بيروت – عماد مرمل
يخوض العماد ميشال عون معركة رئاسة الجمهورية اللبنانية بشراسة، غير معهودة، قياسا الى الماضي.
فـي المرة السابقة، وتحديدا عام 2008، فرضت عليه الضغوط والوساطات، المحلية والاقليمية، ان يتراجع عما يعتبره «حقه الرئاسي»، إفساحا فـي المجال أمام مرشح توافقي، حمل فـي حينه اسم ميشال سليمان.
فـي تلك المرحلة، جرى إقناع الجنرال بالتحول من مرشح رئاسي الى صانع الرئيس، على قاعدة ان يكون هو «الشريك المسيحي» الاساسي فـي السلطة بكل أبعادها، إنطلاقا من كونه صاحب التمثيل الاوسع فـي بيئته، من دون ان ينافسه على هذا الدور رئيس الجمهورية.
قبِل عون على مضض بهذه المعادلة، ووصل العماد ميشال سليمان إلى قصر بعبدا على صهوة حصان «تسوية الدوحة» الشهيرة التي تلت أحداث 7أيار.
لكن، مع مرور الوقت، اكتشف عون، كما يؤكد المقربون منه، ان سليمان يريد ان ينازعه على المقاعد النيابية والوزارية والتعيينات الادارية، فراح يدعم مرشحين الى الانتخابات النيابية والبلدية فـي مواجهة مرشحي الجنرال، ويطلب حصة وزارية فـي كل حكومة، ويضع الفـيتو على أسماء يقترحها الجنرال لتولي مراكز فـي الادارة او يطرح أسماء تدين له بالولاء.
باختصار شعر عون بأن سليمان خالف التفاهم الذي تولى على اساسه رئاسة الجمهورية، ولمس ان لديه شهية مفتوحة على اقتطاع جزء من الحصة المسيحية فـي مؤسسات الدولة، برغم انه لا يملك أي كتلة نيابية ولا يمثل أي حيثية شعبية خارج بلدته، عمشيت فـي قضاء جبيل، وفق ما يقول المتحمسون للجنرال.
وحتى على مستوى الخيارات السياسية الكبرى، برزت تمايزات واسعة بين الرجلين فـي ما يتعلق بالنظرة الى الازمة السورية والعلاقة مع «حزب الله» والتحالفات السياسية وسياسة النأي بالنفس وقانون الانتخاب وغيرها، وهي تمايزات بلغت حدها الاقصى فـي الاشهر الاخيرة من ولاية الرئيس ميشال سليمان الذي اتهمه عون وآخرون فـي فريق 8آذار بالإنحياز إلى قوى 14آذار محليا، والى المملكة العربية السعودية إقليميا، فـي تجاوز لمفهوم الرئيس التوافقي والوسطي.
أمام هذه التجربة المرّة مع سليمان، يشدد عون على انه ليس بوارد تكرارها وبالتالي ليس بوارد ان يدعم مجددا أي مرشح «مصطنع» يؤتى به، بفعل تسوية ما، من «دكة الاحتياط» الى قصر بعبدا، كرئيس بدل ضائع، فـي حين ان «الأصيل» موجود، حي يرزق، وعنوانه معروف.
بالنسبة الى عون، يظل الشغور لبعض الوقت فـي قصر بعبدا أفضل بكثير من ان يملأه لست سنوات رئيس ضعيف، من شأنه ان يشكل عبئا على الجمهورية عموما، والمسيحيين خصوصا.
وانطلاقا من هذا المعيار، يقاوم عون «الحرب النفسية» التي يشنها عليه خصومه منذ بدء الشغور الرئاسي فـي 25أيار الماضي، عبر اتهامه بأنه يتعمد الإبتزاز والإمعان فـي تعطيل الانتخابات الرئاسية وتمديد حالة الشغور فـي القصر الجمهوري، على قاعدة: أنا الرئيس او لا أحد.
