تتمتع الجالية العربية الإسلامية في منطقة ديترويت بمرونة لافتة في تفاعلها مع الثقافة الأميركية حيث يتوجه العديد من أبنائها الى تبني التقاليد الإجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع الأميركي، لكن هذه الطواعية لا تمنع من تكرار النقاش بين السكان المحليين في كل سنة حول «شرعية» الإحتفال بعيد الميلاد المجيد الذي يحتفل به المسيحيون في أميركا والعالم.
«سانتا كلوز» يوزع الهدايا على الأطفال في مدرسة سالاينا بمنطقة ديكس. |
بالنسبة إلى الأميركيين فإن أجواء الميلاد تخيّم على مدار الساعة طيلة شهر كانون الثاني (ديسمبر) من كل عام، بغض النظر عما إذا أراد الشخص الإحتفال بالعيد أم لا.
فالأضواء الباهرة التي تزين الأحياء، إلى الدعايات التجارية وتخفيضات الأسعار، إلى مشهد الأطفال وهم ينتظرون بالصف لرؤية «سانتا كلوز» (بابانويل)، وصولا إلى الراديو الذي يبث أغاني الميلاد طول الوقت.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تتعاطى العائلات الإسلامية مع العيد وأين تضع الحدود؟ فلعدة سنوات مضت يبدو أن أعداداً كبيرة من المسلمين بدأوا يشاركون في بهرجة وإحتفالية العيد وذلك إما عبر شراء هدايا لأطفالهم أو تزيين منازلهم بشجرة الميلاد أو عبر تمني «عيد ميلاد سعيد» للغير.
ثم هناك من هم على نقيض تماماً من هؤلاء كالعائلات التي تعارض الإحتفال بالميلاد لأنها تريد تربية أولادها حسب التقاليد الإسلامية وتريد وضع حدود لتأثير عيد الميلاد وطقوسه عليهم.
من بين هذه العائلات، عائلة نادين قاسي، إحدى سكان ديربورن، التي ولدت وترعرعت في أميركا حيث أكدت أنها وزوجها لا يحتفلان بالعيد ومظاهره لأنهما يشددان على تلقين أولادهما الثلاثة القيم والتقاليد الإسلامية. وقالت «أنا ضد الإحتفال بعيد الميلاد لأني لا أريد أن أربك الأولاد. نحن نعتقد أن السيد المسيح كان نبياً لكن في نفس الوقت فإن فكرة عيد الميلاد بالكامل وشجرة الميلاد لا تقع من ضمن المعتقدات الإسلامية».
وأضافت «ليس عيد الميلاد بحد ذاته فقط ما نبتعد عنه بل الأعياد الأخرى من ضمنها «هالاوين».. فأولادي كانوا التلاميذ الوحيدين في صفوفهم الذين لم يلبسوا أزياءً تنكرية خلال حفلة «هالاوين» المدرسية هذا العام لأني بدلاً عن ذلك أركز على الأعياد الإسلامية وأحاول جعلها أكثر إحتفالية».
وأضافت «عند قدوم العيد، تأتينا أطنان من الهدايا ويتزين البيت بالأضواء لكني أبلغ الأولاد أننا لا نحتفي بعيد الميلاد لأنه ليس عيدنا وهم يتفهمون ويتقبلون ذلك تماماً. وأنا لست ضد من يريد أن يحتفل بعيد الميلاد ولكل رأيه.. أنا فقط أحاول أن أربي أولادي على معرفة تراثهم وثقافتهم العربية، فكيف أفعل ذلك وهم يتأقلمون مع الثقافات الأخرى؟».
ولكن في الجانب الآخر، تجد عايدة الصغير التي تقول إنها شبت على إحتفالية عيد الميلاد منذ أن كانت طفلة في لبنان ودائما تتطلع بشوق إلى الإستمرار في هذا التقليد لأنه يساعدها على بناء الذكريات السعيدة لأطفالها.
وقالت «أحس بالغبطة والسعادة التي يبثها الميلاد أحب التزيين وشجرة الميلاد في بيتي وهي تبدو جميلة. إن هذه المظاهر تترك وتثير ذكريات طيبة لأولادي وفي يوم عيد الميلاد أتطلع بشوق إلى إيقاظهم من أجل فتح علب الهدايا الموضوعة تحت شجرة الميلاد. أنا أحترم رأي الناس الآخرين لكني شخصياً أشعر بعدم وجود أي خطأ بالإحتفال بميلاد رسول».
