نبيل هيثم – «صدى الوطن»
ليس معروفاً بعد ماذا كان يجول فـي أذهان ابي بكر البغدادي وامرائه حين اختاروا فتح جبهة سيناء.
ولكن من الواضح أن الهجمات الدامية التي استهدفت شبه الجزيرة المصرية الأسبوع الماضي شكلت مرحلة خطيرة من مراحل تمدّد تنظيم «الدولة الاسلامية».
تلك المرحلة الخطيرة تبدّت فـي توقيت هجمات سيناء والأسلحة المستخدمة فـيها والأهداف المباشرة التي اختارها «داعش» فـي تلك المنطقة الاستراتيجية.
لكن الأهم فـي الموضوع يتمثل فـي الأهداف البعيدة الأمد التي يمكن أن تشكل الخلفـية الإستراتيجية لفتح جبهة عسكرية على هذا القدر من الأهمية.
فـي التوقيت، لا يمكن سوى الربط بين هجمات سيناء وإحياء المصريين الذكرى الثاثية لـ«ثورة 30 يونيو»، التي اسقطت حكم «الاخوان المسلمين» فـي مصر، وهدمت ركيزة أساسية لمشروع الإسلام السياسي فـي الشرق الاوسط.
ولم تكن مصادفة أن اختار «داعش» يوم الاول من تموز تحديداً لتنفـيذ «غزوة سيناء». فذلك اليوم من العام 2013، كان محطة مفصلية فـي سقوط حكم «الإخوان المسلمين». يومها فاجأت قيادة الجيش المصري الجميع، فـي الداخل والخارج، وخرجت ببيان عسكري، وصفه كثيرون بأنه «البيان رقم 1»، ومنحت فـيه القوى السياسية المتصارعة فـي مصر «الاخوان المسلمين» و«التيار المدني» مهلة ثمانية وأربعين ساعة لحل الأزمة السياسية القائمة، قبل اتخاذ ما يلزم من اجراءات، وهو ما حدث فعلاً حين أعلن عبد الفتاح السيسي، بوصفه وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، عزل الرئيس محمد مرسي، وإقرار «خريطة طريق» لمرحلة انتقالية جديدة، انتهت بانتخابه رئيساً للجمهورية فـي حزيران العام 2014.
وفـي ما يتعلق بالأسلحة المستخدمة بالهجوم، كان ملفتاً للانتباه أن تنظيم «الدولة الاسلامية» قد استخدم وللمرة الاولى صواريخ نوعية من قبيل «كورنيت» المضادة للمدرعات) ومدافع مضادة للطائرات، فـي تلك «الغزوة» التي اظهرت جدياً القدرات العسكرية التي يمكن ان يحصل عليها التكفـيريون، ان لجهة امتلاكهم أسلحة خطيرة أو حتى لجهة قدرتهم على تهريب هذه الاسلحة إلى منطقة معزولة عن الخارج كما هي حال شبه جزيرة سيناء.
اما فـي اهداف الهجوم، فقد كان ملفتاً ان «الدولة الاسلامية» قد سعى إلى تحقيق صدمة عسكرية كبرى، تتمثل فـي الحاقه خسائر بشرية فادحة بالجيش المصري (عشرات القتلى بحسب ما تحدثت وكالات الانباء)، ومحاولته تحقيق إنجاز ميداني خطير وهو فصل مدينة الشيخ زويد، احدى أكبر مدن سيناء مساحة وسكاناً، عن مصر، وهو أمر قد يبدو مستغرباً من الناحية الميدانية، اخذاً بالحسبان الحساسية التي تتسم بها شبه الجزيرة المصرية، وغياب أي هامش للمناورة لدى الجماعات التكفـيرية لتأسيس قاعدة خلفـية للعمليات الإرهابية هناك.
ولعل الأكثر غرابة فـي تحديد هذا الهدف أن بديهيات الأمور كان ينبغي أن تدفع «داعش» إلى تخفـيض سقف توقعاته بشأن إقامة «ولاية» فعلية لدولته المزعومة فـي سيناء. فحتى لو نجح فـي إحتلال جزء من الأرض فمن المستحيل أن تسمح القوات المسلحة المصرية ببقائه فـيها، وستقوم بضربهم سواء بقوات برية أو جوية، وهو ما حدث فعلاً، بعد ساعات من الضربة الاولى.
تتفاوت التقديرات بشأن خلفـيات المغامرة «الداعشية» فـي سيناء بين قائل إنها نتاج غرور أو سوء تقدير. ومع ذلك، فإن ثمة خيطاً يمكن تلمس بدايته لمعرفة ما يدور فـي ذهن التنظيم التكفـيري، ومن يقف خلفه من قوى اقليمية.
