحمي ظهره، ولاقتناعه بأن تحوّله في هذا الاتجاه سيكون مكلفاً جداً له وقد يقضي على ما تبقى له من شعبية، بعدما كان قد فقد جزءا منها عند مبادرته الى ترشيح فرنجية وهو الامر الذي استفاد منه جيداً الوزير المستقيل أشرف ريفي في الانتخابات البلدية الاخيرة في طرابلس، حيث تلقى الحريري وحلفاؤه هزيمة قاسية.
والمفارقة أن الحريري طرح فرضية دعم انتخاب عون للنقاش على طاولة كتلته النيابية، في حين أنه لم يفعل ذلك حين اتخذ منفرداً قرار ترشيح فرنجية، ما يدفع الى التساؤل عن سر الاستفاقة على الديمقراطية في هذا التوقيت، وما إذا كان الهدف الحقيقي منها هو تبرير التهرب من ضريبة التصويت للجنرال، عبر التذرع بوجود معارضة واسعة لهذه الانعطافة في صفوف تياره.
وكانت كتلة المستقبل النيابية قد ناقشت في اجتماع عقدته مؤخراً الخيارات الممكنة للمرحلة المقبلة وهي أربعة:
– الاستمرار في دعم فرنجية
– البحث في اسم توافقي جديد
– دعم ترشيح العماد عون
– الخروج من الحكومة والحوار وتحميل الفريق الآخر مسؤولية إفشال مبادرة الحريري الى ترشيح أحد أبرز رموز «8 آذار».
وبرغم أن نتيجة المداولات أتت معاكسة للتوقعات البرتقالية، بعدما أكد «المستقبل» تمسكه باسم فرنجية، إلا أن عون وأنصاره لم يستسلموا.
بعد ساعات من تسريب نبأ رفض معظم نواب «المستقبل» التصويت لعون، كان قيادي بارز في التيار الوطني الحر يتناول طعام الغداء مع أحد المقربين منه. بدا القيادي متفاجئاً من سلوك كتلة «المستقبل» الذي يعكس برأيه الاصرار على رفض الشراكة الحقيقية وما تعنيه من انتخاب رئيس ميثاقي للجمهورية، يمثل الجزء الاكبر من المكوّن المسيحي.
ومع ذلك، يؤكد القيادي في «التيار الوطني الحر» أن موقف تيار «المستقبل» الأخير لن يحبطنا، وعون ماض في معركته الرئاسية حتى النهاية، مهما طال الزمن، خصوصاً أن لديه القدرة على التحمل والانتظار، لمدى أطول مما يعتقد البعض، والارجح أن الحريري الذي يعاني من أزمة مالية وتخبط سياسي واستنزاف شعبي وضآلة الخيارات، هو في وضع أشد صعوبة، وليس معروفاً كم يستطيع تحمله، والأكيد أن «الجنرال لن يكون البادئ في الصراخ في لعبة عض الاصابع».
تعكس هذه الاشارة رسالة موجهة الى الحريري فحواها أن رجوعه الى رئاسة الحكومة -التي يستعجل استعادتها لاحتواء أزماته- لا يمكن أن تتم من دون انتخاب عون رئيساً للجمهورية وبالتالي فإن طريقه الى السرايا الحكومية باتت تمر حكماً من الرابية.
وما يعزز الموقف التفاوضي لعون هو الغطاء التام الذي يؤمنه له «حزب الله» الذي تردد انه فوّض الجنرال التفاوض مع الحريري في شأن رئاسة الحكومة، وفق دفتر شروط منسق بين الرابية وحارة حريك.
ويقول القيادي البرتقالي انه بعد إعلان الحريري عن دعم ترشيح فرنجية، افترضنا خلافا للكثيرين أن طريق عون الى قصر بعبدا أصبحت أسهل، إذ أن القبول بفرنجية الحليف للمقاومة وسوريا وايران والمعارض الشرس للسياسات الحريرية يفضي الى الاستنتتاج بأن العوائق السياسية التي كانت تمنع تيار «المستقبل» وحلفه الاقليمي من الموافقة على خيار الجنرال قد زالت، وبالتالي فان الاستمرار في التعاطي بسلبية معه لم يعد يفسر إلا في إطار حساسيات ضيقة وحسابات كيدية، لان من يقبل برئيس تيار «المردة» وهو المعروف بخياراته، لا يجوز له بعد ذلك ان يضع أي فيتو على رئيس «التيار الحر».
في المقابل، يعتبر المقربون من الحريري انه ليست هناك في الوقت الحاضر أي جدوى من طرح مبادرات جديدة، لافتين الانتباه الى ان «حزب الله» ليس جاهزاً بعد لانتخاب الرئيس، أيا يكن اسمه، لاعتبارات تتعلق بالاستراتيجية الايرانية التي تريد استخدام ورقة الرئاسة اللبنانية في المقايضة الاقليمية عندما يحين أوانها، بحيث ان طهران ليست بصدد الافراج عن القصر الجمهوري إلا في مقابل حصولها على مكسب في مكان آخر، بحسب هؤلاء.
ويضيف المقربون من الحريري: حتى لو افترضنا أننا قررنا أن ندعم عون، ماذا يضمن لنا في ظل هذه الظروف حصول الانتخاب، ما دام ان هناك من يتعمد إبقاء الشغور. باختصار، عندما يصبحون جاهزين.. نتكلم.
Leave a Reply