سيدة أخرى من سكان ديربورن، هي آمال حمود بري، (والدة لطفلين) أبدت إستياءها من بعض الجيران الذين ينتقدونها بسبب إحتفائها بالعيد مع عائلتها.
واستذكرت بري تعرض ابنها لـ«بلطجة» من زملائه في المدرسة الإبتدائية بسبب الإحتفاء بعيد الميلاد، حيث هاجمه رفاقه في الصف وقالوا له إن أمه ستذهب إلى الجحيم بسبب أخذه لرؤية «سانتا كلوز» في السوق التجاري. وأضافت «أنا لا أستوعب هذه العقلية التي يحاول البعض فرضها علينا رغم أننا تعايشنا كل هذه السنوات مع مقولة «عيد ميلاد مجيد» في ديربورن. إني أحتفل بالميلاد منذ صغري وأهلي هاجروا من لبنان وبالكاد يتكلمون الإنكليزية لكنهم كانوا يأخذونني إلى «سانتا» في كل عام ولا أرى ضيراً في هذا. المفروض أنه عيد مولد المسيح ونحن نعتبره نبياً مرسلاً».
وأردفت بري «هناك مناسبات عديدة في مدرسة أولادي قام خلالها الأهل المسلمون المغتاظون بتقديم شكوى للإدارة لأن أحد أطفالهم شارك في الإحتفال بالميلاد من دون موافقتهم»، وتساءلت «هل تبادل هدايا عيد الميلاد فعلاً سوف يرسل ابنك إلى الجحيم؟».
وأضافت «إننا نعيش في مجتمع أغلبه من المسيحيين لذا علينا أن نتقبل أن هذه هي ثقافتهم ويجب أن نعتاد عليها. فهل تريدون أن يرى أطفالكم الذبح الذي يجري الآن في سوريا بدلاً عن ذلك؟ دعوهم يرون «سانتا» لسنتين حتى يتمتعوا بطفولتهم قبل أن يروا العالم الحقيقي».
من ناحية ثانية، يبدو أن رجال الدين المسلمين تتراوح موافقتهم أيضاً بين مؤيد ومعارض للإحتفال بالميلاد. الشيخ عبد اللطيف بري يشجع المسلمين على الإحتفال بالمناسبة مع المسيحيين شرط عدم خرق أية قاعدة إسلامية شرعية مثل شرب الكحول مثلاً.
وقال «لا ليس حراماً وجود شجرة ميلاد لأننا نعتقد بالمسيح وفي رسالته العظيمة لقد كان رسولاً عظيماً جاء من عند الله وأخبر الناس أن النبي محمد (ص) سيكون خاتم الأنبياء ومن المهم جداً ربط هاتين المناسبتين معاً».
وفي حين تتجادل المذاهب المسيحية بينها حول ما إذا ولد السيد المسيح في وقت عيد الميلاد، أكد الشيخ بري أن المسلمين يعتقدون بولادته في نفس زمن إعتقاد المسيحيين بذلك.
أما الشيخ محمد علي إلهي مرشد «دار الحكمة الإسلامية» في ديربورن هايتس فله رأي مغاير حيث يعتبر أن الإحتفال الجاري بالميلاد في الولايات المتحدة وأوروبا تحول إلى مناسبة تجارية لا روحية، وشعوره أن الأفضل للمسلمين «أن لا ينخرطوا في الترجمة الغربية لعيد الميلاد».
والحوار الدائر حول الإحتفال بالميلاد لا يقتصر على المسلمين بل له مؤيدون ومعارضون على المستوى الوطني حيث أن تهنئة عيد الميلاد التقليدية «ميلاد مجيد» قد بدأت تختفي عبر العقد الماضي، لتحل مكانها عبارة «أعياد سعيدة» مما يرضي أتباع كافة الأديان وأيضاً الذين لا يحتفون إلا بعيد رأس السنة فقط.
وعلى الصعيد المحلي فإن بلدية ديربورن قامت للمرة الأولى بتوزيع معايدة هذه السنة مستخدمة تهنئة «أعياد سعيدة» بدلاً من عبارة «ميلاد سعيد». البعض قد يجادل أن البلدية تتأقلم مع مشاعر السكان المتنوعين في المدينة على حساب تقليدها الخاص الذي أرساه رؤساء البلدية السابقين.
Leave a Reply