يتجاهل الجنرال هذا الاتهام، متمسكا بأحقيته فـي انتخابه رئيسا استنادا الى الاعتبارات الآتية، كما يعددها داعموه:
-ضرورة انتخاب رئيس متجذر فـي بيئته، وليس مقطوعا من شجرة، حتى يستطيع ان يحقق التوازن الفعلي والشراكة الحقيقية فـي الحكم مع المكونات اللبنانية الاخرى، بحيث يتمثل المسيحيون فـي رئاسة الجمهورية بالقوي لديهم، تماما كما يتمثل الشيعة فـي مجلس النواب والسنة فـي رئاسة الحكومة بالقوي لديهم.
-ان تحصين العيش المشترك والميثاق الوطني يستوجب ان تشعر كل الطوائف اللبنانية، وفـي طليعتها الطائفة المسيحية، بأنها تحظى بكل الحقوق السياسية المشروعة وتتمثل فـي السلطة على قدر المساواة مع الآخرين، فـي حين ان الاحساس بالغبن، الناتج عن اختلال التوازن، يمنع تثبيت الاستقرار الداخلي ويبقي الواقع اللبناني هشا، وقابلا للاهتزاز فـي اي ظرف.
-عدم جواز تجيير التفويض المعطى لعون من الاكثرية المسيحية الى شخصية أخرى، تجنبا لتكرار خطأ تغطية الرئيس ميشال سليمان، إذ ان الاصوات التي حصل عليها الجنرال فـي الانتخابات النيابية مُنحت له شخصيا ولخياراته السياسية، وهو لا يملك حق التصرف بها وتجييرها الى أي مرشح رئاسي آخر.
-ان تكتل التغيير والاصلاح الذي يترأسه عون يضم العدد الاكبر من النواب، ضمن الكتل المسيحية، ما يعني تلقائيا انه الاوسع تمثيلا وان رئيسه المسيحي هو الأحق بأن يشغل الموقع الاول فـي الجمهورية والشرق.
-ان أفضل رد على الخطر الوجودي الذي يتعرض له المسيحيون فـي المنطقة بفعل استهدافهم من التطرف التكفـيري، إنما يكمن فـي تعزيز حضورهم وتفعيل دورهم فـي لبنان الذي بات يشكل نقطة الارتكاز الاساسية للوجود المسيحي المشرقي، بعد الضربات التي تعرض لها فـي العراق ومصر وسوريا وفلسطين، ما يستوجب انتخاب رئيس قوي، يريح القلقين وأصحاب الهواجس من أبناء طائفته.
تأسيسا على هذه المقاربة الشاملة، يعتبر عون
ان وصوله الى رئاسة الجمهورية ليس ترفا شخصيا ولا طموحا فرديا، بل هو حق وواجب فـي آن واحد، من أجل ان يعود المسيحيون الى المعادلة الداخلية كرقم صعب، بعدما تحولوا على مدى سنوات من التهميش الى مجرد «كسور» فـي حسابات القوى الاخرى.
من هنا، يعتقد عون ان من يرفض انتخابه رئيسا، إنما يرفض فـي حقيقة الامر ان يستعيد المسيحيون قوتهم السياسية وموقعهم المتقدم فـي الشراكة الوطنية، بعدما اعتاد البعض على استضعافهم وتهميشهم، وأصبح ينظر اليهم كفريق تابع سواء للسنّة او للشيعة، لا كعنصر مقرر.
واستنادا الى هذا التشريح لنيات معارضي الجنرال، بات لدى الكثيرين فـي التيار الوطني الحر، الذي يقوده عون، قناعة بأن هناك «داعشية سياسية» بربطة عنق فـي لبنان، ترمي الى قطع رأس الدور المسيحي، ليغدو مجرد شكل من دون مضمون. وبناء عليه، يعتبر هؤلاء ان المعركة الرئاسية هي فـي جوهرها بين من يريد رئيسا ضعيفا وتسوويا، لا يستطيع اتخاذ قرار ويتوزع اسمه الى اسهم تملكها أطراف محلية وخارجية، وبين من يريد رئيسا قويا وشريكا، يرتكز على عمق شعبي ويستطيع ان يقول «لا» و«نعم» باستقلالية.
Leave a Reply