رغم نشأتها في بيت كريم على قيم الأخلاق والدين، كان نصيبها أن تتزوج من رجل على العكس من ذلك تماماً. رجل عادي لا جمال خارق ولا دين ولا أخلاق ولا مبادئ. لم تسأل ولم تقف في مواجهة قرار الأهل، رغم روحيتها الثورية المشبعة بالإيمان والثقافة الواسعة وقراءات الكتب والشهادات العالية. لم تعترض واقتنعت إنها القسمة والنصيب والمعلومات الخادعة المزيفة. وبعد زواجها، لم تنهار ولم تجعله هدفاً لغضبها ولنقمتها. رضيت بمشيئة الله ولم تنكرها، وتقبلت ما قسم الله لها وبدأت معه رحلة الألف ميل، وجعلت زوجها هدف حياتها وأن تجعل منه إنساناً سوياً. خاصة وإنها شعرت أن خلف عيوبه قلب طيب وبساطة عبيطة، وإن ذلك نتيجة التربية الخاطئة وقسوة أهله عليه.
وبالفعل، بعد عدة سنوات، وبفضل الله وقدرة احتمالها، استطاعت أن ترقى بتفكيره وصقل شخصيته الطيبة وتعزيز ثقته بنفسه، وبفضل من تعرفهم من خلال وظيفتها، أو من أصدقاء عائلتها، وجدت له عملاً لائقاً ودائماً كانت تشجعه نحو الأفضل فأصبح زوجها رجلاً مميزاً وصار يحب القراءة ويؤدي فروضه الدينية ويحرص عليها. وبعد السنوات الأولى الحافلة بالمشاكل والتجاذب العاطفي والحرمان المادي، زاد احترامه لها وأصبح يعاملها بالفعل والمنطق كما كانت تعامله هي دوماً. وهي أيضاً باتت تحبه حباً عظيماً، وهو كان دوماً مقراً بأفضالها عليه مردداً أنه لولاها لكان إنساناً بائساً آخر من بؤساء هذا العالم.
منحته كل ما لديها من حب وإخلاص، وأنجبت له البنين والبنات، وأحسنت تربيتهم، رغم أنها سيدة عاملة. حافظت على جمالها ولم تُهمل ثقافتها وساعدته بأموالها وشجعته ليكون له عمله الخاص وبرع فيه. ولكن للأسف كان جزاؤها الخيبة والمرارة.
أتاها إحساس غريب بأن لزوجها علاقة مع غيرها، وفي إحدى المرات سمعت مكالمة بينه وبينها. صعقت لمّا سمعت كلمات الحب والشوق التي يقولها لإمرأة أخرى.
تساءلت الزوجة: أهذا جزائي بعد أن أعطيته عمري خالصاً؟ بكت طويلاً قبل أن تواجهه بالأمر. لم ينكر. وكيف له أن ينكر؟ اعترف لها بأنه على علاقة بفتاة وضيعة وسألته: لماذا؟ ما الذي ينقصك عاطفياً ومادياً؟ ماذا قصرت بحقك؟
أجاب: لا شيء.. بطر وفراغة عين وتسلية لا أكثر.
جنّ جنونها، فقد كان العذر أقبح من الذنب.
صممت على الفراق ورفض هو قائلاً: لن أتخلى عنك لأنني لن أجد مثلك مهما فتشت ولأنني أحبك.
على مضض.. كتمت جرحاً عميقاً في صدرها حمايةً لسمعتها ولأولادها.
مرت أسابيع وأيام وحدثت لزوجها مشكلة كبيرة في عمله سببها إمرأة أيضاً. عاد واعتذر كما العادة وقال لها: الخيار لك في الاستمرار معي أو تركي، فأنا خدعتك مرة أخرى.
رأته محطماً منكسراً ضعيفاً، فوقفت بجانبه مجدداً حتى مرت الأزمة. وإذا به يعترف لها أقسى اعترافاته وهو أنه خانها من البداية. وطلب منها أن تسامحه، لأن من يحب يغفر!! استغربت كيف لم تكتشف تمثيل زوجها وخداعه لها طوال عشرين سنة زواج، وإهداره لكرامتها بعلاقاته المتعددة بنساء ساقطات وساوى بينها وبينهن في العلاقة الحميمة، وهي التي ظلت تزرع وتسقي وترعى صباراً وليس ورداً.
تحطمت حياتها كزوجة ناجحة ومخلصة على يد الرجل الذي أعطاه الله كل شيء ولكنه تمسك بالدناءة.
Leave a Reply