بيروت – كمال ذبيان
دخل لبنان الشهر الثاني من شغور منصب رئاسة الجمهورية الذي يُتوقّع له أن يطول، وفق كل المعطيات الداخلية والخارجية، إذ أن هذا الإستحقاق خرج عن إطاره اللبناني، وارتبط بأزمات المنطقة التي تزداد تعقيدا من الأزمة السورية، الى الأحداث العراقية التي سلكت طريقاً غير ما كان مرسوماً لها، بعد مبايعة أمير تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) أبوبكر البغدادي خليفة للمسلمين على الدولة الإسلامية وطُلب من المسلمين الطاعة له، إذ تغيّر المشهد الإقليمي، كما تبدّلت الجغرافيا السياسية مع سيطرة «داعش» على غرب العراق وجزء من وسطه وشماله، بمساحة 135 ألف كلم2، تساوي ثلث مساحة «بلاد الرافدين» لتنضم الى مساحة أخرى في شرق وشمال سوريا بما يساوي حوالي 40 ألف كلم2، لتصبح مساحة دولة الخلافة الإسلامية حوالي 170 ألف كلم2 بما يوازي مساحة سوريا التي يتوعّدها بضمها مع لبنان والأردن والكويت الى دولته، التي تصل حدودها الى السعودية.
فمع المتغيّرات المتسارعة في المنطقة، لم يعد لبنان البند الأول على جدول أعمال الدول الكبرى، التي توجّه النصائح الى المسؤولين اللبنانيين أن يحافظوا على الإستقرار، ويضمنوا استمرار عمل المؤسسات الدستورية، والإسراع في إنتخاب رئيس للجمهورية، الذي حرّك المراجع الدولية، فزار وزير الخارجية الأميركية جون كيري لبنان، وأبلغ مَن إلتقاهم من المسؤولين بأن لا يتأخروا في انتخاب رئيس جديد، لأن تطورات الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة، ونشوء أزمات دولية، قد لا تعطي وقتاً لمساعدة لبنان الذي إعتاد أن يصنع له الخارج رئيسه ويحلّ أزماته.
فالحراك الدولي بإتجاه لبنان، أو زيارات قيادات لبنانية الى الخارج، لم يؤدّ الى الوصول الى حل للإستحقاق الرئاسي الذي حاول أطراف محليون تصنيعه لبنانياً، من خلال الحوار الذي حصل بين العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري وشجعهما عليه «حزب الله»، إلا أنه لم ينجح، لأن رئيس «تيار المستقبل» ارتبط بتأييد حليفه سمير جعجع، ولم يتمكّن من تسويق عون في السعودية التي أبلغته أنها لا تريده رئيساً إلا إذا تخلّى عن تحالفه مع «حزب الله» وفكّ إرتباطه بإيران، وتراجع عن تأييده للنظام السوري ورئيسه بشار الأسد، واقترب من المحور الذي تمثّله، وهذا ما لم يفعله عون الذي خسر تأييد الحريري له، الذي إستفاد من الحوار مع عون في إنهاء أزمة تشكيل الحكومة برئاسة تمام سلام، وتسهيل ولادتها بعد عشرة أشهر على تعثّرها، ونيل «تيار المستقبل» ما طلبه وأراده من وزارات ووزراء، حيث لم يحصل عون على مقابل كان يأمله في مقابل المرونة التي أبداها مع الحريري، وتراجع عن مضمون ما ورد في كتيّب «الإبراء المستحيل» الذي يدين وينتقد فيه السياسة الحريرية ونهجها الإقتصادي والمالي وأدائها في فترة ترؤس الرئيس رفيق الحريري الحكومات المتعاقبة.
فالحوار العوني – الحريري وصل الى خواتيمه دون أن يحرز أي تقدم إيجابي سوى بالتعاون الذي حصل في الحكومة، والخطط الأمنية والتعيينات، وهو ما انعكس استقراراً سياسياً، وهدوءًا أمنياً، الذي بدأت تعكّره التفجيرات التي حصلت من قبل إنتحاريين كانت تجري ملاحقتهم وتعقبهم، الاجهزة الامنية حيث تبيّن إنتماؤهم الى تنظيم «القاعدة» بمختلف فروعه من كتائب عبدالله عزام الى «جبهة النصرة» و«داعش»، حيث تحوّلت أرض لبنان أرض جهاده، وأعلن عن تنصيب أمير عليها هو عبدالله يوسف عثمان عبد السلام، الأردني الجنسية المعروف بـ«عبدالسلام الأردني» الملقب بـ «ذئب القاعدة» الذي نصّبه أبو بكر البغدادي أميراً لـ «داعش» في لبنان الذي بات أمام مشهد مختلف عما كان عليه، وقد أصبح في مواجهة العاصفة «الداعشية»، وبات التعاطي معها مختلفاً عما قبل، بعد أن تمّ الدفع بعشرات العناصر من هذا التنظيم لنشر الفوضى والرعب في لبنان، وإضعاف مؤسساته لاسيما الأمنية والعسكرية منها، والسيطرة على بقعة جغرافية لتشكيل «إمارة إسلامية»، كما كان سيحصل في العام 2007، عندما قدم شاكر العبسي الى لبنان، وأسّس «فتح الإسلام»، وهو المعروف بإنتمائه وولائه لأبي مصعب الزرقاوي، الذي قتل في العراق وتولّى الإمارة بعده أبو عمر البغدادي لتنتقل بعد مقتله الى شقيقه أبو بكر البغدادي.
