الاسبوع الماضي زار رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مستوطنة كفار عصتيون في جنوب الضفة الغربية، لمناسبة “عيد الشجرة” وكان قبلها فعل الشيء ذاته في “معاليه ادوميم” المحاذية للقدس، مؤكدا انه سيزور المستوطنة الكبرى الثالثة وهي “أرئيل” شمال رام الله، وفي كل زيارة قام نتنياهو بزرع شجرة، وتعهد ان تظل هذه المستوطنات واشجارها جزءا من دولة اسرائيل للأبد.
يأتي ذلك في خضم تصريح لوزير التنمية الصهيوني لأحدى الصحف العبرية من ان المفاوضات النهائية مع الفلسطينيين لا تعيقها مسألة الحدود ولا حتى القدس، الذي يعيقها ويقف حائلا دون استئنافها والتقدم فيها، بل واحراز حل نهائي للقضية الفلسطينية هي مسألة اللاجئين.
المعروف ان اسرائيل بحدودها الحالية، وهي على أي حال الدولة الوحيدة في العالم التي ترفض ترسيم او اعلان حدود لها، تعتبر نفسها نقطة في بحر عربي واسلامي من حولها، وهي لذلك تصور للغرب انها مهددة دوما، وتخشى هجوما بريا من الشرق ياتيها من العراق، هذا قبل انهيار العراق الصدامي، ما لبثت ان استبدلته بالخشية من ايران “النووية”، وهي احيانا تخشى هجوما كهذا يأتيها من الشمال من سوريا وربما من “حزب الله” اللبناني، وهي برغم عقدها اتفاقية سلام مع مصر، الا انها في دهاليز مخابراتها واجهزتها التجسسية تحتفظ دوما بسيناريوهات للرد على اي هجوم مفاجئ ربما يأتيها من الجنوب.
هي لذلك تحتفظ بالمستوطنات في الضفة الغربية لتشكل لها خطا أماميا في حال حدوث مواجهة عسكرية محتملة، فهذه المستوطنات هي بمثابة حاميات عسكرية مدججة بالسلاح ووسائل التخابر والمراقبة والتجسس بالغة الدقة والتكنولوجيا، والمستوطنون فيها مسلحون حتى العظم، فهم جيش متقدم في اراضي دولة عدوة، هذا في حال الافتراض قيام دولة فلسطينية، حتى لو تعاهدت مع اسرائيل على السلام، ثم ان هذه المستوطنات الكبرى والتي هي في الحقيقة مدن مترامية الاطراف ومكتظة بالسكان، تلعب دورا في دعم الاقتصاد الاسرائيلي، وتخفف الضغط السكاني في وسط اسرائيل، نظرا لتركز الصناعات في هذه المنطقة الضيقة والتي تمتد من تل ابيب غربا وصولا الى القدس. عليه فهذه المستوطنات تشكل ثغورا اسرائيلية في الارض المحتلة تتيح للكيان العبرى السيطرة الدائمة والمستمرة على الضفة الغربية، باعتبارها المجال الحيوي لهذا الكيان المصطنع، مثلما تصر على الاحتفاظ بهضبة الجولان لتكون حاجزا طبيعيا بينها وبين سوريا.
أما وقد عاد الاسبوع الماضي المبعوث الاميركي الى الشرق الاوسط جورج متيشل الى واشنطن بخفي حنين، بعد زيارة قام بها مؤخرا لتل ابيب ورام الله، وهو الذي صورته وسائل الإعلام الأميركية حين عينه اوباما في هذا المنصب، على انه اسطورة في حل المشاكل المستعصية، نظرا لتوسطه في الأزمة الإيرلندية وحلها، فهذا يفسر مدى التعقيد الذي يحيط بالقضية الفلسطينية، فهي قضية يبدو انها عصية على الحال، وجل ما يمكن عمله فيها هو ادارتها وادارة ازماتها المتفرخة عنها، فإسرائيل لن ترضى يوما ان ترسم حدودها ولا ان تنسحب من القدس ولا ان تفكك مستوطناتها مع استحالة قبولها لعودة ملايين اللاجئين.
Leave a Reply