بداية هذا الخيط هي فـي الواقع توقيت «غزوة سيناء». فالهجوم العنيف الذي شنه التكفـيريون على مواقع الجيش المصري، وقبل ذلك بيومين من إغتيال النائب العام المصري هشام بركات، يؤكد ان الهدف الفعلي هو إسقاط الدولة المصرية، التي اخرجتها «ثورة 30 يونيو» من براثن المخطط الجهنمي لتقسيم المنطقة العربية، عبر تفكيك الحكومات المركزية فـيها.
ويبدو أن نشوة انتصارات ابي بكر البغدادي فـي سوريا والعراق قد انسته ان الوضع يبقى مختلفاً فـي مصر، حيث الدولة المركزية ما زالت متماسكة، ومجتمعها الضخم (90 مليون نسمة)، وبرغم التعددية الطائفـية والاثنية فـيه، لا يعاني من الإنقسامات الإجتماعية التي تشهدها بلدان عربية أخرى، كما هي الحال فـي سوريا والعراق وليبيا، حيث تكاد الإنقسامات السياسية فـي ارض الكنانة تكون سياسية، والصراع يدور فـي اطار سلمي، أو فـي أفضل الأحوال عبر عنف غير مسلح (اذا ما استثنينا التفجيرات الصغيرة التي تقوم بها جماعة «الإخوان المسلمين» المعزولة سياسياً واجتماعياً)، علاوة على ان القوات المسلحة فـي هذا البلد ما زالت متماسكة سواء على المستوى التنظيمي او على مستوى الكفاءة القتالية العالية.
واذا كانت سيناء قد شكلت حاضنة نسبية لمشروع «الدولة الاسلامية»، إلا أن ذلك يبقى وضعا إستثنائيا لا تخلو تعميمه على بقية أنحاء البلاد. صحيح أن مصر لا تخلو من بؤر تكفـيرية يمكنها أن تدفع بالعشرات او المئات للالتحاق بتنظيم مثل «داعش»، إلا أن الفرق كبير بين وجود هذا الاستثناء وبين تحوله إلى ظاهرة إجتماعية فـي بلد يعيش فـيه ما يقرب من 90 مليون مواطن.
ومع ذلك، فإن عملية عسكرية كتلك التي جرت فـي سيناء الأسبوع الماضي قد تهز صورة الدولة المصرية فـي الداخل والخارج.
ومعروف أن تنظيم «داعش» يعمل منذ بداية نشاطه على إستراتيجية تبدأ بتنفـيذ عمليات عشوائية تستهدف تقويض الثقة الداخلية بالدولة المركزية، قبل ان ينتقل تدريجياً إلى هجمات أكثر حدّة تستهدف تحقيق أمرين، الأول إظهار الدولة المركزية على أنها دولة فاشلة، والثاني «الحرب النفسية» الهادفة إلى إفقاد المواطنين عنصر الطمأنينة ورفع معنويات الخلايا النائمة قبل تحريكها، أو حتى جذب تيارات إسلامية أخرى إلى الخندق الواحد.
ولعل ما يعزز هذا التحليل هو ان ثمة تقارباً واضحاً فـي المصالح حالياً بين «داعش» وجماعة «الإخوان المسلمين»، وهو ما تبدّى فعلاً فـي «غزوة سيناء» الأخيرة، حين تلقى تكفـيريو «داعش» دعما معنويا كبيرا من «الإخوان» وفضائية «الجزيرة»، من قبيل تزييف القناة القطرية للحقائق بشأن أعداد القتلى فـي صفوف الجيش المصري، وظهور قيادات «إخوانية» على شاشتها لتأكيد هذه الأرقام، ولذلك فإن كثيرين لا يستبعدون أن يكون هناك تحالف قريب بين «الإخوان» و«داعش» خصوصًا أن المصالح قد تلاقت والهدف أصبح واحداً، وهو الإنتقام من الدولة المصرية.
وربما هذا ما يفسر أيضاً قيام قوات الأمن المصرية بتوجيه ضربة قوية لتنظيم «الاخوان» فـي خضم التطورات الجارية فـي سيناء، حين داهمت مقرّاً للجماعة المحظورة قرب القاهرة وقتلت ستة من أبرز قياداتها.
