وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
تتزايد احتمالات فشل رئيس كتلة «النصر» البرلمانية عدنان الزرفي في مهمته بتأليف حكومة جديدة في العراق، يوماً بعد يوم، بعدما أعلنت كتل برلمانية عديدة شيعية رفضها لتسميته، وهو المصير نفسه الذي واجهه سلفه محمد توفيق علاوي الذي استطاع صنع توليفة حكومية بعد مخاض عسير، ليُسقط هو وتشكيلته في البرلمان.
وفي خطاب ألقاه بعد تكليفه من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح بتأليف الحكومة، أعلن الزرفي سعيه للانفتاح على دول الجوار العراقي ونيته النأي بالبلاد عن الصراعات الإقليمية والدولية بما يحفظ استقلال العراق كدولة ذات سيادة وكشريك أساسي وفاعل في محاربة الإرهاب العالمي وكعامل استقرار في المنطقة.
هل خالف صالح الدستور؟
كتل عديدة رفضت تكليف الزرفي بتأليف الحكومة، وهي: «الفتح» و«دولة القانون» و«العطاء» و«النهج الوطني» و«الحكمة»، فيما لم تعلن بعد، كتلة «سائرون» موقفها الرسمي والنهائي بالقبول أو الرفض لكن موقفها المبدئي كان مؤيداً له.
وقد أعلن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الداعم لكتلة «سائرون» في تغريدة له عبر موقع «تويتر» أنه «سواء أكان المرشح وفق الضوابط أم لم يكن كذلك، فهذا أمر راجع لنا نحن العراقيين لا غير، وسواء أكانت آلية اختياره صحيحة أم لم تكن كذلك، فهذا شأن عراقي بحت، ولا داعي لتدخل أصدقائنا من دول الجوار أو غيرها».
أما السنة والأكراد فقد أبدوا ترحيبهم بتكليف الزرفي لرئاسة الوزراء، لكن تيار «الحكمة» الذي يتزعمه عمار الحكيم أبدى اعتراضه على الآلية التي اعتمدها رئيس الجمهورية برهم صالح في تكليف الزرفي. وقال بيان إن «تيار الحكمة يؤكد حرصه الكامل على تجاوز المنعطف الذي تشهده البلاد في ظرف دقيق وسعيه الحثيث إلى لملمة المواقف وإنضاجها وتقريب الوجهات باتجاه الخروج من الأزمة السياسية القائمة»، مؤكداً في الوقت نفسه «أهمية احترام المباني الأساسية التي يقوم عليها الدستور والعملية السياسية في العراق والالتزام بما يعزز التلاحم ويعقد الشَمل الوطني».
صلاحية رئيس الجمهورية
الناطق الرسمي باسم كتلة «صادقون»، النائب في البرلمان العراقي نعيم العبودي، يعتبر أن رفض كتلته والكتل الأخرى لترشيح الزرفي إنما مرده إلى الآلية الخاطئة التي اعتُمدت في تكليفه، فهي مخالفة للدستور والقانون وتعتبرها هذه الكتل سابقة خطرة وخرقاً واضحاً جداً من جهة رئيس الجمهورية الذي يجب أن يكون حامياً للدستور من خلال موقعه الرسمي.
يضيف العبودي أن تعامل الرئيس كان سلبياً جداً، فهو ليس من صلاحيته أن يكلف أحداً بتأليف الحكومة قبل موافقة الكتلة الأكبر في البرلمان على اسم المرشح. وبالتالي فإن صلاحية رئاسة الجمهورية تقتصر على التكليف دون الترشيح، لكنه قام بهذه الخطوة معتمداً على نص من المحكمة الاتحادية يعطيه الحق في ذلك. «لكن هذا الكلام غير صحيح وغير دقيق»، بحسب العبودي، لأن أحد أفراد المحكمة الدستورية مستقيل وليس هناك قانون للتعويض عن ذلك، وبالتالي فإن قرارات المحكمة الاتحادية غير نافذة وغير صحيحة لأن نصابها غير مكتمل.
النائب العبودي رفض التعليق على أسباب التحفظ على تكليف عدنان الزرفي من الناحية الشخصية لكونه نائباً، ما يفرض عليه استخدام منطلقات قانونية دستورية للرفض من عدمه، مشيراً إلى وجود ملاحظات إضافية تناولتها الكتل خلال اجتماعها على تكليف الزرفي.
توصيات المرجعية والحراك
نقطة إضافية شديدة الأهمية أشار إليها العبودي، وهي مخالفة الرئيس برهم صالح توصيات المرجعية التي في معظمها تتفق مع مطالب المحتجين في الشارع, الذين سارعوا إلى رفض تكليف الزرفي لأنه لا يمثل طموحاتهم، والتي من بينها ضرورة ألا يكون المكلف برئاسة الوزراء شخصية جدلية، فمن المعروف أن هذا المنصب هو منصب شيعي، بمعنى ألا يكون عليه اعتراض من الكتل الشيعية.
