في ليلة معتمة من عام ١٩٩٧ توجَّهتْ فرقة كوماندوس خاصَّة من نخبة الجيش الإسرائيلي إلى داخل الأراضي اللبنانية للقيام بعملية أمنيةٍ خطيرة، فوصلتْ إلى قرية «أنصارية» قبل أنْ تنزِل حمم الجحيم عليها من كل حدبٍ وصَوب من قبل رجال الله الذين كانوا بانتظار الفرقة المعادية وعلى علمٍ بتحرٌُكها منذ البداية بل في فترة الطلعات الجوِّية الاستطلاعية الإسرائيلية التي صوَّرتْ المنطقة وخط سير الفرقة والتي لم يعرف العدو خلالها أنّ «حزب الله» فكَّ شيفرة الرصد الجوي المعادي (وفكَّ رقبته أيضاً) كما كشف لاحقاً السيِّد حسن نصرالله. ونجَمَ عن كمين المقاومة المُحكَم في «أنصارية» مقتل العديد من جنود العدو المدرَّبين تدريباً خاصاً وجرح عدد كبيرٍ منهم وتحوُّل بعضهم إلى أشلاء جمَعَتْها المقاومة وفاوضَتْ عليها لاحقاً بعد حرب تمَّوز ٢٠٠٦ من أجل إطلاق سراح جميع الأسرى من السجون الإسرائيلية وعلى رأسهم عميدهم سمير القنطار. هذه الأشلاء إقشَعرَّ جلد من ذكرها جماعة الصداقة اللبنانية الإسرائيلية وعلى رأسهم أمين الجميِّل، هل من يذكُرْ؟!
يومها عام ١٩٩٧ كان على رأس حكومة العدو بنيامين نتنياهو الذي شوهد في جنازات الفرقة الخاصة متاثِّراً إلى درجة التدميع. وقد عرفت هذه المجزرة العسكرية يومها بأنها بداية النهاية للتفوُّق الأسطوري الاستخباراتي الأمني الإسرائيلي وشكَّلَتْ بداية المفاجآت التي أعدَّتْها المقاومة للعدو بشكلٍ غيرمسبوق!
وبعد ١٧ عاماً يشاء القدَر أنْ يكون نتنياهو أيضاً في السلطة عندما حصلَتْ الكارثة الأمنية الثانية هذا الاسبوع وقبل آخر يومين من شهر رمضان المبارك، بسبب كمين وقع فيه جنوده قبالة علما الشعب وهم يتوغَّلون مسافة ٤٠٠ متراً داخل الأراضي اللبنانية للقيام بمهمَّةٍ أمنية لا يعلم إلا الله هدفها. وباعتراف العدو، الذي فرض رقابة إعلامية حديدية للتكتُّم على ما حصل، جُرح أربعة جنود. وقد أضحى معروفاً إنَّ إسرائيل باتتْ أكثر كذباً من الأنظمة العربية الغبيِّة في زمانها خصوصاً عندما كان الأمر يتعلَّق بالحرب مع إسرائيل. فجرحُ أربعة عند إسرائيل المصعوقة يعني خسارة أكثر من دزِّينة على الأقل بين قتيلٍ وجريح ذلك لأن الفرقة العسكرية الإسرائيلية الذاهبة للقيام بعملية أمنية خاصَّة تكون كبيرة العدد بسبب الدعم والاسناد اللوجستي والاتصالات والطواريء الطبية المرصودة لها. وسقطت القوة الغازيَّة في فك كماشة عبوات متفجِّرة زرعتْها المقاومة التي كانت ترصد هذه القوة وكانت لها بالمرصاد، وهذه مأساة بالنسبة لإسرائيل قد تكون أكبر حجماً ودلالات من «مأساة أنصارية».
