إحتفل لبنان المقيم والمغترب برمته (ما عدا الذين لامحل لهم من “المعراب”) بالذكرى العاشرة لجلاء آخر جندي إسرائيلي محتل عن أرض الجنوب الطاهرة في ٢٥ أيارعام ٢٠٠٠ بعد إحتلال ثقيل دام أكثر من ربع قرن، ففر الجيش الذي “قهر” جيوش العرب مجتمعةً في كل الحروب التي خاضها بالغدر والمجازر والمذابح والتفوق العسكري والتقني (ودائماً في منأى عن جبهته الداخلية)، فرارالفئران والجرذان وهو يجرجر أذيال الخيبة والمرارة من تذوق علقم الهزيمة لأول مرة في تاريخه الأسود إلى درجة أنه تخلى في ٢٥ ساعة عن كل أذنابه وعملائه الذين خدموه مدة ٢٥ عاماً بالتمام والكمال، فتركهم لمصيرهم المجهول في مستنقعٍ سقط في رماله المتحركة ولم يبال بمستقبلهم. فما كان من القضاء اللبناني “العادل” إلا أن حاكمهم وكأنهم قاموا بمخالفات سير، لاخيانة وطن والتعامل مع عدو وإرتكاب الموبقات والجرائم ضد مواطنيهم، ثم أطلق سراحهم لكي يتحول معظمهم إلى عملاء جدد لشبكات تجسس الموساد الإسرائيلي (وقد أبلى “فرع المعلومات” بلاء حسناً في الكشف عن هذه الشبكات). بل أنه في عز الإحتلال الهمجي الصهيوني وعربدة عملائه في الجنوب وفي وقتٍ كان البعض مجرد متفرج على مآسي أهل الجنوب والبقاع الصامدين، قتل العميل الأكبر عقل هاشم فرثاه بطرك “العروبة التي انتهت مدة صلاحيتها بعد١٢ ساعة عشية إنتخابات ٧حزيران الماضية” وطوبه “شهيداً”!
لقد بات عام ٢٠٠٠ الذي خاف منه العالم بسبب مشكلة Y2K وإنهيارالكومبيوتر، عام ألفصل (غيرالعنصري) بين عالمين في الإنسانية وتاريخ الصراع البشري و”إنقلع”، إلى غير رجعة، اليوم الذي كانت فيه إسرائيل تسرح وتمرح في أي دولة عربية وتغيرعليها بمجرد الشبهة وتستبيح سيادة وشرف لبنان وكرامته رغم علاقتها المتينة مع فريق الكيانية الفينيقية فيه الذي أخلص لها وخدمها كالرقيق حتى قبل نشوء الكيان في فلسطين وقبل أن يولد بشير الجميل نفسه، ثم بعد أن “قامت” إسرائيل على جماجم الشعب الفلسطيني، قدم هذا الفريق المعادلة الجبانة لها لكي تهتك “بالوطن”، الذي قدسوه وعبدوه نفاقاً، عبر إرساء نظرية “قوة لبنان في ضعفه”! لكن ما بعد عام ٢٠٠٠ صار مختلفاً تماماً بحيث أصبحت إسرائيل تحسب ألف حساب إذا ارادت أن تتقدم شبراً واحداً داخل أرض لبنان (في العباسية مثلاً) ليس خوفاً من المقاومة، بل من المدنيين العزل، في حين أنها في السبعينيات من القرن الماضي أرسلت فريق كوماندوس إلى قلب عاصمة لبنان بقيادة ايهود باراك، وزير حربها الحالي، لقتل قادة فلسطينيين ثلاثة في منطقة “فردان” كما أنها دمرت طائرات شركة طيران الشرق الأوسط في مطار بيروت، وكانت تخطف وتحطم وتدخل إلى الأراضي اللبنانية ساعة تشاء من دون إذن أو دستور أو حسيب أورقيب! أما اليوم فإن جيش “النخبة” (أو النكبة) في حرب تموز أدى غباؤه إلى إختطاف المواطن حسن نصرالله من بعلبك! نحن كنا ننتمي إلى ذاك الجيل الذي أحبطه العجز العربي ففقد الأمل وضاق به عيشه إلى أن لمع بريق النصر المؤزر الذي صنعته سواعد المقاومة. هذا هو التاريخ المجيد الذي يجب أن تحتوي عليه كتب التاريخ، لا تاريخ العميل للأجنبي فخرالدين المعني أو إبن عمه الطاغية القاتل بشير الشهابي ولاحتى “شهداء” ٦ أيار الذين قدسوهم لانهم تآمروا على محتل لإستبداله بمستعمر آخر “حنون”.
لكن من المستحيل أن تمر مناسبة وطنية في “شبه الوطن” من دون أن تعكر صفوها تشويشات رخيصة (هذا إذاحسنا الظن) ومواقف تشويهية. فبعد كلام رئيس الجمهورية ميشال سليمان عشية يوم التحرير “ان المعادلة التي أنجحت المقاومة في لبنان هي معادلة الشعب والجيش والمقاومة”، طلع علينا سمير جعجع بإنتقادٍ لاذع لسليمان متهماً إياه بأنه “ينطق باسم فريق محدّد من اللبنانيين”، معتبراً أن “موقفه من الاستراتيجية الدفاعية لا يمثل وجهة نظر جميع اللبنانيين وأكثرمن ذلك، لا يعكس خطاب القسم”. كما رأى هذا الجعجع أنه وكـ”مواطن عادي” لا يعتبر أن “موقف سليمان يمثل رأيه”.