حتى الآن، يمكن القول أن الضربة التي تلقاها تنظيم «الدولة الاسلامية» فـي سيناء من قبل الجيش المصري قد بخرت أوهام «داعش» بتأسيس «ولاية» فعلية فـي شبه الجزيرة المصرية، وربما تكون قد كشفت أن القوات المسلحة المصرية تختلف عن باقي الجيوش التى خاضوا أمامها معارك، كما هي الحال فـي سوريا والعراق، ولكن فـي معركة مفتوحة، كتلك التي نشهدها اليوم، فإن ما سمّي بـ«غزوة سيناء» ربما تكون اختباراً فـي الميدان لجولات عسكرية اخرى قد يقدم عليها «داعش»، خصوصاً ان الهدف العام لهذا التنظيم المتشدد ومن خلفه من داعمين هو تفكيك الوطن العربي بالكامل.
«ولاية سيناء»
نشأ تنظيم «ولاية سيناء» فـي أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 تحت اسم «تنظيم أنصار بيت المقدس» وأعلن فى بادئ الأمر عداءه لإسرائيل. ولكن فور عزل الرئيس «الإخواني» محمد مرسي قرر التنظيم المتشدد نقل نشاطه من الجبهة مع إسرائيل، إلى مهاجمة قوات الجيش والشرطة فى عدد من المدن المصرية.
ويعد تنظيم «ولاية سيناء» هو المسؤول عن تفجير مبنى مديرية الأمن فـي الدقهلية ومبنى مديرية الأمن فـي القاهرة، بالإضافة إلى تفجيرات أنشاص ومديرية أمن جنوب سيناء، ناهيك عن عمليات استهداف لمراكز الجيش والشرطة فـي المحافظات المصرية.
ويبلغ متوسط أعضاء تنظيم «ولاية سيناء» من المقاتلين المدربين 200 عنصر، وتقول تقديرات بحثية علمية إن أعداد إرهابيى تنظيم «ولاية سيناء» ما بين 150 إلى 250 فرد كحد أقصى.
ويقسمُ تنظيم «ولاية سيناء» مقاتليه إلى مجموعات وخليات تتكون من بين 7 إلى 10 إرهابيين لكل خلية تتحرك بسرعة وخفة وسط المدن السيناوية ومن ثم يمكنها التنقل إلى داخل المحافظات مع ضعف الرقابة الأمنية على طول الطرق المؤدية إلى محافظات الدلتا والقاهرة.
ويرى بعض الباحثين أن تنظيم «ولاية سيناء»جمّع سلاحه من تجار الأسلحة السيناويين وخاصة أولئك المنتمين إلى قبيلتى السواركة والرشايدة واللذين تضررت تجارتاهما جراء قرار السلطات المصرية تدمير الأنفاق مع غزة.
وبدأ تنظيم «ولاية سيناء» بتجنيد المصريين ثم ما لبث أن ضم عددا من الجهاديين التكفـيريين من ليبيا والسودان، وبعد ذلك تطور الأمر بأن ضم التنظيم عناصر أجنبية دخلت مصر بتأشيرات سياحية.
وتعد قبيلة عرب شركس هى نقطة الارتكاز الأساسية التى يعتمد عليها عناصر التنظيم فى الإيواء والمناورة والتحرك.
بايع تنظيم «ولاية سيناء» تنظيم «الدولة الإسلامية» على الولاء والطاعة كما بايع التنظيم أبو بكر البغدادى خليفة له فـي اواخر العام الماضي. أما زعيم تنظيم «ولاية سيناء» فهو أبو أسامة المصري، واسمه الحقيقي محمد أحمد علي (36 عاماً)، وهو من مواليد مدينة العريش عاصمة محافظة شمال سيناء، لكنه كان مقيما لفترات طويلة فـي محافظة الشرقية (شمال القاهرة).
سيناء .. بطاقة تعريف
شبه جزيرة سيناء منطقة صحراوية وهي الجزء الشرقي من مصر. وتمثل 6 بالمئة من مساحة مصر الإجمالية، ويسكنها مليون وأربعمائة ألف نسمة، حوالي 597،000 نسمة فـي محافظتي جنوب وشمال سيناء و800 الف نسمة فـي المنطقة الغربية من سيناء (السويس، الإسماعيلية، بورسعيد). وتلقب بأرض الفـيروز.
تتكون شبة جزيرة سيناء إدارياً من محافظتين شمال سيناء, وجنوب سيناء. كما يتبع الساحل الشرقي لقناة السويس محافظات بور سعيد والإسماعيلية والسويس.
