خليل إسماعيل رمَّال
فـي الوقت الذي سقط للمقاومة المتمثِّلة بـ«حزب الله» والجيش اللبناني والأهالي الشرفاء، أكثر من ١٢ شهيداً سقوا أرض جرود بريتال بدمائهم الزكِّية وهم يدافعون عنها وعن الوطن العاق من قبل البعض، ضد غزوة التكفـيريين التي أُعلن عنها ورُوِّج لها كثيراً بأنها ستبدأ فـي عيد الأضحى، طلعت علينا «الأمانة العامة لقوى ١٤ آذار» رافضةً أنْ يدافع «حزب الله» عن الحدود وجددت تمسكها بحصرية الدفاع عن لبنان من قبل الحكومة ومن خلال نشر الجيش حتى يقف لوحده ضد جراد الكفار فـي وقتٍ تعثَّر فـيه جيشان من أقوى الجيوش فـي المنطقة فـي حربهما ضده، وهما الجيش السوري والعراقي، وفـي وقتٍ يعجز فـيه الجيش عن تحرير أسراه – مع احترامنا لقدرته واستنكارنا لعدم منحه الغطاء السياسي واللوجستي اللازم من حكومة سلام.
إنَّه موقف لا مثيل له فـي تاريخ الإنسانية جمعاء خصوصاً وأنَّ المنطقة تتعرض لأخطر هجمة تكفـيرية لم تشهد مثلها فـي التاريخ القديم ولا الحديث.
والمشكلة أنَّ قصر النظر والحقد قد أعمى «الأمانة العامة» عن رؤية ما يمكن أنْ تقوم به جماعات التكفـير إذا، لا قدر الله، اجتاحت لبنان ونكَّلَتْ بالمسيحيين فـيه. يقول المثل «لم أمت ولكن رأيت من مات». أفلم تتعظ «قرطة حنيكر» من مجازر وفظائع التكفـيريين الرهيبة فـي سوريا والعراق؟ وكأنَّ «١٤ عبيد زغار» لا يرون خطر «داعش» الذي تحاربه نظرياً حليفتهم المفترضة أميركا وسيدهم النفطي، أو أنهم يفضلون الظلاميين على المقاومة؟ وهنا نُسِب إلى البطريك الراعي كلامٌ جاء فـيه «لولا «حزب الله» لأصبحت «داعش» فـي جونية» (نفته أوساطه بشدة وعنف!). لكن بغضِّ النظر عن ما قاله الراعي، «داعش» لمعلوماته أصبحت فـي معراب من خلال موقف سمير جعجع الذي هو أكبر الرافضين لدفاع «حزب الله» عن الحدود وكأنَّ التكفـيريين سيوفِّرون رقبة ًمسيحيي لبنان، ورقبته هو بالأخص، من الذبح. والأخطر فـي كلام جعجع هو دعوته إلى ربط غرفة عمليات الجيش بغرفة عمليات قوات التحالف التي لم تستطع حماية مدينة «عين عرب» (كوباني) السورية الكردية على الحدود مع تركيا، أي أنَّ الـ ٤٠ دولة التي أعلنت حربها على «داعش» تقوم بمسرحية كوميدية لكنها لا تضحِك. وبدلاً من أنْ تكون تضحيات «حزب الله» دفاعاً عن لبنان موضع تقدير وتمجيد، جاء بيان ١٤ آذار ليؤكد ارتهان هذا الفريق مع التكفـيريين وما زال يتبع الأوامر الصارمة بضرورة عدم إعطاء نصر «مجاني» لسوريا والمقاومة ولو على حساب مخاطر الغزو والتغلغل التكفـيري.
سبحان الله كم هو الفرق بين موقف ١٤ آذار هذا والمقاتلة الكردية البطلة بريفان ساسون التي كانت تدافع عن مدينتها وعندما نفذت ذخيرتها قتلت نفسها كي لا تقع فـي أيدي الوحوش فـينهشوا لحمها أو يبيعوها فـي سوق الرقيق. سوسان حافظت على شرفها وكرامتها وكرامة شعبها وأنهت حياتها بشجاعة وبطولة ويجب أنْ يذكرها التاريخ الذي ربطه مؤرخو لبنان بالغرب فقط «فطحلونا» بجان دارك الفرنسية التي أحرقت نفسها من أجل بلدها، لكن بريفان تساوي مئة جان دارك!
وحتى لا تقلق «قرطة حنيكر» من انشغال المقاومة عن التصدِّي لإسرائيل بسبب مشاركتها فـي وقف الجراد الإرهابي التكفـيري، جاءت عملية شبعا-٢ فـي جنوب لبنان لكي تخلط الأوراق من جديد وتحطِّم أماني إسرائيل وملَّة الكفر رغم أنف جعجع وفتفت اللذين أدانا العملية أكثر من العدو نفسه، وذلك من خلال:
١- إثبات أنَّ المقاومة يقظة فـي الجنوب، ربَّما أكثر من الأول، وبوصلتها تشير دوماً إلى العدو الأساسي وأنَّ محاربة أذنابه لا تلهيها عن المعركة الاساسية التي ظن العدو مؤخراً أنها فرصته السانحة بدليل خرقه الاستفزازي المستمر والجريء للحدود. المقاومة وضعت خطوطاً حمراء جديدة لاسيما بعد الحديث عن تحريك اسرائيل لجبهة راشيا العرقوب القنيطرة من خلال التكفـيريين.
٢- رئيس أركان جيش الاحتلال المبارح بني غانتس أغرق الإعلام مؤخراً بالحديث عن ضرب لبنان وإرجاعه ٨٠ سنة إلى الوراء، فكان لا بدَّ من تذكيره بتوازن الرعب وقدرات المقاومة خصوصاً بعد إنتاج ايران لصاروخ «يا علي» الباليستي الذي يبلغ مداه ٧٥٠ كلم، والذي سيخلع «باب خيبر» الردع الإسرائيلي. والملفت أنَّ جيش العدو لم يرد على العملية بل استعمل عبارة «الرد فـي الزمان والمكان المناسبين» (بجد).
٣- إيصال رسالة للتكفـيريين أنَّ لبنان ليس الرقة ولا الموصل ولا «عين عرب»، وليس لقمة سائغة لأن عين المقاومة الساهرة هي دوماً بالمرصاد فـي الجنوب والشرق والشمال ولأنَّ المعركة واحدة فـي كل الجبهات، فملَّة الكفر واحدة. المقاومة تسير ولو كره الشاربون للشاي فـي ثكنة مرجعيون.
Leave a Reply