السبب الأول لعظَمة الكارثة يعود إلى «زَبْل» نظرية إسرائيل وحلفائها الجدد من بندر إلى «المزرقِّين» إلى التكفيريين من جماعة الأسير بن لادن والرافعي ومُدَّعي الإسلام الشهَّال وفستق «البندق» -خريج الحبوس- ومن لفَّ لفَّه في «١٤عبيد زغار» والدولاب البشري، بانكفاء المقاومة كعينٍ ساهرة بعد الحملة الكونية عليها لتدخُّلها في سوريا لحماية ظهرها وبعد إدراج الإتِّحاد الأوروبي للجناح العسكري لحزب الله على لائحة الإرهاب ظنَّاً من هؤلاء أنً عين المقاومة هذه سوف تغفو بسبب الأكلاف التي تدفعها داخلياً وخارجياً. بالعكس أثبتت المقاومة أنها على أهبة الاستعداد واليقِظة لأي تحرُّكٍ معادٍ أومخطط أمني عند الحدود.
السبب الثاني هو خيبة الأمل الإسرائيلية المستَجِدَّة من خرق المقاومة لمنظومتها الأمنية وفضيحة تواجدها في الأراضي اللبنانية تحت سمَع وبصر القوات الدولية وعدم تحسُّس الجيش اللبناني المشغول بالفلتان الأمني في طرابلس وصيدا ومناطق البقاع الشمالي. إذاً لا أحد غير المقاومة قادرعلى التصدي وردع إسرائيل من القيام بأعمال إجرامية ومن أنْ تسرح وتمرح في لبنان مثل أيام نظرية «قوة لبنان في ضعفه» الحقيرة. وهذا بحد ذاته يشكِّل إدانة لهؤلاء الذين إذا تنفسوا ذكروا سلاح المقاومة بالسوء كما فعل «سعد الطائر الغرِّيد» الذي ردَّد خمسين مرة عبارة السلاح في «كلمته» من جدَّة ردَّاً على خطاب السيِّد في «يوم القدس العالمي» الذي ظهر فيه لمدة ٤٠ دقيقة اعتُبرتْ إنجازاً أمنيَّاً وتحدِّياً آخر للعدو الإسرائيلي الذي يرصد حركاته بالثواني عبرالأقمار الاصطناعية وغير الاصطناعية من العملاء المزروعين في كل أنحاء «شبه الوطن»! لقد أكدتْ المقاومة جهوزيتها وجدارتها من جديد رغم ترَّهات الحاقدين المسعورين الذين هم ضد المقاومة كمقاومة ولا يجدون في إسرائيل عدواً تاريخياً توسُّعياً وطامعاً بالبلدالصغير. وتردَّد في الإعلام أنَّ سعدو سأل الملك عبدالله عن رأيه بخطابه فأجابه أبو متعب «أي خطاب»؟ سعد طلب من المقاومة الزهد بالسلطة كما فعلتْ سابقاً لكن الزمن الأول تحوَّل، واليوم هناك هجمة إسرائيلية بندرية أوروبية مشتركة ولن تكون هناك حكومة حيادية أو غير حيادية من دون المقاومة وإلا «عمرها ما كانت»! سعد مغلوبٌ على أمره لذا لم يتلقف مبادرة الطرف الآخر التي رماها نحوه من دون سبب لأنّ بندر يوصل ويجوز العالم من أجل الحرب على المقاومة لدرجة عرضه على بوتين شراء أسلحة ثمنها ١٥ مليار دولار وضمان شراء الغاز الروسي من اجل التخلي عن سوريا!
وهكذا لم ترد المقاومة على كل حملات الطعن والتشويه من كل الأطراف وأوَّلها ميشال سليمان الذي دبَّج خطاباً في عيد الجيش قي أوَّل آب إعتبر فيه أنَّ المقاومة «تجاوزتْ حدودها» وأنّ لا قيام للدولة «بوجود سلاح شرعي وغير شرعي»، كاشفاً ورقة التين الأخيرة التي كانت تستر عورة انحيازه للفريق المتآٓمر على المقاومة تحت ستار عودة الدولة والاستراتيجية الدفاعية التي هي خواء وكلامٌ فارغ في الهواء ذلك لأن جيشاً نظامياً لا يمكنه القيام بأعمال صد وردع ضد أحد أقوى جيوش العالم فكيف إذا كان هذا الجيش يمتلك اسلحةً ومعدات من عصر فرد فلنستون الحجري. حتى لو امتلك أسلحة المقاومة الحديثة، على إفتراض تسليم المقاومة السلاح للجيش، كما يطالب عتاة «١٤حنيكر»، فلن يقدر على القيام باستراتيجية حربية ضد العدو كما تفعل المقاومة لان أماكن تواجده معروفة ومُتضمَّنَة في «بنك الأهداف» الإسرائيلي وتدميرها لن يأخذ أكثر من ساعة طيران حربي! وذلك بعكس سرية المقاومة وتكتيكاتها ووجودها تحت الأرض ومفاجآتها الكثيرة.
