كمال ذبيان – «صدى الوطن»
لا يكلّ العماد ميشال عون ولا يمل، عن سعيه للوصول الى رئاسة الجمهورية المتهالكة، فهو حاول عندما كان قائداً للجيش في ثمانينات القرن الماضي، وفي عهد الرئيس أمين الجميّل، الوصول الى القصر الجمهوري، ولم يتأخر في الإتصال بالقيادة السورية، في عهد الرئيس حافظ الأسد الذي التقاه كما ينقل الرواة، ووسّط النائب والوزير السابق ألبير منصور والسياسي فايز قزي الذي كان عضواً قيادياً في حزب البعث العربي الإشتراكي، ولعب دور نقل الرسائل بين العماد عون والمسؤولين السوريين اللواء لطفي جابر الذي كان عضواً في المجلس العسكري، والذي نقل رسائل أيضاً الى رئيس حركة «أمل» نبيه برّي.
لكن المراجع الدولية والإقليمية حينها، لم ترض بعون رئيساً للجمهورية وهو الذي يرفع شعارات الحرية والسيادة والاستقلال، كما أن القيادة السورية عدلت عن موقفها بنصيحة أميركية، فجرى الإتفاق بين الرئيس الأسد والموفد الأميركي ريتشارد مورفي على انتخاب النائب مخايل الضاهر، فتصدّى عون مع «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع للتوجه الإقليمي-الدولي، لما اعتُبر فرض مرشح على المسيحيين الذين اجتمعوا في بكركي، وأسقطوا إتفاق الأسد-مورفي، وتعطّلت الإنتخابات مع مرشحين آخرين، وانتهى عهد الجميّل وحصل الشغور الرئاسي الذي ملأته حكومة عسكرية برئاسة عون، شكّلها الرئيس المنتهية ولايته (الجميّل)، واقتصرت على الضباط المسيحيين، بعد أن استقال منها الضباط المسلمون.
ومع تمرد عون على اتفاق الطائف والشرعية الدستورية، ورفضه الخروج من القصر الجمهوري رغم العروض التي قدّمت له، للمشاركة في السلطة، إلا أنه لجأ الى العصيان المدني، بتسيير تظاهرات شعبية الى قصر بعبدا، وفتح معركة مع «القوات اللبنانية» التي سهّلت تنفيذ إتفاق الطائف، واستدار نحو القوات السورية في شن «حرب تحرير» عليها، إلى أن صدر القرار الدولي بإنهاء تمرّده ونفيه الى الخارج، وهو يتطلّع الى يوم يعود فيه الى لبنان، بعد أن يكون الإتفاق الأميركي-السوري حول لبنان قد تغيّر، وعاد الى صالحه، حيث صدر القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي برعاية أميركية-فرنسية، كان من نتيجته خروج القوات السورية من لبنان، ورأى عون أن الفرصة باتت سانحة له، ليخلف الرئيس إميل لحود في الرئاسة، مع الحملة التي كانت قائمة ضد التمديد له، والذي لحظه القرار 1559 تحت عنوان رفض تعديل الدستور، حيث عزّز عون علاقته مع «حزب الله» عبر ورقة تفاهم بينه وبين السيد حسن نصرالله، الذي كشف مؤخراً أنه سمى عون على طاولة الحوار التي انعقدت في مجلس النواب مطلع آذار 2006، وأعلن أن البديل عن لحود هو عون، الذي لم يصادفه الحظ في إنتخابات 2008، ولم يعد بإمكانه الإنتظار، وقد دخل عامه الـ83.