مركزها الإداري والحضاري مدينة العريش. وتنقسم إلى محافظتين ومناطق ثلاث: مركز العريش فـي الشمال، وبلاد التيه فـي الوسط (مركزها مدينة نخل)، ومركز الطور فـي الجنوب حيث الجبال العالية وأهمها جبل موسى 2285 متر وجبل القديسة كاترينا 2638 متر (أعلى جبال مصر). وبتلك الجبال تقع دير سانت كاترين تلك الكنيسة الأثرية الغنية بالمخطوطات والتي بناها جوستنيان عام 527.
ويحدها شمالاً البحر المتوسط وغربا خليج السويس وقناة السويس وجنوباً البحر الأحمر وخليج العقبة. وهي الرابط بين أفريقيا وآسيا عبر الحد المشترك مع فلسطين شرقا. ويحدها من الشرق فالق الوادي المتصدع الممتد من كينيا عبر القرن الأفريقي إلى جبال طوروس بتركيا.
وتنقسم التضاريس فـي سيناء الى ثلاثة أقسام
1-القسم الشمالي ويعرف بالسهول الشمالية
2-القسم الأوسط يبلغ مساحة هذا القسم ثلث مساحة سيناء وتظهر فـي هذا القسم هضبة التيه الجيرية وسميت بهذا الاسم نسبة لخروج اليهود من مصر وتاهوا بعد ذلك فـي هذه المنطقة 40 سنة وفـي جنوبها هضبة العجمة وهي اصغر من هضبة التيه.
3-المثلث الناري جنوبي سيناء يتميز بتعدد القمم الجبلية المدببة واهم القمم الجبلية التي تقترب من بعضها قمة جبل سانت كاترين وهي اعلى قمة جبلية فـي مصر (2600 متر).
وبحسب معاهدة «كامب ديفـيد» مع العدو الاسرائيلي تم تقسيم سيناء إلى ثلاث مناطق هي:
تنص اتفاقية السلام على تقسيم سيناء إلى 3 مناطق رئيسية، تلزم مصر بتسليح محدد ومعروف مسبقا فـي تلك المناطق ولا يجوز رفعه إلا باتفاق الطرفـين.
– المنطقة الأولى، وتعرف بـ«المنطقة أ»، تبدأ من قناة السويس، وحتى أقل من ثلث مساحة سيناء ، وفـيها تلتزم مصر بعدم زيادة التسليح عن فرقة مشاة ميكانيكية واحدة ومنشآتها العسكرية وتحصينات ميدانية، على أن تتكون الفرقة من: 3 ألوية مشاة ميكانيكي، لواء مدرع واحد، 7 كتائب مدفعية ميدان لا يزيد عدد القطع بها على 126 قطعة، 7 كتائب مدفعية مضادة للطائرات تتضمن صواريخ فردية أرض/جو وحتى 126 مدفع مضاد للطائرات عيار 37 مم فأكثر. وكذلك لا يجوز لمصر أن تزيد عدد الدبابات فـي تلك المنطقة المفتوحة حتى 230 دبابة، ولا عدد ناقلات الأفراد المدرعة إلى ما فوق 480 مركبة من كل الأنواع. وحسب الاتفاقية تلتزم مصر بسقف 22 ألف جندي فـي تلك المنطقة لا يزيدون.
– المنطقة «ب»، وهي تضم منطقة شاسعة، حيث تبدأ جنوبا من حدود شرم الشيخ، وتتسع على شكل مثلث مقلوب لتصل إلى العريش، وفـي تلك المنطقة وسط سيناء بالكامل أو أغلبه، وتضم أيضا الممرات الاستراتيجية التي تتحكم فـي شبه الجزيرة. وتنص الاتفاقية أن تلتزم مصر بحد أقصى من التسليح يتمثل فـي 4 كتائب بأسلحة خفـيفة وبمركبات على عجل (وليس المجنزرات التي تسير بشكل أفضل على الرمال)، تعاون الشرطة المدنية فـي المحافظة على النظام فـي المنطقة، وتتكون العناصر الرئيسية لكتائب الحدود الأربع بحد أقصى 4000 فرد.
– المنطقة الثالثة، المعروفة بالمنطقة «ج»، وتضم الشريط الحدودي كله، بالإضافة لهضاب منطقة وسط سيناء الشهيرة، ومدينتي طابا وشرم الشيخ الاستراتيجيتين، ومدينة رفح المصرية التي تعتبر بوابة قطاع غزة. فـي تلك المنطقة، حسب الاتفاقية، من غير المسموح لمصر نشر قوات عسكرية، حيث تتركز فـي تلك المنطقة قوات شرطة، وقوات الأمم المتحدة فقط، على أن تكون الشرطة المدنية المصرية مسلحة بأسلحة خفـيفة لأداء المهام العادية.
Leave a Reply