حل عيد الأضحى المبارك مثل غيره من الأعياد المجيدة التي لم نعد نشعر بمعانيها في هذا البلد أو نستشعر ببهجتها كما كنا صغاراً في أوطاننا الأصلية وهذا أمرٌ مؤسف حقاً أن تبهت مبادىء العيد وتضمحل هذه الفرحة به من قلوبنا، ولا نتمكن من أن نورثها إلى أبنائنا وأحفادنا.
من منا لا يذكر ليلة “العيد الكبير” كما كنا نسمي عيد الأضحى، بينما عيد الفطر المبارك كان اسمه “العيد الصغير”؟ من لا يتذكر هيصة الصغار وأهزوجتهم “يا سعيد روح بعيد، اليوم الوقفة وبكرة العيد” عشية اليوم الموعود؟ من يتذكر كيف كنا نهيىء ثياب العيد والحذاء الجديد ونضعهم تحت المخدة إستعداداً للصباح المشرق دوماً والذي لم نكن نصدق أنه سينبلج. أليس الصبح بقريب؟ لقد كنا ننام بأعجوبة فنغمض أعيننا على أمل الإستيقاظ بسرعة ضوئية، فنصحو على تهليلات العيد تنطلق من المذياع “الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد” بينما تنبعث رائحة الطعام الدسم المطبوخ من قبل الأم، كل الليل، فنحس بغبطة وسرور لامثيل لهما خصوصاً حين نحصل بعد الفطور على “العيدية” المؤلفة من ليرة مقسمة إلى قروش. ما أروع الشعور الذي كنا نحس به ونحن نجول على الأهل والأقارب وهم يهبوننا المزيد من العيدية التي كنا نضمها إلى رصيدنا الكبير لكي نصرفه فيما بعد ونبذره على “حرش العيد” والمراجيح وفيلم السينما التي كانت تكتظ بالمشاهدين الصغار غير المصدقين لحضور أفلام بروس لي أو الكاوبوي أو تيرنس هيل وباد سبينسر (الرفيع والسمين). حتى الترمس و”البليلة” واللفت والكبيس والمخللات، كان لها طعم مختلف عن باقي أيام السنة. كان عيد الأضحى ثلاثة أيام من العمر نقضي كل لحظة فيها بالليل والنهار. كان النهار يتضمن ولائم وزيارات وألعاب ورحلات. أما الليل، فلله دره. لقد كان ملكاً لنالايغمض لناجفن فيه إلافي ساعة متأخرة وبعد تعبٍ وضنك شديدين ناجمين عن نهارٍ ممتليء بالنشاطات. الليل كان أيضاً مسرحاً للمفرقعات النارية التي لم تكن تزعج أحداً وكانت تعطي العيد نكهة خاصة محببة. كانت الأم هي قطب الرحى في كل مهرجان الفرح هذا. هي التي توقظ الأبناء وتلبسهم ثياب العيد ثم تطبخ الطعام اللذيذ وتستقبل المهنئين وتحسن ضيافتهم ثم تجعل البيت مشعشعاً بالحب والعطف والحنان. اننا فعلاً نحن إلى عيد أمهاتنا.
أما اليوم فقد كبرنا وهاجرنا إلى أصقاع الأرض، فلم يعد للعيد نكهة. وهنا في ولاية ميشيغن من أعمال أميركا قد نكون محظوظين أكثر من غيرنا بوجود جالية عربية وإسلامية وإن كان المهاجرون الأوائل قد عانوا الأمرين في بداية وجودهم حيث كانوا يضطروا إلى الذهاب إلى الكنائس لكي يصلوا ويجتمعوا ويتلاقوا. وحتى بعد وجود الجوامع والمؤسسات الدينية بقيت بهجة العيد مفقودة بسبب تقدمنا في العمر، وطبيعة هذه البلاد ووتيرة العصر. فالعيد بالنسبة لأغلب أطفالنا (الفطر أو الأضحى) كاد يقتصر على الذهاب إلى الجامع وأداء صلاة العيد من دون شرح حقيقي لمعنى العيد، إلا إذا كان الطفل في مدرسة “ويك إند” عربية، أو التفرج على الأهل يؤدون صلاة العيد، ثم المكوث قليلاً داخل ردهة المسجد المنعدمة من الأوكسجين لدرجة الإختناق من إزدحام المعيدين، ثم تناول بعض الحلويات على عجل قبل أن يقفل راجعاً إلى المنزل لأن الوالد عادةً يريد المغادرة إلى عمله ورزقه إذا كان موظفاً. أنا لا أقول هذه حالة كل العائلات، لكن معظمهم، حتى لا أتجنى، مما يحرم الجيل الناشىء من نكهة العيد التي عهدناها ونحن صغار، كما نراهم يفرحون في عيد الشياطين والهلاوين. وهنا إسمحوا لي أن أرفع قبعتي إحتراماً لأولئك الأهل الذين على الأقل يبرزون بهجة العيد عن طريق تزيين بيوتهم في بداية شهر رمضان المبارك وعيد الأضحى.
لكن رغم ذلك، تبقى الحقيقة المرة أن طبيعة هذه المغتربات تفرض على معظمنا أن نهنىء بعضنا بالهاتف بدل الزيارات الخاصة الشخصية ثم أصبح الأمر مقتصراً على الرسائل الهاتفية بين الأصدقاء حتى ولو كان الباب جنب الباب، والله يعلم إذا كانت هذه التهاني سوف تختفي بالمطلق يوماً ما.
أما في “شبه النظام” في لبنان، فقد العيد معناه بين الصغار بسبب سياسة الإفقار والتجويع المستمرة والغلاء الفاحش للسلع الضرورية، حتى رغيف الفقير تآمروا عليه. وعند الكبار، عيد الأضحى بات مجرد هدنة من التراشق السياسي المحلي أو الهدوء الذي يسبق العاصفة الإقليمية والدولية التي ستهب رياحها السياسية والأمنية العاتية على المنطقة بعد القرار الظني الذي ستصدره محكمة “الفتنة الدولية” والمفترض أن لا أحد يعلم به، كما وعدنا سعد الحريري، ما عدا دستة من الصحف الألمانية والأميركية والفرنسية والكويتية، إضافةً إلى الفرنسي المقلوع كوشنير والسناتور الأميركي جون كيري وجوني عبدو وأشكنازي مع أن السيد نصرالله كشف أن سعد أبلغه توجه المحكمة إلى إتهام عناصر من الحزب “غير منضبطة”. العاصفة آتية لا ريب فيها إلا إذا نزع الصاعق السوري-السعودي فتيل التفجير، وهو أمرٌ مستبعد لأن ورقة المحكمة تبين أنها لا تقدر بثمن لإسرائيل التي تريد الإنتقام من لبنان وجيشه ومقاومته على هزيمتها المنكرة منذ الثمانينيات، من هنا سر تزويدها للمحكمة بمعلومات استخباراتية منذ ١٩٨٢.
إن شاء الله تنعاد على الجميع في هذا العيد المبارك وتعود البهجة والفرحة وتتجذر معانيه في نفوس أجيالنا وسلوكهم، وأن يحمي وطننا وأمتنا من كل ضيم.
Leave a Reply