تسليم السلاح، وهو عنوان الحملة التي يقوم بها بعض شبان «١٤ آذار» للتوقيع على عريضة معيبة فاقدة للشرف الوطني، ما هو إلا عبارة عن قصر نظر وتخلُّف وكلام باطل يُراد به أكثر بُطلاً! ثم ما هذا التناقض بحب الجيش لدرجة تسليمه سلاح المقاومة ولكن من ناحية ثانية قتل جنوده وضباطه إذا أراد القيام بواجب الحفاظ على الأمن؟ وكيف سيُقدم الجيش على الوقوف بوجه إسرائيل المتفوقة عليه في كل شيء وبسنين ضوئية وهو غير قادر على اعتقال الارهابي شادي المولوي أو «زعران عرسال» وأحياء طرابلس أو حتى القاتل المجرم فضل شمندور مطرب الارهابي الأسير الذي يتبختر في صيدا «وعلى عينك يا جيش»؟! وعلى ذكر محبَّة الجيش فان العماد قهوجي خسر نقاطاً بحضوره لحفلة إفطار الرياء والنفاق بعينه التي أقامتها بهيَّة الحريري على شرفه في «البيال» بحضور من استلَّ خنجره ولسانه لقتل العسكريين ومحاسبتهم وفي وقتٍ لم تجف فيه دموع أهالي قتلى الجيش. من يقنعنا أن المشنوق والآذاريين الآخرين يحبُّون الجيش فعلاً؟!
ولم يكد يجف حبر كلام ميشال سليمان الطاعن بالمقاومة حتى طار، كعادته وهو المعروف بحبِّه للأسفار، إلى طهران لحضور حفل تنصيب الرئيس الايراني الجديد حسن روحاني. والحقيقة لا نعرف سر هذه الدعوة الإيرانية له بعد خطبته العصماء وتلميحه بمسؤولية السفارة الإيرانية بعد مقتل المرحوم الهاشم بسبب الإقطاعي أحمد اللاأسعد واهتمامه بالموضوع أكثر من الحجاج اللبنانيين المخطوفين في «أعزاز» ومن الأحداث الأمنية الخطيرة يومها وعلى رأسها مجزرة الأسير بحق الجيش في عبرا؟!
سليمان بانتقاده المقاومة لدخولها إلى سوريا يعتبر أن دمشق لم تعد دولة شقيقة وهو لم يُمانع عندما أمدَّتْه بالسلاح والعتاد في معركته ضد «فتح الإسلام» في مخيَّم «نهر البارد» والذي تلقَّى عليه توبيخاً من عمَّار حوري يومها! فلماذا حلال عليه قبول تجاوز سوريا لحدودها لمساعدة لبنان وحرامٌ على «حزب الله» تخطي حدوده لحماية لبنان ومن خطر وصول الارهابيين ولمساعدة دولة جارة شقيقة لا تزال بيننا وبينها اتفاقات أمن ودفاع مشترك؟! لقد تجاوز سليمان حدود الاعتراف بالجميل على من أوصله إلى سُدَّة الرئاسة وتوضيح موقفه عبر «السفير» يدخل في باب التعمية والتضليل وتغطية «السموات بالقبوات»!
في ذكرى انتصار العين على المخرز منذ سبع سنوات، تبقى المقاومة اليوم متألقة مليئةً بالمفاجآت رغم كيد الإسرائيليين والتكفيريين والبندريين!
Leave a Reply