لذلك، جاء الموقف العوني من رفض التمديد بالمطلق، والذي طال مجلس النواب المؤسسة الأم، وانتقل الى المؤسسة العسكرية، فإن «التيار الوطني الحر»، رأى أن لحظة القبول بعون رئيساً للجمهورية قد حانت، إنطلاقاً من أن يكرّر رفضه لبقاء قائد الجيش في منصبه للمرة الثانية، أو أي ضابط غيره، وأن تعليق حضور وزيريه جلسات مجلس الوزراء، ليست اعتراضاً على عدم تسريح العماد جان قهوجي، بل رسالة لمن يهمه الأمر، أن رئاسة الجمهورية هي لعون صوناً للميثاقية، وأن رئاسة الحكومة لسعد الحريري، تسري عليها الشروط نفسها التي يقبل بها «التيار الوطني الحر» الذي يطالب أن يكون الممثل الأقوى والأكثر شعبية في طائفته هو مَن يتولى السلطة، لاسيما رئاسات الجمهورية ومجلس النواب والحكومة.
رئاسة عون تحدٍّ وجودي للمسيحيين
وعلى هذه القاعدة، يخوض «التيار الوطني الحر» معركة رئاسة الجمهورية، التي يعتبرها رئيسه جبران باسيل وجودية للمسيحيين، وهي الموقع الأول والوحيد من نوعه لهم في لبنان والمشرق العربي والشرق الأوسط عموماً…
من هنا جاء قرار «التيار الوطني الحر» بمقاطعة جلسة الحكومة، كرسالة تحذير أولى، قال رئيسه الوزير باسيل، أن السبب ليس التمديد لقهوجي وهو حاصل، بل المشاركة الأوسع للمسيحيين في القرار السياسي والوطني، وعليه سيتقرّر مصيرهم، وأن على الشريك الآخر في الوطن أي المسلم، أن يعترف بحقوق المسيحيين التي تبدأ بإختيار ممثليهم، الذي يحقق المناصفة الفعلية، كما نصّ الدستور، لا أن يختار المسلمون ممثليهم في مجلس النواب، إذ أظهرت الإحصاءات أن ثلث نواب المسيحيين، يختارهم المسلمون، وهذا الواقع أفضى الى تبنّي مشروع «اللقاء الأرثوذكسي» الذي يستند الى إقتراح بأن تنتخب كل طائفة ومذهب نوابه، وهو ما لاقى رفضاً نيابياً وسياسياً وحزبياً، باعتبار أنه يكرّس الطائفية بدلاً من أن يلغيها كما ورد في إتفاق الطائف الذي دعا الى إصدار قانون خارج القيد الطائفي وعلى أساسه ينتخب النواب، وينشأ مجلس شيوخ لتمثيل الطوائف، وتشكّل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية.
ففي طرحه يقرّ «التيار الوطني الحر» بالحالة الطائفية بدلاً من إلغائها، ويبرّر مسؤولون ذلك، على أنهم يتعاطون مع ما هو قائم في تركيبة النظام الطائفي، الذي هو سبب علة لبنان وحروب اللبنانيين، وعليه تقوم زعامات طائفية، ومن دون إحداث إصلاح فيه، فإن عون سيبقى متمسكاً بترشيحه على أساس أنه الممثل الأقوى بين القوى المسيحية، ويدعمه في ذلك «حزب الله»، في وقت ينظر «تيار المستقبل» من منظار سياسي، إذ سيصل الى رئاسة الجمهورية شخصية مسيحية قوية، قد تكرر تجربة إميل لحود، وهو ما يخشاه الرئيس سعد الحريري، الذي يقول أمام زواره، لن أستعيد المرحلة التي قضاها والدي مع لحود، حيث أقصاه في أول عهده عن رئاسة الحكومة، وتمّ التلاعب بالدستور عند احتساب الأصوات أثناء الإستشارات النيابية الملزمة، إضافة إلى ما رافق ترؤس والده للحكومة في عهد لحود، وما فُرض عليه من وزراء أثناء الحقبة السورية، وكذلك إضافة الى التضييق عليه، وتخوينه ثم اغتياله.