وأشار إلى أنه في حالة الزرفي خمس أو ست كتل شيعية وازنة معترضة على ترشيحه، لم يقف رئيس الجمهورية على رأيها ولم يتشاور معها، وبالتالي فإن هذا التجاوز يعرّض السلم الأهلي للخطر، إضافةً إلى وجوب ألا يكون المكلف منخرطاً في الطبقة السياسية الحالية أو السابقة، ومن المعروف أن الزرفي كان محافظاً للنجف ووكيلاً للاستخبارات العراقية كان قد عينه بريمر، وهو نائب حالي أيضاً، ويعلم أن هذه الأمور ليست من المخالفات الدستورية ولكنها كانت مطروحة من قبل المتظاهرين وأوصت بها المرجعية، على أن تكون مهمته مختصرة لمدة سنة في أبعد تقدير يقوم خلالها بالإعداد لإجراء انتخابات مبكرة.
امتحان البرلمان
هذا الأمر، وفقاً للعبودي يستلزم ضرورة الإتيان بشخصية مستقلة بعيدة عن كل الأحزاب الحاكمة، فيما بات معروفاً أن الزرفي يترأس كتلة «النصر» وهو أيضاً رئيس حزب شارك في الانتخابات.
ويتوقع العبودي أن يقدم الزرفي اعتذاره عن عدم تكليف الحكومة في الفترة المقبلة مشيراً إلى اجتماعات تعقد لمتابعة المشاورات تضم الكتل الشيعية الرافضة لترشيحه.
ولدى الإشارة إلى ما تناوله الزرفي في خطابه الأول بعد تكليفه حول تعهده بإبعاد العراق عن الصراعات الإقليمية والدولية، في إشارة واضحة إلى الصراع الأميركي–الإيراني، رفض العبودي الغوص في تفاصيل هذا الكلام معتبراً أن الزرفي ما زال مجرد مكلف بالحكومة ولم يصبح رئيسها فعلاً حتى تكون قراراته ذات أهمية أو وزن، مراعياً في ذلك حساسية الموقف على الساحة العراقية وهو المتحدث الرسمي لكتلة نيابية وعليه مراعاة بعض الضوابط، وأن اللقاءات ما تزال مستمرة ولا يصح في هذا المجال استباق الأمور وإعلان المواقف المسبقة.
من حق الزرفي الاستمرار في مهمته إلى حين تأليف الحكومة «الكابينة» رغم كل الاعتراض الذي تبديه الكتل الشيعية التي ذكرناها آنفاً، وهو لديه مهلة شهر لإنجاز مهمته، لكن المحك والملتقى هو في البرلمان، حيث تستطيع تلك الكتل بكل بساطة إسقاطه دستورياً من خلال عدم منحه وحكومته الثقة. وحول ما أُشيع عن اتهام للزرفي بأنه أحد منظمي التظاهرات وقادتها في النجف رفض العبودي التعليق مصراً على اكتفائه بالحديث حول الناحية الدستورية لكونه نائباً والناطق الرسمي باسم كتلة «صادقون».
استمرار اللقاءات والمشاورات
يبدي النائب العراقي تفاؤله بحلحلة قريبة للأزمة في العراق، معوّلاً على وجود إرادة حقيقية ورغبة قوية لدى كل القادة السياسيين والأحزاب للتكاتف في سبيل إيجاد الحل لهذه الأزمة، ولكنه لا ينفي وجود بعض الكتل والتيارات التي تتعاطى مع المشكلة من منظار ضيق، داعياً أصحاب هذه الرؤية إلى الترفع عن المصالح الشخصية وتقديم مصلحة الشعب والبلاد فوق كل الاعتبارات الأخرى، مؤكداً استمرار اللقاءات والمشاورات من أجل الوصول إلى الحلول المرجوة، متوقعاً في الوقت عينه التوصل إلى حل قريب في الأيام المقبلة.
انسحاب أميركي
الولايات المتحدة بدورها، قدمت دعماً مشروطاً لمهمة رئيس الوزراء العراقي المكلف عدنان الزرفي، فيما أعلن البنتاغون أن الجيش الأميركي سينسحب في الأسابيع المقبلة من قاعدة القائم إضافة إلى قاعدتين عسكريتين أخريين له في العراق. ويشير القرار بالانسحاب من ثلاث من أصل ثماني قواعد لها في العراق، إلى أن الولايات المتحدة تتطلع إلى تقليص حضورها بشكل كبير في العراق.
وبهذا الانسحاب سينتهي الوجود الأميركي على طول الجانب العراقي من الحدود مع سوريا. كذلك انسحبت قوات التحالف الدولي ضد «داعش» بقيادة الولايات المتحدة من قاعدة القائم الاستراتيجية الواقعة على حدود العراق مع سوريا، وسلمتها للجيش العراقي.
الاعتذار أقرب
تحديات بالجملة يواجهها العراق، حاله كحال غالبية دول المنطقة، ورئيس كتلة «النصر» البرلمانية النائب عدنان الزرفي، يعمل للوصول بـ«كابينته» إلى الخواتيم التي يرجوها، لكن الآمال في نجاحه تتقلص يوماً بعد يوم، في ضوء المعطيات القائمة، كيف لا، وهو الذي تدور حوله تساؤلات عديدة، ليس أقلها اتهامه بأنه أحد منظمي تظاهرات النجف وبأن له صلات عميقة بالاستخبارات الأميركية، وهو أيضاً يحمل الجنسية الأميركية.
كذلك، ثمة اتهامات للزرفي بالفساد المالي واستغلال النفوذ!
مهمة شاقة تنتظر رئيس الوزراء المكلف، إن لم نقل إنها مستحيلة، يبدو واضحاً أنها ستدفعه قريباً نحو الاعتذار عن عدم قبول تأليف الحكومة الجديدة.
Leave a Reply