فاطمة الزين هاشم
لهذة البلدة ماضٍ أليم وحاضر جميل، عندما يولد الانسان ويعيش فـي مكان ما عليه ان يبحث كيف كان هذا المكان وما هو ماضيه وما هي تلك الحقبة التي مر بها حتى نفض غبار الماضي ولبس ثوب الحاضر الجميل.
كانت الأجيال الماضية تمتلك أراضي البلدة وتعتاش من خيراتها حتى أتت سنوات القحط وتدنى المحصول وقل الانتاج ولم يعد يمتلك أحد من الناس نقودا لقضاء حاجياته الضرورية وتغطية نفقات العائلة المعيشية فـي هذه الظروف السيئة ظهر آل الطرابلسي من بلدة مجاورة لعين التينة وعرضوا خدماتهم على أهل البلدة وكانت تلك الخدمات مقابل الاستيلاء على أراضي الفلاحين. لا يستطيع أي انسان مهما كان قاسيا ان يترك أولاده بدون طعام أو ملبس، إلا من تحجر قلبة واختل عقله. أتتهم الفرصة على صحن من ذهب.
بدأ الناس الاستدانة منهم وكانت حسب رواية الوالد رحمه الله لي نقلا عن جدي رحمه الله أيضا كان يأتي رب العائلة ويطلب قرضا بسيطا من المال لشراء بعض الحنطة وبعض الحبوب مثل العدس والحمص وغيرها من الحبوب التي كانت متوفرة فـي ذاك الوقت، لسد رمق أطفاله، كانت تعطى القروض لمدة قصيرة يعجز عن تسديدها الفلاح فـي المدة المحددة، فـيضع صاحب القرض يده على الأرض التي يملكها الفلاح ويأخذها عنوة وذلك لقوة سيطرتهم انذاك حسب ما روى لي والدي ان معظم الأراضي اخذت مقابل «صاعين» من الحنطة، يعرضون على الفلاح صاعي الحنطة مقابل قطعة الأرض الفلانية فـيرضخ ويقبل بهذا العرض ليطعم عائلته لأن «الجوع كافر» كما يقولون، هكذا أصبحت عين التينة مملوكة لآل طرابلسي، مسحوا الأراضي لحسابهم رغم انها ما زالت تعرف باسم أصحابها الحقيقيين مثل «دواوير السيد حسين وشعب بيت موسى وشعب علي طالب» وغيرهم، لكن للأسف هناك من عمل ضد أهل القرية مقابل إفادة خاصة، لكنهم لم يأخذوا من الجمل الا اذنه. اصبح الأهالي عمالاً عند الملاك الجدد يحرثون الأرض باظافرهم ويزرعونها حبات قلوبهم ويسقونها بخار دموعهم وحين ينمو الزرع وتعطي الأرض خيراتها تكون محرمة عليهم إلا من بعض عبوات من الحنطة دون ان يكترثوا بنظراتهم ونظرات أولادهم وهم يرمقونها وافواههم يملوءها الهواء، يقعصون على جوعهم وهم يمضغون ريقهم، وكان الصمت أفظع وأشد إيلاماً فـي النفس واذا اعترض أحد منهم فان اقل ما يلقاه «فلقة فـي المخفر».
اتت الأجيال الجديدة وانتصرت للماضي بعد ان دخل التعليم إلى القرية وبدأ عصر الانفتاح على العالم، سافر الشباب واتوا بالنقود وبدا شراء الأراضي واستعادتها رغم غلاء الأسعار التي فرضها هؤلاء ومن معهم من السماسرة والتابعون لهم، كل هذا لم يثن الأهالي عن استعادة أرضهم.
شيدت المباني الحديثة المزينة بالقرميد الأحمر والمحاطة بالحدائق الجميلة، فُتحت المحلات التجارية التي توفـي بحاجات السكان، ولم تستثن عين البلدة من هذا التطور، كانت فـي السابق كناية عن «قصطل» يدفع الماء الى الخارج تملأ منه النسوة جرارها لتشرب العائلة، تم إيصال المياه إلى المنازل واصبحت هذه العين اليوم معلما سياحيا حضاريا ذا طابع معماري جميل، يرتمي فـي احضانه مسبح متماش مع الحداثة والذوق الرفـيع، تقام حفلات الأفراح والمناسبات السعيدة برحاب هذه القطعة الجمالية التي هي من همة وتصميم اهل البلدة بعد ان استعادوا أرضهم وكرامتهم وأطاحوا باسم «الأفندي».
Leave a Reply