شعبية وتاريخ نضالي.. و«فيتو» سعودي
الرئيس سعد الحريري، الذي حاور عون ثمّ تراجع، بسبب رفض سعودي لزعيم «تكتل الإصلاح والتغيير»، يواجه معركة إثبات الوجود المسيحي، كما أعلن «التيار الوطني الحر» الذي قرّر التصعيد وإن بالتدرج حتى يقتنع الطرف الرافض لإنتخاب عون به، وأن الشارع هو ما يتحضر له «العونيون»، وقد يكون موعد 13 تشرين الأول المقبل، هو يوم «القمصان البرتقالية»، حيث سيعود عون الى «قصر الشعب» كما كان يسميه عند إلقاء خطبه بمؤيديه، قبل أن يخرج منه بعملية عسكرية أطاحت به، فلجأ الى السفارة الفرنسية ومنها الى فرنسا، وها هو يستعد للعودة إليه رئيساً للجمهورية، وليس رئيساً لحكومة عسكرية.
فرئاسة الجمهورية هي الحلم الذي يتطلّع إليها عون وأنصاره الذين يرون في الجنرال فرصة حقيقية للنهوض بلبنان واستعادة سيادته.
والرئاسة من حق عون ليس فقط بسبب تاريخه النضالي الحافل، بل لأنه مثل أي سياسي ماروني، فكيف إذا تبوأ منصب قائد الجيش، الذي أوصل ثلاثة الى القصر الجمهوري، فلماذا لا يكون هو الرابع؟ وهو بات الآن مؤسساً لتيار سياسي واسع، هو الأكبر بين الأحزاب السياسية المسيحية، ورئيساً لكتلة نيابية وازنة مسيحياً تتألف من 18 نائباً وحلفاء آخرين يضمهم تكتل الإصلاح والتغيير، ويحظى بتأييد «حزب الله» الذي له كتلة نيابية من 13 نائباً، وقاعدة شعبية كبيرة لاسيما داخل الطائفة الشيعية، وحلفاء في أحزاب وتيارات وهيئات من مختلف المناطق والطوائف.
فلم يعد الإنتظار هو ما يفيد «التيار الوطني الحر»، إذ أن التطورات في المنطقة سريعة، والتحالفات الدولية والإقليمية متقلبة، ويعمل «التيار الحر» على الإستفادة من اللحظة الداخلية، بتغيير الواقع على الأرض، بقلب المعادلة السياسية، وفرض ترشيح عون كخيار وحيد، على أن لا وجود لحالة إستثنائية تقصيه عن رئاسة الجمهورية، إذ يؤكّد الوزير باسيل، أن الشهرين المقبلين، سيحملان مفاجآت، ومنها أن عون سيكون رئيساً للجمهورية، حيث باتت تتكوّن قناعات دولية وإقليمية، بأن يتم التوافق على تسوية ينتجها اللبنانيون إذا استطاعوا، وتقوم على عون في القصر الجمهوري والحريري في القصر الحكومي، وهي الصيغة التي إقترحها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، ويعتبر تحقيقها منوطاً بقرار الحريري «المستقل»، أو إذا استطاع إقناع القيادة السعودية بخيار عون، ليعود هو الى رئاسة الحكومة، التي قد تكون متوفرة في الظرف السياسي الحالي، وقد لا تصبح كذلك مع تطورات تشهدها الساحة السورية، والدخول العسكري التركي في الشمال السوري، لمنع إنشاء «كانتون كردي»، ستدفع تركيا ثمن عدم قيامه، بأن توقف دعمها لجبهات القتال في حلب التي تساقط بعضها أمام الجيش السوري وحلفائه.
لذلك فإن زيارة الحريري الى تركيا ولقاءَه الرئيس رجب طيب أردوغان الذي خرج جريحاً من الإنقلاب العسكري عليه، قد تليّن موقف الحريري من رئاسة الجمهورية، لأن الوقت لا يلعب لصالحه، فهل هذه كانت نصيحة أردوغان للحريري كما سرّبت المعلومات؟.
Leave a Reply