فلبنان كما غيره من الدول دخل في مرحلة «الداعشية» وإعلان «الخلافة الإسلامية»، مما سيفرض عليه، كما على غيره من الدول التعاطي مع هذه المسألة، بأسلوب مختلف لمواجهة ما سماه الرئيس الأميركي باراك أوباما، التهديد الوجودي للعراق من قبل «داعش»، وهذا ما ظهر فعلياً لجهة إحتمال تقسيم العراق بعد أن أعلن رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، أنه بعد سقوط الموصل بيد «داعش» بتنا أمام عراق آخر، حيث ساهم ما حصل في غرب العراق بأن تصل قوات «البشمركة» الكردية الى كركوك حيث منابع النفط وتسيطر عليها وتحقق الحلم الكردي بإقامة «دولة كردستان الكبرى» التي لاقت التأييد والدعم من «إسرائيل».
فإنتخابات رئاسة الجمهورية أضحت تفصيلاً صغيراً أمام التحولات التي تحصل في المنطقة التي هي أمام مشروعين: الأول تقسيم ما تقسّم في معاهدة سايكس – بيكو، ويكون العالم العربي أمام نشوء دويلات طائفية ومذهبية وعرقية وإثنية، وهو ما يحاكي مشروع اليهودي برنارد لويس الذي جزّأ الدول العربية، وقد بدأ تطبيقه في السودان وقد يحصل في العراق واليمن وسوريا إلخ…
أما المشروع الثاني، وهو إسقاط حدود سايكس – بيكو، وإقامة خلافة إسلامية لا حدود لها، ممتدة على كل العالم الإسلامي، وهو ما كان ينشده زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، ولم ينجح في تطبيقه، وكذلك خلفه أيمن الظواهري الذي اختلف مع البغدادي على أسلوب عمله، فإنشق عنه الأخير، وسمّى نفسه خليفة، وبدأ بغزواته، فكانت الغزوة الأولى في الموصل، والثانية في التفجيرات التي حصلت في لبنان الذي يتوعّده أنه آتٍ إليه، ليكون من ضمن دولته وخلافته، وهو ما يضع رئاسة الجمهورية في سيناريو آخر، إذا ما تمكّن «الداعشيون»من أن يزرعوا الفوضى والدمار وتحويل لبنان الى عراق آخر، إذ تشير المصادر الأمنية الى وجود عشرات الإنتحاريين الذين تمّ تجنيدهم من دول عدة ووصلوا إليه، حيث تمكّنت الأجهزة الأمنية بالتنسيق فيما بينها وتبادل المعلومات من كشف شبكات وإلقاء القبض على عناصرها، وتفجير آخرين أنفسهم، مما وضع اللبنانيين أمام خطر حقيقي يلاحقهم في تنقلاتهم، كما في مقاهيهم ومطاعمهم وفنادقهم والمراكز الأمنية والتجارية إضافة الى المساجد والكنائس. وفي ظل الحوادث الإرهابية التي تضرب لبنان، وتعثّر إنتخاب رئيس للجمهورية، والقلق من إنفراط عقد الحكومة التي يسعى رئيسها تمام سلام إبقائها على قيد الحياة، ورفع شعار التوافق داخلها على القرارات، وهي سياسة موروثة عن أبيه الرئيس صائب سلام، الذي كان صاحب شعار «التفهم والتفاهم» و«لبنان واحد لا لبنانين»، فإن العماد عون رمى بقنبلة سياسية صوتية، هزّ فيها الركود السياسي والجمود في الملف الرئاسي، وأطلق مبادرة تتجاوز الإنتخابات الرئاسية الى تغيير النظام السياسي، من خلال تبديل قواعد اللعبة في تكوين السلطة لمجتمع مكوّن من طوائف ومذاهب، فأعاد طرح مشروع «اللقاء الأرثوذكسي»، أن تنتخب كل طائفة نوابها، ووسّعه الى إنتخاب رئيس للجمهورية بحيث تتمّ العملية على مرحلتين الأولى أن ينتخبه المسيحيون والثانية اللبنانيون ومن الشعب مباشرة، فحوّل النظام من برلماني الى رئاسي، وكرّس الطائفية السياسية، وأدخل لبنان في مرحلة دقيقة، لأن مثل هذا النظام لا يمكن أن يتحقق بين ليلة وضحاها، مع وجود معارضة له، ولأنه ينسف إتفاق الطائف الذي لم يطبّق بكامله، واجتزئ، وهو ما أدّى الى هذه الأزمة التي تعصف بالنظام السياسي الذي لم يتخلّص من الطائفية التي أوقعت لبنان بحروب أهلية تدميرية.
فما طرحه العماد عون هو تغيير للنظام، ما سيضع إنتخابات رئاسة الجمهورية كبند متأخر ومؤجل ، إذ بات لبنان كما أعلن عون، أمام تغيير النظام ثمّ إجراء الإنتخابات النيابية والرئاسية وفق صيغ جديدة، تلبسها الطائفية التي نصّ إتفاق الطائف على إلغائها، لكن لم ينفذ، وهو ما أعاد طرح تعديل الدستور، نحو تكريس للطائفية لضمان حقوق الطوائف.
Leave a Reply