كم هو مضحك سمير جعجع. ففي الشهر الماضي فقط عندما طالب وئام وهاب باستقالة رئيس الجمهورية قامت الدنيا عليه ولم تقعد بعد، ثم هبت جوقة صغار “١٤ آذار” (المرحومة) و”أمانتها السامة” للدفاع عن موقع الرئاسة “ضد الحملة المبرمجة” من أجل التغطية على “الإتفاقية الأمنية” مع “السفارة في العمارة” التي هربها، تحت جنح الظلام، فؤاد السنيورة عندما كان متسلماً لمقدرات الدولة أيام حكومته غير الشرعية وغير الميثاقية ضارباً عرض الحائط بالجمهورية ورأسها! فإهانة الرئاسة وموقعها من قبل السنيورة (“حملة فل” ضد العماد لحود ومصادرة صلاحيات الرئاسة الأولى من قبل الرئاسة الثالثة) وإنتقاد الرئيس سليمان إلى درجة التشكيك بتمثيله للبنانيين أمرٌ طبيعي لأنه يحق لجعجع وزمرته ما يحق لغيرهم، فهم الأمناء على الجمهورية لأنها ملكٌ حصري لهم فقط لا لغيرهم! لكن لا يلام طحالب السياسية هؤلاء، بل الملام هو من أعطاهم الضوء الأخضر. أتذكرون تصريح البطرك رداً على رئيس الجمهورية المؤيد للمقاومة؟ لقد قال البطرك أن للرئيس اسبابه فيما قاله أما هو فيعتقد أنه يجب أن يكون هناك جيش واحد لا جيشان (أو على طريقة صائب سلام: لبنان واحد لا لبنانان). أي أن الرئيس مغلوبٌ على أمره ولا يملك ناصية قراره لكي يقول ما يريد. هذا البطرك الذي عاد من زيارة “رعوية” إلى الاردن، رفض أن يرافق البابا عندما قام بزيارته التاريخية إلى دمشق، كما قاطع إحياء ذكرى مار مارون في سوريا هذا العام. أهناك حقد أكبرمن ذلك؟ بل الأنكى من كل هذا، أن أنصار الكيانية أصحاب الذاكرة الإنتقائية يتركون غلاماً مثل نديم الجميل، لم يفقس بالسياسة بعد، لينتقد مقولة رئيس الجمهورية “بحفظ المقاومة برموش العيون”. ثم بعد ذلك يتباكون على موقع الرئاسة!
طبعاً كيف يمثل رئيس الجمهورية، الذي كان أيضاً قائداً للجيش، من قتل العقيد خليل كنعان في فراشه وبدمٍ بارد؟ من يمثل جعجع الذي لم تتورع ميلشياته عن إغتيال العسكريين ومصادرة سلطة الجيش والدولة في منطقة “أمن المجتمع المسيحي”؟ بل كيف لرئيس جمهورية ان يمثل من أدين بالقتل وحوكم محاكمة عادلة بعد أن كان يقود مقاومة”مزعومة ارتكبت المجازرالرهيبة ضد أبناء بلدها وطائفتها ومواطنيها وأمعنت بالتهجير والقتل والتهديد والسرقة وفرض الخوات والتعامل مع العدو ألتاريخي للمسيحيين قبل المسلمين، وإدخال نفايات نووية كيماوية سامة الى المناطق التي كان “يقاوم” فيها ومن اجلها؟ حتى أمين الجميل، “توأم روحه” الذي نفاه يوماً إنضم إلى الحملة “الجعجعية المبرمجة” على الرئيس مع كافة صغار “١٤ آذار”، أوما تبقى منهم، والتي لم ينج من شررها حتى سعد الحريري نفسه! وإذا علمنا، كما ذكرت “السفير”، بأن رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في مجلس النواب الاميركي وجهت خلال اجتماعها مع الحريري انتقادات اليه وإلى سليمان ووليد جنبلاط على خلفية مواقفهم من سلاح المقاومة، لبطل العجب من هذه الهجمة الشرسة على الرئيس الذي لم يزد شيئاً من عندياته أكثر من “البيان الوزاري” لحكومة “التوحد والشيزوفرينيا” الوطنية.
لربما يعود سر هذا الحنق الجعجعي وزمرته إلى دخول معادلة “الردع البحري” الجديدة ضد السفن الإسرائيلية المعادية في البحرالأبيض المتوسط (وربما حتى ألبحر الأحمر)، بشكلٍ يفوق ١٠٠ مرة مفاجأة إصابة “درة تاج البحرية الإسرائيلية” (ساعر) في تموز ٢٠٠٦ (أتذكرون “أنظروا إلى البحر”؟!). ولكن مهما كبرت جعجعة أنظمة الردة والخيانة الذين ترجوا إسرائيل ألا تنسحب عام ٢٠٠٠ بلا قيدٍ أو شرط وطالبوها باستمرار عدوانها على لبنان وغزة، لن يستطيعوا إيقاف عجلة الزمن بعد اليوم وسيكون مصيرهم إلى مزبلة التاريخ التي سيدوسها صناع المجد والإنتصار لهذه ألأمة!
Leave a Reply