فاطمة الزين هاشم
عندما يتكلم الانسان عن الغابة، أو يُذكر اسمها، فإنّ أوّل ما يتبادر إلى الذهن، صور الحيوانات المتوحّشة التي تعيش فـيها. هذا ما ألفناه منذ القِدم، ولكنّ الذي لم نألفه هو وجود وحوش بشريّة تتسلّط وتعيش فـيها، كما تعيش بيننا، متخفّية بأقنعة الشرف والاستقامة ومُغطّاة بسِتار السياسة المُتصدّرة برجالها المنحرفـين أصحاب النفوذ.
عرضتْ قبل أيّام، أجهزة التلفزة اللبنانية مشاهد القبض على عصابة تمتهن الدعارة والاتجار بالبشر! اتّجار بفتيات صغيرات معظمهنّ سوريات، تمّ استغلال فقرهنّ وحاجتهنّ للقمة العيش التي وفرها أفراد تلك العصابة بالخزي والعار وتدنيس الشرف، والأدهى من ذلك أنّهم وضعوا سجّانات من النساء يقمن على حراستهنّ ومنعهنّ من الهرب حتّى اعترفت إحداهنّ بأنّها لم تر الشمس منذ أربع سنوات، عدا عن التعذيب الذي كنّ يتعرّضن له أثناء حملهنّ، حيث كان يقوم أحد الأطبّاء من فاقدي الضمير والرحمة، بحقن واحدتهنّ بمادّة سامة لقتل الجنين، وعندما يبدأ المخاض يضربها نفس الطبيب على بطنها بقوّة، ليقوم بعدها بإخراج الجنين ضارباً إنسانيّته عرض الحائط وحانثاً باليمين الذي أقسمه بواجب العناية بمرضاه.
ظهر أمام مشهد عيادته وهويشرح كيفـيّة قيامه بهذا العمل الشنيع الذي يُدمي القلوب، كما تبيّن أنّ من بين أبطال هذا العمل المشين سياسيّين من حماة الوطن الذين يتمتّعون بالانفلات الأخلاقي، الذين جنوا ملايين الدولارات من وراء هذه الجريمة، ولم تُشبعهم الأموال التي سرقوها من قوت الشعب اللبناني حتّى أتخمت كروشهم بالمال الحرام، دون رادع من ضمير.
أين أصبح لبنان اليوم؟ ألم يكن يوماً من الأيّام منارة الشرق ومرتع الحضارة ومقصد المثقّفـين والطامحين إلى العلم؟ ألم يكن مركزاً تجارياً عالمياً تتسابق إليه أضخم شركات العالم لتأخذ لها مكاناً فـيه؟ ألم تجذب مصايفنا سائحين من شتّى الشعوب ليتمتّعوا بجمال طبيعتنا ومناظرها الخلابة التي ترسّخت فـي ذاكرتهم وخاصة الشعب الخليجي الذي لقي الترحاب من اللبنانيّين الذين سمحوا لهم حتّى بتملّك الأراضي والقصور الفخمة؟ واليوم هم أنفسهم يطردون اللبنانيّين من بلدانهم بعد أن شيّدوها لهم بعرق جبينهم ومنحوهم خبرات جمّة أعانتهم على المضيّ فـي طريق الإعمار.
حفنة من الفاسدين شوّهوا صورة لبنان بعد أن تفنّنوا بأعمال لا تمت إلى الإنسانية بصلة وبمنتهى الاستهتار والتمادي بالباطل. دعارة من هنا وإجرام من هناك وانفلات أمني من كلّ الجهات. وأحدثها منذ أسبوع، جريمة ذلك الوحش البشري الذي قتل زوجته الصبيّة وابنتها البريئة ذات السنتَين على يدها، وذنبها أنّها رفضت الرجوع إليه بعد أن طلّقها وأذاقها مرّ العذاب سواءً بالضرب أو التضييق القاسي، حيث عاشت معه حياة أشبه بالجحيم إذ كان يعاملها كجارية أو كأنّها جزء من ممتلكاته الخاصة، حتّى هربت من القيود وذلّ الاستعباد، وقد تنازلت له عن جميع حقوقها من أجل الخلاص بنفسها، لكنّه لم يرع لها أيّ حرمة فلحقها إلى بيت أهلها وقتلها بدم بارد.
أيّ إجرام هذا وأين ردع الدولة؟ فكم من سيّدة لبنانيّة قُتلت على يد زوجها منذ سنتَين ولغاية اليوم؟ لماذا لم تُنصب المشانق لمثل هكذا مجرمين كي ينالوا العقاب العادل، فلو اتّبعت الدولة مثل هكذا إجراء من أوّل جريمة وقعت لما تكرّرت المآسي ولما يتجرّأ رجل على قتل زوجته، لكنّ (الحبل فالت على الغارب)، والأشدّ مرارة من ذلك أنهم يحتفلون كلّ عام بعيد المرأة، فمن يحمي المرأة من هؤلاء الوحوش؟
عبير يوسف، الضحيّة الأخرى اليوم، فتاة فـي عمر الخمسة عشر ربيعاً، طالبة متفوّقة وجميلة تظهر على وجهها البراءة، كان من الممكن أن تسير فـي الشوارع عروساً تُزفّ إلى عريسها بدلاً من أن يُجاب بها وهي محمولة بنعشها إلى مثواها الأخير، قُتلت بمسدّس جدّها المحشو بالرصاص، وهذا نوع آخر من القتل، وهو الإهمال وعدم الإنتباه، أم أنّ هناك قصة غير مرويّة تُخفـي وراءها هذه الحادثة المأساويّة، وهي جريمة بكلّ المقاييس، فإلى متى سيبقى هذا المسلسل غير المُحدّد الحلقات، وإلى متى سيبقى هذا الفلتان فـي بلدنا، بلد الأرز؟
كنّا نفخر بلبناننا ونزهو بتاريخنا وأمجادنا وحضارتنا التي رفدت العالم بكل ما هو جميل ونافع، واليوم قد شوّه صورته مثل هؤلاء المجرمين بأفعالهم الدنيئة وأعطوا للعالم صورة مقزّزة لا يستحقّها منهم بلدنا، كما أساؤوا إلى ماضينا العريق وانتهكوا حرمة الأديان التي توصي بالعدل والرحمة، لبنان اليوم أمام مفترق طرق خطير، فإذا لم تضرب الدولة بيد من حديد فستسود شريعة الغاب، أم أنّ «حاميها حراميها»؟!
Leave a Reply